لا يوجد في العالم أحقر من ساسة لبنان الفاقدين للشرف والحس الوطني خصوصاً القطيع السياسي والإعلامي الذي حضر تدشين جادة في بيروت بإسم سلمان ملك بني سعود، ولا أكثر فساداً من بلد اعتاد على السمسرة والوصاية والتبعية والمتاجرة والاستزلام لدول وقوى رجعية متخلفة مقابل فتات على موائد اللئام. وكذلك لا يوجد في التاريخ رئيس حكومة تهون عليه كرامته وكرامة شعبه مثل سعد الحريري.
ففي نفس اليوم الذي كشفت فيه مجلة «نيويوركر» المرموقة في مقال مطول عن صعود بن سلمان المشبوه للسلطة، أن الحريري خلال زيارته لبلده الأول في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي تعرض للاعتقال من قبل الشرطة فور وصوله واحتجزت حريته لمدة 11 ساعة ووضع على كرسي وتم صفعه عدة مرات، يقوم نفس هذا المصفوع بترؤس حفل تسمية شارع قرب الزيتونة (والدلالة الرمزية هنا لا تخفى على اللبيب) باسم والد سجانه، مع بقايا «ثورة حنيكر» ومن بينهم المنافق وليد جنبلاط الذي حاول في تغريدة له تبرير فعلته بالإدعاء أن سلمان ناصري وعروبي ووقف مع مصر كجندي في عدوان 1956.
لكن لم يهم جنبلاط، الذي سلم راية عائلة كورليوني لابنه المائع الفاقد للكاريزما تيمورلنك الصغير، أن سلمان العروبي هذا، الذي لم يرف له جفن حيال بيع القدس الشريف، يرتكب المجزرة تلو الأخرى ضد أطفال وشعب اليمن وأن غلامه الذي يزور أميركا بق البحصة (تلك التي لم يبقها الحريري) واعترف في نفس يوم الاحتفال وعلناً لمجلة «ذَا أتلانتك» بوجود مصالح مشتركة مع إسرائيل. وللمفارقة المحزنة هولندا أطلقت اسم عهد التميمي، التي لم يسمع بها بن سلمان، على أحد شوارعها بينما نحن نحتفل بقاتل أطفال اليمن!
كاتب مقال «نيويوركر» دكستر فيلكنز قابل الحريري بعد إطلاقه وبعد تعرضه لضرب كفوف وربما تعذيبه بتعليقه من قدميه بالسقف مثل الوطواط كما حصل مع بعض الأمراء، من قبل محققين يتحدثون مع بعضهم البعض بالإنكليزية حسب ما كشفه الكاتب المعروف، وسأله عما حصل له فتهرب الحريري من السؤال ورد بالقول «بن سلمان كان على حق، حسناً؟ ما يحاول القيام به هو الصحيح». هل هذا يعني أن كلما ضربَنا أحدهم كفّاً نسمي شارعاً باسمه؟
لا يوجد في العالم ظاهرة جلد الذات أو المازوشية كما في لبنان، عدا عن الانحياز الأعمى والتواطؤ والخِسة لدى وحوش السياسة في لبنان! فالحريري الذي طلب عدم توجيه دعوة للاحتفال لمن طعنوه بالظهر وغدروه لدى بني سعود مثل أمين الجميل وابنه وريفي (لكن جعجع غير محسوب)، لم يمانع في تكريم من أذلَّه وتسبَّب له بعقدة نفسية مدى الحياة وأهانه رغم الخدمات التي قدمها والده وهو لبني سعود؟
بدلاً من الانتقام لكرامته حمل الحريري مليكه سلمان «على الراحات» رغم ظلمه وغيِّه وعدم تقديم أي خدمة للبنان سوى التآمر والحقد عليه.
وبما أن الشيء بالشيء يُذْكَر، بالأمس جال الضابط العراقي قيس الخزعلي، مسؤول «عصائب أهل الحق»، حدود لبنان مع فلسطين المحتلة فثارت ثائرة الحريري وبقايا صغار «14 آذار» وأقاموا الدنيا ولَم يقعدوها حتى الآن، بينما زيارة سفيري السعودية والإمارات لبعلبك وتدخلهما السافر بالانتخابات وتوجيه سفير سلمان بنفسه الدعوات للشخصيات بحضور افتتاح جادة ولي نعمته مسموح بل مطلوب!
