بقلم: سعد السعدون
يشكّلُ الهمُّ الإجتماعي سمةً للعروضِ المسرحيّة التي تقدّمها فرقةُ مسرحِ الفنّ الحديث في ديترويت، بالإضافةِ إلى نقد السلوكيّات الخاطئة الطارئة في تركيبةِ الحياةِ اليوميّة، حيث تشكّلان أبرز مداخل التجريب المسرحي لدى الفرقة، وعلى الرغمِ من أنّ ظلالاً أخرى تجد لها مساحات هنا وهناك ضمن إنجازات الفرقة، إلّا أنَ السخرية من المظاهر الإجتماعيّة تبقى الميزة الأبرز للعروض المسرحيّة، حيث تتخذ شخوصُها المسرحيّة، من الفكاهة والسخرية وسيلةً لتقويم الإعوجاج والمواقف الإجتماعيّة السلبيّة.
والراصد لحركة العروض التي أنتجتها الفرقة المذكورة، يكاد يلمس أبرز العناصر المشترَكة في تلك العروض، من حيث كونها قائمةً على حكائيّة محلّيّة جاذبةً لتعاطف المتلقّي، غيرَ أنّها ليست بالضرورة مقتبَسة بشكلٍ فوتوغرافيٍّ من الواقع المُعاش، لأنّ الفنَّ المسرحي الهادف كما هو معروف، لا يمكن أن يحاكي الواقع كما هو، ويحوّله إلى صورة أو كليشة مستنسَخة، بل هو يراعي الذوق العام وطريقة التفاعل مع الحدث، بالإضافة إلى التوقيت الحي للأحداث بمراعاة زمن وقوعِها، أي الزمن الذي تعرَض فيه المسرحيّة، واقتناص الجمل والحركات المستجَدّة أثناء عمليّة إجراء البروفات، وكذلك الإستئناس بآراء الآخَرين من المخرجين والممثّلين من حين إلى آخر.
صورة جماعية لأعضاء الفرقة |
وبالرغم من أنّ مسرحنا العراقي في المهجر الأميركي يعيش أزمة شاملة، نجد أنّ المسرح مؤطَّرٌ داخل قوالب محدَّدة من التجريب، إلّا أنَ عجلة البحث والتجريب أسفرتْ عن نشوء محاولات التطوير في نمط العروض، ونقلها من خانة الهواة إلى خانة الإحتراف والتجديد، وتعتبر فرقة مسرح الفن الحديث من الفرق التي تبنّت في خطابها الفنّي الذي انطلق عام 1983، التعاطي وفق مبدأ التجديد، بإحلال مفاهيم جديدة محلّ المفاهيم التي كانت تستند للهواية إلى حدٍّ كبير، حيث أن الذي حدث، يتمثل في استجلاء التطوّر العام للمجتمع من الناحيتين الإقتصاديّة والإجتماعيّة، الأمر الذي أوجدَ ضرورات جديدة، على الرغم من أنّ ذلك التجديد يعدّ بطيئاً إذا ما قيسَ بتطوّر فنّ المسرح عموماً، وهنا قد يسبق الوعي الثقافي، الأرصيّة التحتيّة للمجتمع وقد يلازمها.
وفي ورشة عمل الفرقة في ديترويت، تمّ التركيز على إحياء الواقعيّة بأشكالها واتّجاهاتها، إيماناً من القائمين على المسرح بأنّ العمل المسرحي لايقتصر على جمهور النخبة فقط، إذ أنّ المسرح الواقعي المقدَّم بإطار محلّي شعبي قد تبقى دلالاته راسخة في ذهن المتفرّج عموماً، لأنّها تجسّد حقائق معيّنة على خشبة المسرح، وقد امتازت أغلب الأعمال التي قدّمتها الفرقة المذكورة، بالنكهة الواقعيّة على صعيد التمثيل والإخراج، ومن تلك الأعمال:
بارتي ستور، مدرسة المشاغبين العراقية، الفلوس تجيب العروس، غاب القط إلعب يا فار، شليلة وضايع راسها، ردتك عون طلعت فرعون، الماعندة منين يجيب، حلّاق منافي، ساعة السودة لاجيت لامريكا.
