أصبح غياب الشفافـية لدى مسؤولي مدينة ديربورن أمرا متكررا ويستوجب الحصول على إجابات سريعة فـي هذا الشأن لتبديد مشاعر الحيرة والاستغراب لدى الكثير من سكان المدينة، ومنهم «صدى الوطن» التي تعاني الأمرّين لتحصل على معلومات رسمية من المفترض أن تكون متاحة لعامة الناس، وللإعلام بشكل خاص..
الأربعاء الماضي، قرر رئيس بلدية ديربورن إلغاء خطابه عن حال المدينة متعذراً بالعاصفة الثلجية التي ضربت مترو ديترويت منتصف الأسبوع، وحتى صدور هذا العدد لم تعلن البلدية عن موعد جديد للخطاب، وهي خطوة يمكن إضافتها إلى سلسلة التصرفات -أو ربما السياسات- التي يشوبها الكثير من الغموض وغياب الشفافـية.
سلطات الولاية داهمت مكتب الكليرك وصادرت محتوياته. تهم الفساد والاختلاس انتشرت عبر الصحف والانترنت، والبلدية آخر من يعلم. إذ لم يصدر بيان توضيحي واحد عن رئاسة البلدية أو المجلس البلدي بشأن ذلك.
أما مقتل كفـين ماثيو وجانيت ويلسون، فلا يزال يلقي بظلاله على ديربورن.. وسط تجاهل تام من سلطات المدينة لاحتجاجات الأميركيين السود الذين يطالبون بالكشف عن هوية الشرطي قاتل ماثيو، مهددين بمقاطعة ديربورن وصولاً الى تحويلها الى فـيرغسون ثانية، فـيما يدير لهم المسؤولون فـي المدينة آذانهم الصماء.. بانتظار نتائج التحقيق!
وفوق كل هذا يواجه السكان والمراسلون الصحفـيون مشقة كبيرة للحصول على معلومات من البلدية، رغم أن هذه المعلومات من المفترض أن تكون متاحة لعامة الناس، حسب القانون.
غير أن الواقع مختلف مع بلدية ديربورن حيث تتحول مهمة سهلة كالحصول على معلومة بسيطة بشأن عدد مقاهي الأركيلة المرخصة -مثلاً- الى مهمة بغاية الصعوبة والتعقيد والمماطلة والتدفـيش.. الذي بات يفوق الحدود، وإن كان العرب «صبرهم طويل» بسبب ما عهدوه من فساد فـي بلادهم الأصلية، فإن إخواننا السود فـي ديترويت لن يصمتوا طويلاً قبل حصولهم على الإجابات الشافـية: من قتل ماثيو؟ ولماذا قتلت ويلسون؟
ومع أن شرطة المدينة كانت قد أصدرت بيانين صحفـيين حول الحادثتين، أعرب فـيهما قائد الشرطة رونالد حداد عن «أسفه» عما جرى، وتوجه بالعزاء إلى أسرتي الضحيتين، إلا أن ذلك -بكل بساطة- ليس كافـياً.
ويبدو أن تأجيل خطاب حال الاتحاد قد يكون من صالح رئيس البلدية، جاك أورايلي، فـي حال كان سيتجاهل الحادثتين، ويصب كل تركيزه على مشروع إنهاض الأحياء التجارية فـي المدينة، بمشورة من أسماهم ممثلي المجتمع المحلي، وبينهم شاب عربي يافع وحيد من أصل سبعة أشخاص «قياديين» (معظمهم مسؤولون فـي إدارة أورايلي). وهو دليل على مدى جدية أورايلي عندما يتحدث عن تمثيل حقيقي لسكان المدينة التي يشكل العرب حوالي نصف سكانها.
على أي حال، إننا ندرك، ونتفهم أن تبقى بعض المعلومات سرية لتجنب أي تشويش أو تأثير يضر بسير التحقيقات، ولكن هنالك بعض الأسئلة التي لا بد من الإجابة عنها بمعزل عن كل شيء، حيث ماتزال «المدينة» مصرة على التزام الصمت المطبق رغم أن «صور كاميرات الشرطة» يمكن أن تثبت أو تنفـي عدائية الشرطيين فـي مقتل ويلسون وماثيو اللذين كانا يعانيان من «إعاقة عقلية».
كما أن الارتياب من سلوك مسؤولي ديربورن مازال يعصف بالكثيرين، بمن فـيهم أعضاء منظمة «نيو إرا ديترويت» (ديترويت العصر الجديد)، وهي منظمة شعبية تطالب بتحقيق العدالة فـي قضية مقتل ماثيو وويلسون.
