وليد مرمر – لندن
في ربع الساعة الأخيرة، يبدو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تصر على التطبيق العملي لمقولة «يا رايح كتّر الملايح»، ولكن بطريقة عكسية، أي «يا رايح كتر القبايح»! فبعد اقتحام مجموعات مؤيدة له للكونغرس الأميركي في محاولة لتعطيل التصديق على انتخاب جو بايدن، فإن مناصري الرئيس يتحضرون للتظاهر مجدداً في معظم الولايات بحسب مكتب التحقيقات الفدرالي الذي حذّر من تخطيط جماعات مناصرة لترامب لتنظيم احتجاجات مسلحة محتملة في العاصمة الأميركية، وفي عواصم الولايات الخمسين، في الفترة التي تسبق تنصيب بايدن في 20 من يناير الجاري، حيث سينتشر الآلاف من قوات الحرس الوطني في واشنطن لتأمين الحفل.
ويترافق الوضع الزمني المتوتر مع توتر سياسي لا يقل حدة، مع تصويت مجلس النواب الأميركي –الأربعاء الماضي– لصالح عزل الرئيس الجمهوري بتهمة التحريض على التمرد على خلفية أحداث اقتحام الكونغرس. ليصبح ترامب أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يواجه إجراءات العزل مرتين.
هذا غيض من فيض الأحداث المتسارعة على الساحة الأميركية هذه الأيام، ولكن «مآثر» ترامب و«إنجازاته» تتعدى السياسة المحلية الأميركية، بل تغطي معظم بقاع العالم، وتحديداً المنطقة العربية، وهي غنية بالإخفاقات والقرارات التعسفية التي أضاف إليها مؤخراً بعض الألغام الإقليمية التي ستزيد من التعقيدات لدى تعامل إدارة بايدن مع الملفات الساخنة في الشرق الأوسط.
فمن «مآثر» ترامب الخارجية، خروجه من الإتفاق النووي الإيراني وفرضه حزمة من العقوبات التي لا مثيل لها في التاريخ، على إيران، كان آخرها منذ أيام عندما أعلنت وزارة الخزانة عن إدراج مؤسستين إيرانيتين «يسيطر عليهما المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وهما «لجنة تنفيذ أمر الإمام» و«أستان قدس رضوي» ضمن قائمتها السوداء، مدعية أن «المؤسستين مكنتا النخبة الإيرانية من الحفاظ على نظام ملكي فاسد للسيطرة على قطاعات كبيرة من الاقتصاد».
ولكن إلى أي حد تمكنت إدارة ترامب عبر العقوبات القصوى من كبح جموح برنامج إيران النووي؟
بالنظر إلى السنوات الأربع الماضية يتبين للمراقب أن العقوبات والضغوطات الاقتصادية لم تثن إيران عن المضي في برنامجها النووي وتطويره، كما أنها لم تنجح في تأليب الشارع ضد حكومته، بل ربما يكون العكس صحيحاً. ولم تؤد العقوبات إلى تشرد الإيرانيين وراء لقمة العيش كما حصل للشعب الفنزويلي الذي تدفق بالملايين إلى دول الجوار بنما وتشيلي وبيرو والإكوادور في حين تستضيف كولومبيا وحدها ما يقارب من مليوني لاجئ.
وعلى العكس فإن إيران، وحسب الأمم المتحدة، تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم، أي ما يربو على خمسة ملايين لاجئ معظمهم من الجنسية الأفغانية! كما أن العقوبات لم تدفع بإيران إلى الإفلاس والعجز عن تسديد مستحقاتها لأية دولة بل إن بعض الدول تحتجز أموالاً إيرانية وترفض تسديدها. وفي هذا الأطار جاء احتجاز الحرس الثوري لناقلة النفط الكورية الجنوبية «هانكوك تشيمي» بدعوى «مخالفتها المتكررة للقوانين البيئية البحرية»، الإيرانية، حيث صرح بعض المراقبين أن الهدف الرئيس لاحتجاز السفينة هو للضغط على سيول للإفراج عن أصول إيرانية تقدرها بعشرة مليارات دولار كانت كوريا الجنوبية قد جمدتها بسبب الخوف من العقوبات الأميركية.
وفيما خص البرنامج النووي فإن إيران قد أعلنت مؤخراً عن بدئها بتخصيب اليورانيوم بنسبة ٢٠ بالمئة في مفاعل «فوردو» ملوحةً بقدرتها على رفع مستوى التخصيب بنسبة تصل إلى ٩٠ بالمئة. ومنذ أيام قامت إيران بمناورات « الإقتدار» البحرية في خليج عمان كشفت خلالها عن غواصة «فاتح» وحاملة الطوافات «مكران» محليتي الصنع! فماذا كانت نتيجة عقوبات ترامب القصوى!
في العراق، كان للاغتيال الأحمق وغير القانوني للجنرال الإيراني قاسم سليماني والعراقي أبو مهدي المهندس، ارتداداته على مستوى معظم القوى الأساسية في العراق حيث توحدت هذه القوى على أولوية مغادرة القوات الأميركية لبلاد الرافدين.