من يذكر الثورة العارمة لحراس السيادة عندما زار وزراء لبنانيون سوريا؟ فهل بني سعود عليهم خرزة زرقاء؟
مصالحة صغيرة بين الحريري وولايتي كادت ان تطيح بالأول فماذا كان سيحدث لو جاء الجنرال قاسم سليماني مثلاً إلى لبنان وتفقد قلعة بعلبك و«شقّ» على أبناء الهرمل الأوفياء ثم عرَّج على الجنوب ليتفقد قراه الصامدة؟
هكذا مسخ وطن لا يستحق مقاومة نبيلة، حررت الأرض من رجس الصهاينة والتكفيرين وجعلت عيتاني، رئيس البلدية السيء الذكر الذي هو وراء تسمية الجادة باسم ولي نعمته، جعلته هو وغيره يتنعم بحياة طبيعية من دون خطر «الدواعش» الذين لم يوفروا حتى الإرهابيين من ملتهم. الحريري لا يستحق مقاومة وقفت بشرف ووفاء وإباء معه خلال محنته في أقبية الرياض فبادلها بالغدر والحديث عن الوصاية السورية متناسياً أنه كان في ضيافة الرئيس الأسد وأن سوريا على أبواب الانتصار الكبير ونسي أن والده الراحل أهدى غازي كنعان مفتاح بيروت.
لقد دفعت المقاومة دماً غالياً من أجل بلد عاق لا يعرف المروءة بدليل كثرة المطبِّعين مع العدو والمنبطحين الراكعين للوصاية الوهابية وكذب السياسيين وطعنهم اليومي للمقاومة بالظهر حيث خطورتهم تفوق خطورة العدو الحقيقي الذي هدد بتدمير لبنان على لسان إيزنكوت لكن عصابة السيادة لم يسمعوا بذلك. لقد كان من الأجدى تسمية الجادة باسم المقاومين الشرفاء أو شهداء اليمن الأبرار لكن لا شك أن «المتأسرلين» الكثر في لبنان يمنعون ذلك، فما نفع بلد كهذا؟ ولست أدري لماذا تبقى المقاومة وشعبها صابرةً على هذا الإجحاف ونكران الجميل والتآمر ولماذا لا تتخطى كل الخطوط الحمر وتغير المعادلات وتتسلم الأمور بالتعاون مع محور المقاومة فمن شاء فليحدد موقفه ومن شاء أن يعترض فحده ستون جهنماً.
الأمور لم تعد رمادية والحسم مطلوب كما فعلت كل مقاومات العالم، والسادس من أيار لا يجب أن يكون انتصاراً انتخابياً فحسب. كفى رهن البلد للعهر السياسي المتمثل بالمنبطحين في حفل التدشين ولنفتح الباب لعودة العلاقات مع سوريا كأفضل من السابق وزيارة ممثلي محور المقاومة ساعة شاؤوا.
كذلك كان الحري بالعهد الذي استبشرنا به خيراً وعهدناه غير مبالٍ للوصاية الوهابية أن يمنع هذا الاسترخاص لحياة الناس وهذه المهزلة والعار بتسمية شوارع بأسماء طواغيت عرب ومستعمرين وغُزاة أجانب! ما هذا الهوس والشغف في مسخ الوطن بكل «فرنجي برنجي»؟ بالأمس القريب أضاء لبنان الفاقد للكهرباء والحياء صخرة الروشة بعلمي بلجيكا وفرنسا دعماً لضحايا الإرهاب في البلدين وأعلن تضامنه مع جريدة فرنسية مقيتة بينما دماء شهداء تفجير الضاحية الجنوبية والرويس لم تكن قد جفت بعد، آنذاك. وطبعاً لم يخطر ببال مضيئي الروشة إضاءة لمبة عن روح شهداء سوريا أو العراق أو اليمن أو البحرين والمنطقة الشرقية في الجزيرة العربية؟ هل بنو سعود محظوظون إلى هذا الحد الذي يجعلهم يذلون اللبنانيين ورئيسهم ويتآمرون عبر السبهان لضرب لبنان وتحطيمه بالتعاون مع العدو ثم يعودون لاعبين أساسيين في ساحته وأقوى من الأول فيصلّوا بالناس في بعلبك ويعودوا من باب الانتخابات ويتم تعليق صورة كبيرة لأميرهم محمد بن سلمان على نفق نهر الكلب؟ (وهنا أيضاً لم تخف الدلالة الرمزية على نشطاء السؤال ميديا).
هل هو الحظ السعودي أم هيدا لبنان المتكالب على الأعتاب رغم الشرف والكرامة التي منحتها له المقاومة؟
ما شهدناه في حفلة الاسترخاص والخزي في جادة العار لا يعني شرفاء لبنان ولا يهمهم لأنهم ذاقوا طعم المجد والعزة وسوف يبقون على عهدهم باقون وشعب المقاومة يعلم أن مقاومته أهم من الساسة وبلد النخاسة الذي يُشترى ويُباع!
Leave a Reply