في العمق، لا يختلف حديث رئيس المجلس الوطني السوري
الدكتور برهان غليون لصحيفة “وول ستريت جورنال” عن الحديث المعروف لرجل الأعمال
رامي مخلوف مع صحيفة “نيويورك تايمز”، فكلا الحديثين يوجه الرسائل ذاتها عبر وسائل
أميركية، بالمضمون ذاته تقريبا، مع اختلاف اللهجة.
الدكتور برهان غليون لصحيفة “وول ستريت جورنال” عن الحديث المعروف لرجل الأعمال
رامي مخلوف مع صحيفة “نيويورك تايمز”، فكلا الحديثين يوجه الرسائل ذاتها عبر وسائل
أميركية، بالمضمون ذاته تقريبا، مع اختلاف اللهجة.
حديث مخلوف حول “أمن إسرائيل الذي هو من أمن سوريا” أصبح
من الماضي، وليس من التاريخ (إذ يوجد ثمة فرق)، فحتى أنصار الثورة السورية ما عادوا
يسوقونه برهانا على تواطؤ النظام في سوريا مع الوجود الإسرائيلي. ولكن حديث غليون
عن استرداد الجولان بالمفاوضات (وبالتعاون مع أصدقائنا الأوروبيين والأميركيين) لا
يعني في المقلب الأخير شيئا سوى طمأنة إسرائيل. والآن على إسرائيل أن تختار فيمن
يضمن أمنها واستقرارها؟
من الماضي، وليس من التاريخ (إذ يوجد ثمة فرق)، فحتى أنصار الثورة السورية ما عادوا
يسوقونه برهانا على تواطؤ النظام في سوريا مع الوجود الإسرائيلي. ولكن حديث غليون
عن استرداد الجولان بالمفاوضات (وبالتعاون مع أصدقائنا الأوروبيين والأميركيين) لا
يعني في المقلب الأخير شيئا سوى طمأنة إسرائيل. والآن على إسرائيل أن تختار فيمن
يضمن أمنها واستقرارها؟
ما يعني، وحين تأمل حديث غليون وبكثير من الغضب، أن
القذافي كان على حق حين عرّف الثورة.. بأنها أنثى الثور، وما يعني حين تأمل حديث
مخلوف، وبكثير من الغضب، أن الغير.. هو ذكر الغيرة!
القذافي كان على حق حين عرّف الثورة.. بأنها أنثى الثور، وما يعني حين تأمل حديث
مخلوف، وبكثير من الغضب، أن الغير.. هو ذكر الغيرة!
في سوريا الديمقراطية
المدنية المستقبلية، في حال انتصرت الثورة، سيتغير الكثير من الأشياء، لعل أبرزها،
وفقا لحديث غليون، هو إحالة العلاقة مع إيران إلى علاقة عادية. يعني مثلها مثل أي
علاقة مع أية دولة أخرى، وقطع العلاقات مع حركات المقاومة العربية، اللبنانية أكثر
تحديدا، والعودة بسوريا إلى اصطفافها مع العرب، دول الخليج بشكل خاص. والسؤال هو
كيف سيذهب وقتها حكام سوريا الجدد إلى المفاوضات مع إسرائيل؟
المدنية المستقبلية، في حال انتصرت الثورة، سيتغير الكثير من الأشياء، لعل أبرزها،
وفقا لحديث غليون، هو إحالة العلاقة مع إيران إلى علاقة عادية. يعني مثلها مثل أي
علاقة مع أية دولة أخرى، وقطع العلاقات مع حركات المقاومة العربية، اللبنانية أكثر
تحديدا، والعودة بسوريا إلى اصطفافها مع العرب، دول الخليج بشكل خاص. والسؤال هو
كيف سيذهب وقتها حكام سوريا الجدد إلى المفاوضات مع إسرائيل؟
ثم إذا كان أنصار الثورة
السورية يدعون حكم بشار الأسد احتلالا ويرفضون المفاوضات معه ويطالبون بمحاكمته،
كيف سيذهب غليون وحكومته المستقبلية إلى المفاوضات مع إسرائيل التي ما يزال
السوريون يعتبرون وجودها احتلالا؟ وللمفارقة.. فإن “احتلال” النظام السوري لسوريا
بدأ في نفس الوقت الذي بدأ فيه الاحتلال الإسرائيلي لأراض سورية، في العام
1967.
السورية يدعون حكم بشار الأسد احتلالا ويرفضون المفاوضات معه ويطالبون بمحاكمته،
كيف سيذهب غليون وحكومته المستقبلية إلى المفاوضات مع إسرائيل التي ما يزال
السوريون يعتبرون وجودها احتلالا؟ وللمفارقة.. فإن “احتلال” النظام السوري لسوريا
بدأ في نفس الوقت الذي بدأ فيه الاحتلال الإسرائيلي لأراض سورية، في العام
1967.
بعد كل هذه العقود الكبيسة يبدو شعار “التوازن
الاستراتيجي” الذي رفعه الرئيس الراحل حافظ الأسد مثيرا للألم والأسى، إذ انتهت بنا
تلك السياسة إلى حقيقة أن “غنم العواس” هو سلاحنا الوحيد (والطيب المذاق) في
التوازن الاستراتيجي مع بلدان الخليج العربي. وانتهى بنا الحال ضمن ما انتهى إليه،
إلى أن إيران التي يحكمها الكهنوت الديني ستقوم بإمداد سوريا العلمانية بالصناعات
البتروكيمائية في حال قامت السعودية الوهابية بوقف صادراتها لسوريا، ضمن خطة تطبيق
العقوبات الاقتصادية.
