“أوقفوا تحريض الجزيرة والعربية، فتهدأ الأوضاع في سوريا”. جملة واحدة إختصرت الأزمة السورية بأكملها. كلمة حق في وجه سلطان جائر هو وزيرخارجية مشيخة قطر الذي إستمع إليها وهو متجهم الوجه.
القائل لهذا الكلام المعبر تعبيراً حقيقياً عن التدخل السافر والمنحط في شؤون سوريا هو ليس شخصاً مؤيداً للحكومة السورية، بل الفريق أول مصطفى الدابي نفسه، رئيس “بعثة المراقبين العرب” التي إستمات حمد بن جاسم بإرسالها إلى دمشق تحت ضغط التهديد بالمقاطعة الإقتصادية والتدويل ظناً منه أن الدابي وفريقه سوف يرى الواقع السوري بعدسة قناة “التزويرة”. إلا أن بعثة المراقبين العرب ارتأت أن تحكم ضميرها في مسؤولية أخلاقية وقضية حياة أو موت بالنسبة للشعب السوري الذي ما فتيء يحذر من مؤامرة بترودولارية غربية تريد الثأر من سوريا على خلفية موقعها المقاوم، وهذا ليس مجرد إستنتاج إذا نظرنا إلى الفرق في التعامل مع البحرين.
فلتة الشوط في الاجتماع الوزاري العربي الأخير كان موقف سعود الفيصل “الذي هو رأس الحربة وليس القطريين كما كان يحصل سابقاً، والتقديرات أن الانفعال السعودي متصل الى حد كبير بخطاب الرئيس الأسد الأخير”. ربما ما زال الفيصل ومن ورائه بندر بن سلطان ومملكته ممتعضين من كلام الرئيس السوري حول “أشباه الرجال” وهذه عقدة كبيرة على ما يبدو. والمضحك في قرار وزراء الخارجية العرب أنهم دعوا سوريا لتشكيل حكومة جديدة هدفها إقامة “نظام سياسي ديموقراطي تعددي يتساوى فيه المواطنون بغض النظر عن انتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم ويتم تداول السلطة فيه بشكل سلمي”. طبعاً كما يحصل تماماً في ممالك ومشيخات الخليج خصوصاً في المملكة الوهابية حيث أتباع أهل البيت في المناطق الشرقية يعيشون، مثل أترابهم في البحرين، في بيئة فصل عنصري أشد لؤماً وخبثاً من نظام “الأبرتايد” في جنوب أفريقيا.
لقد تبين بالدليل القاطع أن وزيري آل حمد وآل سعود لم يعيرا إهتماماً لتقرير بعثة المراقبين بعد أن فشلا في توظيفه سياسياً لإسقاط المشروعية عن النظام السوري وبالتالي فإن بعثة المراقبين العرب لم تكن سوى “مناورة”. الدابي فهم أن جدول الأعمال كان محكوما بمناقشة خطة سياسية لإطاحة رأس النظام السوري، وعندها لم يتردد في الإعلان عن سخطه مردداً في بداية الاجتماع ثلاث مرات متتالية: “أنا لا أسمح بأن أكون مطيّة لأحد”!
التعليمات كانت واضحة: إلى التدويل يا عرب، لا كرهاً بسوريا فحسب بل لضرب الصعود الإقليمي الإيراني الذي يخيف أنظمة الخليج التي تشتري أسلحة بمليارات الدولارات (لا لإستعمالها ضد إسرائيل طبعاً، بل لكي تصدأ في الصحراء أو لكي تنهزم أمام حفنة من “الحوثيين”!). حكام قطر والسعودية يريدون أن يتخلى الرئيس بشار الأسد عن الرئاسة لنائبه، وهم يتربعون على سلالة وراثية خارج التاريخ. وكم كان رئيس موريتانيا محمد عبد العزيز شجاعاً عندما طلب من أمير قطر أن يريه “عرض كتفيه” بعد أن صدق حمد بن خليفة نفسه مدافعاً عن الديمقراطية والحريات الفردية، وطالب عبد العزيز بإطلاق الحريات في بلده.
كان حمد مثل جحا الذي أطلق الكذبة ثم صدقها! وبعد طرد أمير قطر، هبت قناة “التزويرة” للدفاع عن “الشرف القطري الرفيع” الذي لم يسلم من الأذى فسارعت “للحركشة السياسية الدينية” في موريتانيا لكنها لم تنقل، بالتأكيد، الهتافات المناهضة لقطر في مصر وتونس…
مرة ثانية، المتآمرون على سوريا هم في وهم لأن الرئيس الأسد لن يتنحى إلا عندما تريد الغالبية من شعبه الذي لم ولن يتخلى عنه اليوم. السيناريو الليبي في التدخل الخارجي هو مجرد “أضغاث أحلام” وها نحن نشهد في ليبيا حالياً ما يشبه حرباً أهلية نتيجة التدخل العسكري الغربي-القطري. فرض منطقة حظر جوي صعب التحقيق لأن الحكومة لا تستخدم الطيران ولا تشهد خسارة مناطق حيوية بل مجرد بؤر أمنية، وحتى “سيناريو مبارك” المتضمن التفاوض مع الجيش مباشرةً للإطاحة برأس النظام، غير مجدٍ في سوريا لأن الجيش السوري يحمل عقيدة قتالية وطنية تدافع عن السلطة الوطنية وما سمي بتشققات كبيرة في الجيش تبين لاحقاً أنه مبالغٌ فيها.
حبذا لو “سكّر” وليد جنبلاط “باجوقه” بدل أن يطلب الصمت من مندوب لبنان في إجتماع “الجامعة العربية” لأنه رفض خرق الجامعة لكل الأعراف والمواثيق بحق سوريا، حيث أنه منذ قبول جنبلاط لتعليمات فيلتمان وزيارته الأخيرة لقطر، صعد من حملته على النظام السوري بعد أن كان قد صالحه زحفاً على قدميه طالباً الغفران عن “ساعة التخلي” التي سبقتها “غشاوة على عينيه” جعلته يكذب على النظام ٢٥عاماً! ليترك جنبلاط الشعب السوري ويهتم بزيارة كردستان العراق هو ومجرما الحرب، زميلاه، سمير جعجع وأمين الجميل لعلهم يستفيدون جميعاً من تجربة العلاقة التاريخية هناك مع “الموساد”، ولعل هذا سبب ولع جعجع بالقضية الكردية والمفارقة المضحكة هنا أنه لا يجرؤ على الذهاب إلى طرابلس لبنان، لكنه يشعر في اربيل وكأنه في معراب!
مؤامرة عرب الردة وصغار “١٤ آذار” مع حليفهم الجديد- القديم، ستنقلب عليهم لأن فاقد الشيء لايعطيه!
Leave a Reply