في مثل هذه الأيام من عام ٢٠٠٨، وبفاصل بضعة أشهر عن موعد الإنتخابات النيابية، زارت مقدمة برنامج «بكل جرأة» مي شدياق ولاية ميشيغن، واختارت مدينة ديربورن لتقدم منها احدى حلقات برنامجها السياسي. كان ذلك من ضمن خطة توجيه «قواتية» أشرف عليها القنصل بشير طوق، وتم بموجبها افتتاح الحملة الإنتخابية لـ«قوى ١٤ آذار» مباشرة على الهواء الأميركي وفقاً للهوى «القواتي-المستقبلي». حشدت شدياق بمساعدة دليلها ودليل «١٤ آذار» في ميشيغن بشير طوق، لتصوير إحدى حلقات برنامجها، عدداً غفيراً من الضيوف وبعض الدمى المنتقين بعناية، مع إشراكٍ خجولٍ لشخصين او ثلاثة من الطرف الآخر. فأتت صورة الحلقة على هوى ما تتمناه «القوات» ويتيمها «المستقبل»، أكثرية وأغلبية وحضوراً وتمثيلاً وفاعلية وشعبوية… ومن غير أن ننسى، للأمانة، بعض المواهب التي تفتقت مباشرة على الهواء، وقوفاً وقعوداً، أماماً وخلفاً، وما تخللها من دلعٍ وولعٍ بلبنان، ومن أمنياتٍ ولعثماتٍ وتذبذباتٍ، منعنا حكم المهنة ان نشيح ابصارنا عنها ونصم آذاننا، أقله، كي نعصم أنفسنا من الغثيان.
في تلك الحلقة، بحثت مي شدياق عن «حزب الله» في ديربورن ،وألحّت في البحث والسؤال محاولة أن تفك «اللغز الكبير»، إذ كيف يمكن للشيعة أن لا يكونوا مع هذا الحزب المحظور أميركياً. صوبت على حركة «أمل»، كونها أحد التوأمين اللذين ولدا من رحم واحد. سألَت مثل الطفل البريء والحمل الوديع، وكأنها لا تدري بأن لا وجود لـ«حزب الله» في ديربورن، كما في كل الولايات المتحدة، قاصدة القول بأن «حزب الله» يتخفى برداء «حركة أمل». سقط هذا الإدعاء بضربة الأمر الواقع والحقيقة. فشلت محاولات مي شدياق ومن ورائها «القوات» و«المستقبل»، وعادت أدراجها إلى لبنان خالية الوفاض. وعاد تيار «المستقبل» إلى ممارسة إدمانه في «الحرتقة» والتخريب. فأصدر ذات يوم وبعد طول غياب، بيانا من غير أن يعلم مضمونه (انتظر الشرح)، يتهجم فيه على الجالية اللبنانية وعلى وزير الخارجية وعلى القناصل الذين تعاقبوا على القنصلية من طائفة بعينها وعلى الجهة السياسية الراعية، أي حركة «أمل». كان البيان نذير شؤم عليهم وعلى من اصدروه من اجله. لم يكتف «المستقبل» بذلك، بل حول القنصلية العامة في ديترويت إلى مكتب حزبي يصدر منه البيانات التضامنية مع نفسه ومع زعيمه المكلوم على عتبة البيت الأبيض. وتمر الأيام و«المستقبل» غارق في نوم عميق، وفجأة يذكرنا بأنه موجود. فيختلق قصة «هندية»، مع كل الإحترام للإخوة الهنود، عن عملية تطهير وإلغاء سياسي بحقه من خلال تهديد بحرق وتكسير قاعة كان ينوي إقامة ذكرى إغتيال الرئيس رفيق الحريري فيها. وكل القصة أن صاحب القاعة اعتذر عن استقبالهم لانه لا يريد أن يحول قاعته إلى ساحة للسب والشتيمة والتطاول على الرموز الوطنية الشريفة. فتثور زوبعتهم، وشتان بينها وبين الزوبعة القومية، في فنجان «حياة ريجينسي». فينتشي أحدهم على المنبر ويطلق شعارا أطول من قامته واعدا بتغيير وجه ديربورن، ثم يندثر بعد ذلك ولا يُسمع له حس. ومنذ ذلك الزمان وهم في ثباتهم ينعمون براحة البال، حتى نسي الناس وجوههم الجميلة، ولكن تبا للإنتخابات وألف تبٍ، فقد أحيت العظام وهي رميم.