الاستراتيجي” الذي رفعه الرئيس الراحل حافظ الأسد مثيرا للألم والأسى، إذ انتهت بنا
تلك السياسة إلى حقيقة أن “غنم العواس” هو سلاحنا الوحيد (والطيب المذاق) في
التوازن الاستراتيجي مع بلدان الخليج العربي. وانتهى بنا الحال ضمن ما انتهى إليه،
إلى أن إيران التي يحكمها الكهنوت الديني ستقوم بإمداد سوريا العلمانية بالصناعات
البتروكيمائية في حال قامت السعودية الوهابية بوقف صادراتها لسوريا، ضمن خطة تطبيق
العقوبات الاقتصادية.
فكيف ستفيدنا عودة سوريا إلى الحضن العربي الخليجي بعد
انتشالها من المخلب الإيراني، إذا كان الخليجيون منقسمين إلى صقور اعتدال تقودهم
السعودية، وإلى حمائم تطبيع مع إسرائيل، تقودهم قطر؟
انتشالها من المخلب الإيراني، إذا كان الخليجيون منقسمين إلى صقور اعتدال تقودهم
السعودية، وإلى حمائم تطبيع مع إسرائيل، تقودهم قطر؟
يمكن بسهولة إدراج جميع التساؤلات السابقة في باب: دس السم
في الدسم، أو انتزاع الكلام من سياقه، أو كلام حق يراد به باطل.. إلى آخر هذا
الأعذار الجاهزة. وتوضيحا يجب التأكيد على أن الثورة السورية هي ثورة كرامة بالدرجة
الأولى، ويجب على السوريين أن يصونوها كثورة كرامة في وجه محتليهم، من أبناء جلدتهم
الحاكمين ومن الإسرائيليين على السواء، وهذا هو المطهر الذي يجب على السوريين أن
يعبروه.
في الدسم، أو انتزاع الكلام من سياقه، أو كلام حق يراد به باطل.. إلى آخر هذا
الأعذار الجاهزة. وتوضيحا يجب التأكيد على أن الثورة السورية هي ثورة كرامة بالدرجة
الأولى، ويجب على السوريين أن يصونوها كثورة كرامة في وجه محتليهم، من أبناء جلدتهم
الحاكمين ومن الإسرائيليين على السواء، وهذا هو المطهر الذي يجب على السوريين أن
يعبروه.
وأما الحديث عن تأجيل الاعتراف الرسمي بالمجلس لأسباب
قانونية، وبدعوى أنه ليس المجلس لدى مناطق يحكمها في الداخل السوري، فهذه نكتة سمجة
وضحك على الذقون، إذ كيف ينزع الغرب الشرعية عن نظام بشار الأسد رغم أنه مايزال
يحكم سيطرته على الأراضي السورية ومؤسسات الدولة والمجتمع. هذا العذر القبيح.. لا
يعني شيئا سوى إرغام السوريين على المطالبة بمناطق عزل وحظر جوي، فكيف نقدم تنازلا
مجانيا للغرب الأوروبي والأميركي الذي يسن أسنانه للإطاحة بالنظام السوري؟ وكيف
نقدم تنازلات لتركيا التي تستقتل لكي تجد لنفسها موطئ قدم على أرض سوريا؟ إذا كانت
السياسة تقتضي تقديم تنازلات معينة، وهي بالتأكيد تقتضي ذلك، وهذا أمر مفهوم،
فالتنازلات يجب أن تقدم للروس والإيرانيين والمقاومة اللبنانية، عملا بذلك المبدأ
البسيط الذي يعرفه الجميع، بمن فيهم أولئك الذين يبررون أخطاءهم وأطماعهم التافهة
بأنهم أقصوا عن الحياة السياسية في سوريا لمدة أربعة عقود.. وهذا المبدأ يقضي بعدم
وضع البيض كله في سلة واحدة
قانونية، وبدعوى أنه ليس المجلس لدى مناطق يحكمها في الداخل السوري، فهذه نكتة سمجة
وضحك على الذقون، إذ كيف ينزع الغرب الشرعية عن نظام بشار الأسد رغم أنه مايزال
يحكم سيطرته على الأراضي السورية ومؤسسات الدولة والمجتمع. هذا العذر القبيح.. لا
يعني شيئا سوى إرغام السوريين على المطالبة بمناطق عزل وحظر جوي، فكيف نقدم تنازلا
مجانيا للغرب الأوروبي والأميركي الذي يسن أسنانه للإطاحة بالنظام السوري؟ وكيف
نقدم تنازلات لتركيا التي تستقتل لكي تجد لنفسها موطئ قدم على أرض سوريا؟ إذا كانت
السياسة تقتضي تقديم تنازلات معينة، وهي بالتأكيد تقتضي ذلك، وهذا أمر مفهوم،
فالتنازلات يجب أن تقدم للروس والإيرانيين والمقاومة اللبنانية، عملا بذلك المبدأ
البسيط الذي يعرفه الجميع، بمن فيهم أولئك الذين يبررون أخطاءهم وأطماعهم التافهة
بأنهم أقصوا عن الحياة السياسية في سوريا لمدة أربعة عقود.. وهذا المبدأ يقضي بعدم
وضع البيض كله في سلة واحدة
Leave a Reply