وفيما يتعلّق بآليّات الفحص والتجديد لهذه الفرقة فإنّها ارتبطت بالواقع الموضوعي الذي يتحرّك فيه أفرادُ المجتمع حيث سعى المشتغلون بمختبر الفرقة إلى إيجاد حالة من الترابط بين نشاطهم ونشاط المسرح في العراق، إذ استقدموا منه ممثّلين، لكي يخوضوا غمار التجربة الجديدة، وقد تمخّضت جهودهم بالفعل، في إنتاج مسرحيّة «ساعة السودة لاجيت لأمريكا» حيث شارك فيها بالإضافة إلى ممثّلي الفرقة، نجوم من داخل العراق منهم الفنّان المعروف جاسم شرف وسامي محمود وتمارا محمود، وقد تمّ توظيف الإستعراض مع الموقف الكوميدي الذي حاولَ المخرج خلاله معالجة مسألة الطبقيّة والتصالح الطبقي عبر العلاقات الإجتماعيّة كالزواج مثلاً، من خلال رؤية فنّيّة كوميديّة على مستوى الشكل والمضمون، تجسّد روح الدعابة الساخرة في مجرى الحوار الشعبي السلس، الذي استلهمه المؤلِّف في صياغة مشاهده، في ضوء لعبة مسرحيّة استعراضيّة عبر مشاركة من الجمهور لا تخلو من التواطؤ، كونه الجزء الأهمّ في العمليّة الإبداعيّة التي توجّه تساؤلات وعي المتلقّي لكي لا تظلّ عائمة ولا تأخذ صداها اللاحق.
وفي جملة العروض التي قدّمتها هذه الفرقة، تمّ التركيز على مساحة شغل الممثّل، وهنا توجب على المعنيّين بها وخاصةً في مهجرنا، رعاية وعناية تتّفقان ومكانة المسرح الأساسيّة في العمل الفنّي، كما أنّ على الممثّل أن يعي هو الآخر دوره وأهمّيتة البالغة ضمن العمل الجماعي للفرقة، والمؤسف أحياناً، أنّ الذي يحدث في واقعنا الفنّي، هو أنّ الممثّل يراوده حلم الإخراج أو التأليف، وقد يحقّق ذلك انسجاماً مع طبيعة المحيط الذي يعيشه، المحيط الذي ما يزال يتعاطى النظرة السطحيّة نحو الممثّل، بعيداً عن إدراك الفهم الصحيح لدوره، ومن هنا نجد أنّ الممثّل حينما يلج مناطقَ التأليف أو الإخراج دون أن يتوافر على أدواتهما اللازمة، قد يصطدم بعقبات تفضي به إلى اختلاط المفاهيم لديه، وذلك من شأنه بعثرة آليّات التعبير الفنّي، حيث تتشتّت الجهود وترتبك القراءة، لأنّ الممثّل يبقى نشاطه ضمن حدود معيّنة، أمّا المؤلّف والمخرج، فمهمّتهما تتخطّى تلك الحدود، إلى عوالم واسعة أعمق إبحاراً، وأشدّ حسّاسيّة، لكونهما يعتمدان العناصر الأساسيّة في صنع الرؤيا العامّة سواءً في النصّ أو العَرض.
ولا يفوتني هنا أن أثبّت بأنّ أبرز أعضاء فرقة مسرح الفنّ الحديث هم سالم حنش، حسام زورة، هاني نوري، صفاء حمامة، رياض دلو، سمير قاشات، ليلى كوركيس، أحلام الصبّاغ وآخَرين.
Leave a Reply