أول عربية أميركية تتولى منصب مديرة التعيينات في حاكمية ميشيغن
حسن عباس – «صدى الوطن»
شهدت السنوات الأخيرة انخراطاً غير مسبوق للعرب الأميركيين في تولي المناصب الحكومية الرفيعة سواء على المستوى المحلي أو الوطني، بما لا يدع مجالاً للشك، على رسوخ دورهم السياسي والاقتصادي، وعلى حضورهم الانتخابي الذي بات رقماً يصعب تجاهله لاسيما في سباقات المدن والمقاطعات التي يشكلون فيها ثقلاً سكانياً وازناً.
فبعد عقود من الإقصاء والتهميش في الوظائف الحكومية ورغم النجاحات التي كانوا يحققونها في مختلف المجالات الأخرى، لاسيما في مجال الأعمال التجارية والتعليم، أصبح للعرب الأميركيين في ميشيغن اليوم حضوراً متزايداً في دوائر الحكم وصولاً إلى العاصمة لانسنغ.
فقد أثمر الإقبال العربي المتنامي على التصويت، خاصة في انتخابات ولاية ميشيغن 2018، عن فوز الديمقراطيين بجميع المناصب التنفيذية المنتخبة، (الحاكمية والادعاء العام وسكرتاريا الولاية)، ليبدأ موسم الحصاد مطلع العام الحالي بتعيين عرب أميركيين في الفرق الانتقالية لكل من حاكمة الولاية غريتشن ويتمر ومدعي عام الولاية دانا نسل وسكرتاريا الولاية جوسلين بنسون.
وفي هذا الإطار، تم تعيين العربية الأميركية غيدا داغر مديرة للتعيينات في مكتب الحاكمة ويتمر، والتي يمكن النظر إلى سيرتها الأكاديمية والمهنية بوصفها مؤشراً على ميل الشباب العرب الأميركيين للانخراط في الحياة السياسية، بعد أن كانوا –لأسباب اجتماعية وثقافية محضة– أكثر اهتماماً بتحصيل علوم أكاديمية مثل الطب والهندسة، أو تأسيس أعمال تجارية خاصة. فالشابة اللبنانية الأصل هي ابنة طبيب وكانت تتطلع للدراسة والتخصص في مهنة والدها، ولكن الوعي والإرادة في المغترب الجديد، قاداها إلى قدر آخر.
بداية المسيرة
كانت داغر في التاسعة من عمرها، عندما وصلت مع عائلتها إلى مدينة ديربورن هرباً من جحيم الحرب الأهلية في سيراليون. لم تكد الطالبة تنهي دراستها الثانوية حتى أدركت أن شغفها في «خلق التغيير» هو أسمى ما تسعى إليه، بحسب ما قالت لـ«صدى الوطن»، مضيفة: «لقد انتقلنا إلى هنا، بحثاً عن اللجوء، فراراً من تبعات الحرب.. لقد جئت إلى ديربورن كلاجئة.. وسكنّا في الجزء الشرقي من المدينة التي حصلت فيها على تعليمي الابتدائي والإعدادي والثانوي».
وكانت داغر قد درست في «ابتدائية مايبلز» و«إعدادية سميث» و«ثانوية ديربورن هاي»، وعلى الرغم من أن طموحها كان ينصب على دراسة الطب البشري، إلا أنها أدركت في وقت مبكر «أن التغيير يمكن إحداثه من خلال وسائل مختلفة».
أضافت: «لقد كنت دائماً أشارك في النوادي المدرسية، حتى أنني تطوعت ضمن حملات صغيرة في وقت مبكر، وعندما وصلت إلى المرحلة الجامعية، أدركت أنني لم أكن أريد لهذا الشغف أن يكون مجرد هواية».
بعد المرحلة الثانوية، انتسبت داغر لـ«جامعة ميشيغن»، حيث درست العلوم السياسية ودراسات الشرق الأدنى، وانخرطت بعمق، في الكثير من الأنشطة الطلابية خلال سنوات الدراسة، لدرجة أن «معظم علمها حصلت عليه، خارج الفصول الدراسية»، بحسب داغر التي أشارت إلى مشاركتها في «الكثير من المجموعات والمنظمات الطلابية، العربية والحكومية، في الحرم الجامعي».
وخلال عملها كرئيسة لموظفي البرمجة في الحكومة الطلابية، اكتسبت داغر خبرات واسعة وعميقة في حلحلة المشاكل والعقبات التي تعترض الأفراد والمنظمات. وبعد التخرج، انخرطت بالأنشطة السياسية والحقوقية من خلال العمل مع «الشبكة الوطنية للمجتمعات العربية الأميركية»، وتعاملت عن قرب مع قضايا الهجرة والتنميط العرقي والمشاركة المدنية.
وقالت: «في وقت ما، فكرت بالانتقال إلى العاصمة واشنطن، ولكنني أدركت حينها أن لدينا الكثير من القضايا، هنا، في فنائنا الخلفي»، مضيفة: «بينما غادر العديد من أصدقائي الولاية، للبحث عن فرص في أمكنة أخرى، أردت أن أكون جزءاً من النمو في ولايتنا».