وعندما حاولت مجموعة من أعضاء هذه المنظمة حضور اجتماع المجلس البلدي فـي شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، ادعى أعضاؤها أن أبواب مبنى البلدية أغلقت فـي وجوههم، وهو سلوك -فـي حال ثبوته- يظهر أن البلدية خالفت «قانون الاجتماعات المفتوحة»، بحسب قانون ميشيغن.
فـي المقابل، يقول مسؤولو المدينة إنهم «ليسوا متأكدين» فـيما إذا تم فعلا إغلاق الأبواب، كما أنهم ليسوا متأكدين كيف تم ذلك ولماذا. وهذا عذر أقبح من ذنب.
إذ إن بذل جهد بسيط يمكن أن يؤمن الجواب المطلوب، فلو تواصل قائد الشرطة رونالد حداد -الذي غالبا ما يحضر اجتماعات المجلس البلدي- مع مسؤولي المدينة لعرفنا من قام بإغلاق الأبواب، وهل تم إغلاقها عمدا بوجه الناشطين الغاضبين من قتل شرطة ديربورن لماثيو وويلسون.
مثال آخر على غياب الشفافـية: اتصلنا -فـي جريدة «صدى الوطن»- فـي وقت سابق من هذا الشهر بـ«دائرة المعلومات العامة» للحصول على بعض المعلومات المتعلقة بالقوانين المحدثة الخاصة بمقاهي الأركيلة فـي ديربورن، والتي كان من المفترض البدء بتطبيقها بداية العام الحالي على أن لا يتعدى عدد المقاهي المرخصة الـ15 مقهى.
وعندما حاولنا الحصول على بعض التوضيحات والمعلومات المتعلقة بقائمة المتطلبات والشروط الجديدة التي يجب أن تلتزم بها المقاهي المرخصة، أجابنا مدير «قسم المعلومات العامة» فـي رسالة عبر البريد الإلكتروني بأنه يجب علينا أن نتقدم بطلب «فويا» (وفق قانون حرية المعلومات)، وهو طلب خطي للحصول على المعلومات من جهة رسمية.
فعلنا ذلك. وتقدمنا بالطلب.
وبموجب الإجراءات المتبعة علينا الانتظار 30 يوماً -شهراً كاملاً- للحصول على معلومة يمكن الوصول اليها خلال دقيقة أو دقيقتين لو أراد مدير «المعلومات العامة» ذلك..
لأي سبب من الأسباب تريد «مدينة ديربورن» من أن نقوم بتلك الرحلة الشاقة لاستحصال تلك المعلومات، مع أنها موجودة فـي أدراج مكاتبها؟ إذ كان بإمكانها أن ترسل لنا ما طلبناه بدلا من إرسالها لنا بيانات صحفـية مثل مواعيد رفع القمامة وتنظيف أوراق الأشجار وإزالتها، على أهميتها.
آخر مرة تقدمت فـيها «صدى الوطن» بطلب «فويا» إلى «المدينة»، كانت للحصول على أسماء العاملين فـيها، وذلك بهدف جمع البيانات عن أعداد العرب الأميركيين الذين عملوا ويعملون فـيها. وبعد عدة أسابيع، قمنا -فـي الموعد النهائي المحدد لنا باقتفاء أثر الطلب الذي تقدمنا به- فاكتشفنا أنه قابع فوق أحد الرفوف وقد غطاه الغبار.
حينها، أخبرنا الموظفـين هناك، بكل لباقة وأدب، بأن الموعد النهائي لحصولنا على المعلومات قد حان، وكانت الإجابة أنهم سوف يقومون بإرسالها عبر البريد.
وبعد بضعة أيام تلقينا الرسالة التي نصت على أن «المعلومات المطلوبة ليست فـي حوزة المدينة». شهر كامل ذهب هباء، هكذا بلا جدوى. فهل يعقل أن البلدية ليس لديها لائحة بأسماء العاملين فيها؟!
وعودا على بدء، فـي البيان الصحفـي الذي أعلن فـيه عن إلغاء خطاب «حال المدينة» كان أورايلي قد أشار إلى أن «المدينة تضع فـي اعتبارها موعدا بديلا»، ونحن نقول إن على مسؤولي المدينة والعاملين فـيها أن يضعوا فـي اعتبارهم، أيضاً، أصول التواصل والشفافية مع الآخرين.
Leave a Reply