عندما يصف المحافظون أوباما بأنه اشتراكي أو أجنبي، يكتفي أنصاره بالضحك والسخرية، وعندما ينعته المنتقدون بالغرور، فإن أنصاره يكتفون بالابتسام، أما لو تجرأ الليبراليون واتهموه بأنه مثل سلفه في المكتب البيضاوي، فإن عليهم أن يستعدوا لمعركة حامية الوطيس مع أنصاره.
وفي آخر تصريح لروبرت غيبس، الناطق الإعلامي في البيت الأبيض، قال “اسمع بعض الناس يقولون إن أوباما مثل جورج بوش، وهؤلاء عليهم أن يخضعوا لفحص المخدرات، لأن كلامهم يدل على الجنون”، واستمر غيبس في سخريته من أولئك المنتقدين بوصفهم أنهم “يساريون محترفون، وأنهم لن يكونوا راضين، حتى يحصل الأميركيون على رعاية صحية كندية، ويلغون البنتاغون”.
صحيح أن غيبس، بعد ذلك، اعتذر تقريباً عن هذا الكلام، بالقول إنه تحدث بشكل غير لائق، لكن المقارنة تبقى قائمة، ومع اقتراب الانتخابات النصفية المقبلة، فقد ركز الديمقراطيون كثيراً على جورج بوش وسياساته الخاطئة، حيث قال أوباما، في تجمع لجمع التبرعات لصالح الانتخابات في تكساس، أخيراً :
“هل من المعقول أن نعود لتلك السياسات التي كبلتنا بالقروض ، ودمرت اقتصادنا، وقوضت الطبقة المتوسطة في أميركا؟ أم من المفترض أن نمضي للأمام؟”. وفي هذا فإن رسالة الديمقراطيين واضحة، فهم يريدون أن يقولوا إن الجمهوريين لا يزالون يتبنون أفكار وأجندات جورج بوش، وأن أميركا لن تقوم لها قائمة، ولن تتحرر من أغلال الماضي، إلا ببيت أبيض وكونغرس ديمقراطيين.
من ناحية ما، يعتبر كلام أوباما صحيحاً، حيث لمس الأميركيون التحسن في الرعاية الصحية، والإصلاحات التي عمت “وول ستريت”، والتركيز الكبير على الدبلوماسية العاقلة في السياسة الأميركية الخارجية، وهذا يدل على مدى التغيير الذي من الممكن لانتخابات واحدة أن تحدثه.
لكن ينبغي عدم المبالغة في المقارنة بين الاثنين، فالتخلص من الماضي بالغ الصعوبة، وأوباما لا يزال في كثير من الأمور ينتهج السياسة نفسها، التي كان ينتهجها سلفه بوش، حتى في تلك الأمور، التي كان يشجبها أثناء حملته الانتخابية، ووعد أن لا يكررها، فأميركا لا تزال تخوض الحروب نفسها، ولا تزال تجري وراء النفط نفسه، أي أنها لا تزال، بكلمات أخرى، تعيش عهد بوش، سواء رغبنا بذلك أم لا.
خذ مثلاً على ذلك البنية التحتية القوية التي تم بناؤها بعد أحداث “11 سبتمبر”، في عهد جورج بوش، حيث نجحت إدارته في تقوية قدرة الحكومة على مقاومة الشبكات الإرهابية، وذلك عن طريق جمع المعلومات، وتتبع ومراقبة المؤسسات والمنظمات غير الربحية المشبوهة، وتجميد نشاطاتها المالية.
ورغم أن أوباما كان معارضاً لهذا البرنامج أثناء حملته الانتخابية، إلا أنه لا يزال قائماً، ولا يحتاج لكثير من الجهد لملاحظته، فها هو معتقل غوانتانامو لا يزال يضم المعتقلين بين جنباته، ولم يتم إغلاقه، كما تعهد أوباما.
وفي فترة مبكرة من تسلم أوباما للرئاسة، قال جاك غولد سميث، وهو محام سابق لإدارة بوش، والذي أصبح فيما بعد مناهضاً لسياسات مكافحة الإرهاب “لقد تبنت الإدارة الجديدة برنامج بوش القديم، بحيث أدخلت عليه توسيعاً في بعض نواحيه، وقامت بتضييقه في نواح أخرى، لكنها قليلة جداً”، كما انتقد سميث ديك تشيني، ووصفه بأنه يبالغ كثيراً في المقارنة بين الإدارتين.
ومن الناحية العملية، ظلت حروب أميركا قائمة بعد غروب شمس بوش وشروق شمس أوباما، فالإدارة السابقة خاضت حربين في العراق وأفغانستان، من أجل تغيير النظام الحاكم فيهما، وزرع أنظمة صديقة للولايات المتحدة، وهذا ما فعله بوش في أعقاب هجمات “١١ سبتمبر”، وما استمر عليه أوباما.
أوباما لم يغير من السياسة المرسومة، لكنه أضاف إليها، فمع التزامه بجدول الانسحاب الذي حدده بوش، وسع مهماته في أفغانستان، وذلك بأن ألقى بـ30 ألفاً من الجنود الإضافيين في أتون الصراع الدائر هناك، ويعول الآن كثيراً على الجنرال ديفيد بترايوس، الذي اعتمد عليه بوش في السابق لحل مشكلات العراق، لتحقيق نصر في أفغانستان، والآن لا يزال هناك 50 ألفاً من الجنود الأميركيين في العراق.
ولا يزال الموعد الذي ضربه أوباما للانسحاب من أفغانستان، وهو تموز (يوليو) 2011، بعيداً عن الواقع كل البعد، حيث يجمع المراقبون على أن تحقيقه والالتزام به أمر في غاية الصعوبة، حتى أن كثيراً من المسؤولين في البيت الأبيض، تنصلوا من هذا الموعد بمجرد أن أصدره أوباما.
يبدو أن إدارة الحملات الانتخابية ضد إرث بوش أسهل بكثير من الحكم في اتجاه مضاد له، فالقوانين السائدة اليوم، في الإدارة الأميركية، هي من مخلفات ذلك الإرث، وعليه فإننا نعيش في فترة أوباما، لكننا لا نزال نعيش في عالم بوش.
بروفسور في التاريخ والعلاقات العامة في جامعة برنستون
Leave a Reply