فقدت الجالية اللبنانية والعربية في مدينة ديربورن يوم السبت الماضي وجهاً إجتماعياً ناشطاً وبارزاً هو المرحوم الحاج نزيه حميّد (أبو أحمد) الذي وافته المنية إثر نوبة قلبية مفاجئة عن عمرٍ ناهز الستين عاماً.
وقد أحدث الغياب المفاجئ للحاج نزيه صدمة كبيرة وأشاع أجواء من الحزن العميم في أوساط أهالي مدينة بنت جبيل والجالية اللبنانية والعربية في ديربورن على فقده وهو الذي أفنى ربع قرن من حياته متطوعاً وعاملاً في المجالات الدينية والخيرية والثقافية باندفاع وإخلاص وتجرّد.
عرف الراحل بسمو أخلاقه وتواضعه الشديد ومحبته للجميع، ولم تغب عن وجهه أبداً إبتسامة عريضة يلقى بها معارفه وأصدقاءه وزملاءه في المجمع الإسلامي الثقافي الذي كان من أوائل مؤسسيه ومواكباً لمسيرته بجهده ووقته.
هاجر الحاج نزيه حميد إلى الولايات المتحدة مطلع السبعينيات من القرن الماضي وعمل في مصانع فورد للسيارات لثلاثين عاماً، وتقاعد قبل ثماني سنوات. إلا أن تقاعده عن العمل لم يزده إلا عملاً لكن هذه المرة متفرغاً لشؤون المجمع الإسلامي الذي كان لسنوات طويلة أميناً لصندوقه.
خلال ربع القرن الأخير الذي انقضى كان يصعب على اي مرتاد للمجمع الإسلامي الثقافي أن يفصل بين صورة الحاج نزيه و«صورة» هذه المؤسسة الدينية التي أعطاها من حيوية شبابه بلا حدود.
كان أمراً شائعاً أن يتخذ الراحل الحاج نزيه لنفسه «مكاناً قصياً» في ركن من أركان المجمع، لكن نظراته وإبتساماته كانت تشع من ذلك الركن مالئة أجواء المكان بتلك الإلفة التي أتقن بثها دونما تكلف في عيون وقلوب كل الذين عبروا حقله وشنفوا آذانهم بتحيته الدافئة.
ورغم أن الراحل هاجر إلى أميركا شاباً يافعاً إلا أن إرتباطه بدينه وتراثه ولغته العربية كان شديد الوثوق.
شغفه باللغة العربية وآدابها وقواعدها كان يشعره بالحسرة والألم كلما استمع إلى «خطيب» يلحن على منبر الضاد، ولطالما رمقني في المناسبات الخطابية بنظره مصحوبة بابتسامة ساخرة وهزة من رأسه طالباً عن بعد تعاطفي مع ما يعانيه من إنتهاك لقواعد الضاد على ألسنة المستسهلين. ولطالما بادلته الإبتسامة بمثلها و«تعاطفت» معه لاحقاً مهوّناً عليه ببيت الشعر الذي غنته السيدة فيروز: تعجبين من سقمي صحتي هي العجب. فيجيبني بتلك الضحكة المجلجلة التي لا يمكن أن يغيّب الموت صداها.
رحمك الله يا حاج نزيه والى جنان الخلد، والعزاء في تلك المآثر التي أورقت على جنبات مسيرتك الزاخرة بالعطاء والمحبة وروداً سيبقى عبيرها ضائعاً في كل الأمداء التي ملأتها قامتك وضحكاتك وتحياتك. وإلى العائلة المفجوعة بغيابك المدوي، زوجة وأبناءً وبنات ووالداً وإخوة وأخوات، أحر آيات العزاء.
Leave a Reply