حبها لديترويت، ولمنطقة جنوب شرقي ميشيغن، دفعاها للانضمام إلى منظمة «يونايتد واي» غير الربحية، حيث ركزت على القضايا الاقتصادية التي تؤثر على المجتمعات منخفضة الدخل في المنطقة، فأصبح العمل مع المجتمعات المحرومة نشاطاً محورياً بالنسبة للشابة اللبنانية الأصل، التي بدأت تستكمل خطواتها في بناء وتشكيل مسيرتها المهنية.
في هذا السياق، تقول: «مجيئي إلى هنا، كلاجئة، ونشأتي في مجتمع منخفض الدخل، هي تجربة حقيقية أحملها في داخلي.. إنها تشكل معالم مسيرتي المهنية»، مؤكدة «كثيراً ما أقول إن تجربتي –كمهاجرة– هي التي أسستني، ولكن تجربتي الأميركية هي التي حفزتني ودعمتني».
ورغم أنه طُلب منها الترشح لمنصب عام، إلا أنها فضلت –بدلاً من ذلك– دعم المرشحين الجدد، عبر برنامج «القادة الأميركيون الجدد» (نيو أميركان ليدرز) الذي يسعى لمساعدة وتدريب المرشحين الجدد في جميع أنحاء البلاد. أثبتت داغر براعتها في توجيه حملات ناجحة، كتلك التي أطلقها العربي الأميركي عبد الله حمود، الذي نجح بالوصول إلى تمثيل مدينة ديربورن في مجلس ميشيغن التشريعي، في 2016.
إضافة إلى ذلك، فداغر عضوة ناشطة في العديد من منظمات المجتمع المحلي، بينها «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك). كذلك شاركت في تأسيس شركة استشارية سياسية، إلى جانب براعتها في إدارة الحملات الانتخابية التي ساهمت في فوز ويتمر.
في لانسنغ
بعد توليها منصب مديرة التعيينات، قدمت داغر للحاكمة قائمة بأسماء الموهوبين من المجتمع العربي الأميركي وغيره من مجتمعات الأقليات، لتعيينهم في المناصب الحكومية.
ولدى سؤالها عن المهام اليومية في منصبها كمديرة للتعيينات في مكتب الحاكمة، أفادت داغر بأن الناس غالباً ما يكون لديهم فهم خاطئ عن دورها، وقالت: «عندما أخبر الناس بأنني مديرة التعيينات في مكتب الحاكمة، فغالباً ما يعتقدون أنني مسؤولة عن جدول أعمالها اليومية». وأردفت «هنالك قسم متخصص لهذا الغرض، أما مهمتي فهي التوصية بأسماء المرشحين لما يقرب من 300 منصب في الولاية».
مكتب داغر، يشرف على تعيين مجالس الجامعات (ما عدا جامعات وين ستايت وميشيغن وميشيغن ستايت التي يتم انتخاب مجالسها من قبل ناخبي الولاية)، إضافة إلى الموظفين في مكتب الحاكمة، وكذلك التعيينات القضائية، والتي كان آخرها تعيين المحامي العربي الأميركي هلال فرحات قاضياً في محكمة مقاطعة وين، قبل نحو شهرين.
أما حول كيفية تمتعها بالطاقة اللازمة للعمل في مجال حكومي صارم، والموازنة مع الحياة الشخصية والعائلية، فقد أكدت على أنه «من المهم أن يحب الناس ما يفعلونه وأن يكون لديهم شغف حقيقي بذلك». وأضافت: يتطلب جدولي أن يكون وقتي منظماً بشكل لا يصدق، بالنسبة للمهني الذي لديه مسؤوليات كثيرة، يتعين عليه إعطاء الأولوية لما هو مهم، وبالنسبة لي.. ما يهمني هو عائلتي وعملي».
ورغم أن منصبها يحتم عليها العمل في أروقة الحكم في العاصمة، بمكتبين أحدهما في لانسنغ والثاني في ديترويت، فما تزال داغر تقيم في مدينة ديربورن التي تعتبرها «منزلها»، ودليلاً على تمسكها بجذورها وقيمها الثقافية والحضارية. وكونها المرأة الوحيدة الملونة (وعلى الأغلب هي الأصغر) في المناقشات السياسية المهمة التي تدور في لانسنغ، فهي لا تسمح لهذه «الميزة» أن تُستخدم ضدها.
وقالت: «ربما نكون قد انتظرنا في السابق من الآخرين لكي يفسحوا المجال أمامنا، لكنني لا أرى سبباً للاستمرار بهذه الطريقة.. إنني أشجع الناس من جميع الشرائح على الانخراط واكتشاف الفرص، خاصة في منطقة ديترويت ذات التاريخ الغني والشجاع والملهم».
وأكدت: «لن نشهد نمواً حقيقياً في منطقتنا، ما لم يكن الجميع ممثلين حول الطاولة ومشاركين في نوع التغيير الذي يريدونه».
وختمت بالقول: «بالعمل الذي أؤديه، أريد التأكد من النهوض بالآخرين، حتى لا يشعر الناس بأنهم ممثلون تمثيلاً ناقصاً، في المواقع التي تتخذ فيها القرارات الهامة بشأن حياتهم».
Leave a Reply