ويوم الخميس الماضي، أصدر القضاء العراقي مذكرة اعتقال بحق الرئيس الأميركي دونالد ترامب وذلك بقضية مقتل المهندس، نائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» السابق.
فبجريمته، حوّل ترامب العراق من دولة حليفة إلى دولة غير متحالفة، لكيلا نقول مناوئة أو معادية! إنه حقاً إنجاز آخر في جعبة سياسات ترامب الخارجية.
وفي اليمن سارع وزير الخارجية مايك بومبيو، قبل أسبوع من رحيله غير المأسوف عليه، إلى تصنيف جماعة «أنصار الله» اليمنية على لائحة الإرهاب. وجاء هذا الإعلان في خضم محاولة الحوثيين لإعادة إطلاق عملية السلام مع السعودية عبر الأمم المتحدة التي حاولت –مع وكالات الإغاثة الدولية– ثني إدارة ترامب عن القيام بهذه الخطوة. فناشد مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث، الولايات المتحدة للتراجع عن الخطوة، كما وحث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت على إعادة النظر في التصنيف، كما ضغطت ألمانيا والسويد على الولايات المتحدة للتراجع عن قرارها. لكن كل هذه الجهود كانت من غير طائل نتيجة إصرار وتعنت وهمجية إدارة ترامب.
وكانت جمعيات خيرية دولية قد قامت بإعداد بيان مشترك يستبق التصنيف للتحذير من الآثار الكارثية لهذا القرار على الوضع الإنساني مقارنة ببوادر المجاعة التي حلّت بالصومال بعد أن صنفت الولايات المتحدة حركة الشباب جماعة إرهابية عام ٢٠٠٨.
ووفق مجلة «فورين بوليسي» فإن مسؤولين بارزين في وزارتي الدفاع والخارجية يعارضون هذا القرار، وذلك فضلاً عن مشرعين بارزين كالسناتور الجمهوري ليندسي غراهام والسناتور الديمقراطي كريس مورفي وغيرهما.
وفي سوريا، نفذت إسرائيل الأربعاء الماضي غارات عدوانية على مدينة دير الزور ومنطقة البوكمال، هي الأعنف منذ نحو عامين كانت حصيلتها أكثر من ٥٥ شهيداً.
وغني عن الذكر أن هذه الاعتداءات على السيادة السورية تتم بمباركة من إدارة ترامب الذي كان قد وعد بسحب الجنود الأميركيين المتواجدين في الأراضي السورية قبل انتخابه. ثم لدى سؤاله لاحقاً عن جدوى وجود الجنود الأميركيين أجاب: «إنهم هناك لحماية حقول النفط»!
وقد توج ترامب عداءه لسوريا بإصدار «قانون قيصر» المجحف، لاستخدام العقوبات لتحقيق ما فشلت المجموعات التكفيرية من تحقيقه ميدانياً. فقد أشار مركز «كارنيغي» أن «قانون قيصر» سيقسم سوريا إلى منطقتين: الأولى تضم المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والثانية هي «المنطقة الشمالية» التي تضم موارد اقتصادية مهمة من القمح والنفط والخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة ومنها «قوات سوريا الديمقراطية». وحسب مركز «كارنيغي»، فإن «قانون قيصر» سيساهم بجعل الاقتصاد السوري «أكثر فساداً» مما هو عليه الآن، لأن التعاملات الاقتصادية ستعتمد بشكل أكبر على الشبكات الشخصية في ظلّ إشراف رسمي محدود أو حتى معدوم.
وكان قد طُرح يوم الخميس الماضي، في مجلس النواب الأميركي مشروع قرار جديد خاص بسوريا ويحمل اسم «أوقفوا القتل في سوريا». ويحظر مشروع القرار على إدارة بايدن القادمة، الاعتراف بالنظام السوري كون حكومته غير شرعية، وعدم الإقرار بحق بشار الأسد بالترشح في أية انتخابات مستقبلية في سوريا. وكذلك يقضي مقترح القانون بإنزال أقصى العقوبات على النظام السوري وعلى المصارف التي تربطها علاقة مع النظام.
ويخول المشروع الإدارة الأميركية بتنشيط اقتصاد المناطق التي تقع خارج سيطرة النظام السوري والسماح بإنشاء علاقات تجارية معها. أي ما تسعى إليه الحكومة الأميركية هو إقرار أمر واقع بتقسيم سوريا وإقامة علاقات «طبيعية» سياسية واقتصادية مع «المناطق المحررة» كما فعلت مع المناطق الكردية في شمال العراق.
وبالطبع كانت محاولة ترامب لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي هي أهم «مآثره» الشرق أوسطية حيث أعلن ومن دون مواربة انحيازه المطلق وغير المشوب بأي شك لدولة الاحتلال المغتصبة للحقوق الفلسطينية، عبر نقل سفارة بلاده إلى مدينة القدس. ثم لم يتورع عن إيقاف تمويل الولايات المتحدة لمنظمة «الأونروا» وبذلك حرم مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين من المساعدات الإنسانية. ولزيادة طمأنة إسرائيل قام بإهدائها هضبة الجولان عربون وفاء وتقدير على جهودها لإقامة «السلام الدائم» مع جيرانها!
Leave a Reply