يزور الوزير جبران باسيل مدينة ديربورن من ضمن زيارة شاملة للولايات المتحدة، تتحرك «القوات اللبنانية» مستنفرة كل إمكانياتها وأدواتها ومن ضمنها «تيار المستقبل» من أجل إفشال الزيارة والتخريب عليها. يتأخر الوزير عن موعد حفل الاستقبال المعد له أكثر من ساعة ونصف بسبب إجراءات أمنية في المطار اتخذت بحق وزير لبناني يحمل جواز سفر دبلوماسي وهو ما بقي أمراً مستغرباً وذا دلالة. تصدر «القوات اللبنانية» بيانا مستترا بأسماء متعددة، وكما العادة في البيانات التي تصدر، يكتفي المستقبل بالتوقيع بلا مناقشة أو حتى أنه لا يقرأ البيان الذي يصدره، كما حصل مع بيان «قوى ١٤ آذار في ميشيغن» الذي أصدرته «القوات» احتجاجا على قرار الوزير علي الشامي بإبطال قرار للقنصل طوق كان يقضي بتعيين موظفة قواتية في القنصلية العامة في ديترويت. حيث كان منسق التيار العتيد في رحلة استجمامية عندما وافق على بيان لم يقرأه ولم يعلم به رفاقه في التيار. انتهى الشرح.
طبعاً، يمكن لـ«تيار المستقبل» أن يقرأ البيان لاحقاً، خاصة إذا كان منشورا في جريدة «المستقبل» في لبنان. يقرأ ولا يخجل، بل يزداد صلفاً ونزقاً وتمسكاً، لا نجد تفسيراً له، إلا بما ينسجم مع مصدري البيان. أسلوب جديد ومبتكر في تخويف اللبنانيين عبر الوشاية الكاذبة وتحذيرهم من مغبة اللقاء بالوزير باسيل لأنه «متحالف مع حزب إرهابي مسؤول عن قتل مئات الأميركيين». وأسلوب جديد أيضاً في الكذب والإفتراء على المؤسسات التي نظمت ودعت وحضرت حفل الاستقبال. فمثلاً، خذوا هذه المهزلة، «تيار المستقبل» في ديربورن يمثل الجالية اللبنانية وكل المؤسسات التي دعت وحضرت هي منتحلة صفة ولا تمثل اللبنانيين في أميركا! فـ«تيار المستقبل» بدميته الجديدة يمثل اللبنانيين في ديربورن رغماً عنهم، وكل الذين حضروا استقبال جبران باسيل إنما أتوا تلبية لدعوة «المرجعيات الإسلامية» التي أصدرت «تكليفا شرعيا» لمواكبة الوزير تعويضاً عن النقص المسيحي، كما روج «دمية المستقبل» ونشرت جريدته.
السؤال الأهم في هذه القضية هو إلى متى ستبقى المؤسسات والمنظمات اللبنانية الأميركية متفرجة على مجموعة «خارجة على الأخلاق»، لا تحترم أصولاً ولا تراعي مبدأً، ولا تقيم وزنا لنفس هذه المؤسسات والمنظمات.
لقد آن الأوان لزجر هؤلاء.. حتى يصبح أكبر تحدٍ أمامهم أن يجدوا كرسياً في احتفالات المؤسسات «التي لا تمثل الجالية».
Leave a Reply