وليد مرمر
مع اقتراب فصل الخريف لا يبدو أن أي من الملفات الشائكة في المنطقة العربية ستفقد حرارتها، بل ربما يكون العكس هو الصحيح.
فالنزاع الدولي–الإقليمي المحتدم شرقي الفرات، يقترب من انتقال المواجهة من حروب «البروكسي» الى الأطراف الأصيلة، والصراع في ليبيا، بين حكومة الوفاق وميليشيات حفتر والدول الإقليمية والدولية الداعمة لكل منهما، مفتوح على كافة الاحتمالات، والعدوان السعودي–الإماراتي على الشعب اليمني مستمر… أما في غزة فيبدو أن الهدوء الحذر بين دولة الاحتلال وفصائل المقاومة لن يدوم طويلاً إلا إذا وافقت إسرائيل على رفع الحصار المفروض على القطاع منذ 14 سنة.
والمعروف أن قطاع غزة البالغ مساحته 360 كلم مربع، هو المنطقة الأكثر اكتظاظاً في العالم بعدد سكان يقارب 2.25 مليون نسمة يعيشون في حالة تنعدم فيها المقومات الأساسية للحياة الكريمة وذلك بسبب الحصار الخانق الذي يمنع أهل القطاع من مغادرة سجنهم الكبير أو العودة إليه إلا عبر معبر واحد تتحكم فيه مصر ومن ورائها دولة الاحتلال، فلا يجد أهل غزة بداً من حفر الأنفاق من أجل توفير أبسط مقومات البقاء. فدولة الاحتلال تتحكم بموارد القطاع المالية والاقتصادية بل أنها تحجب عنه حقوقه المالية التي نص عليها اتفاق أوسلو. كما وتفرض قوات الاحتلال حصاراً بحرياً على القطاع يؤثر سلبا حتى على الصيادين الذين ليس لهم بديل عن البحر للاسترزاق. وما زاد الطين بلة مؤخراً هو الخوف من تفشي جائحة كورونا، وهو أمر لو حصل ستكون له عواقت خطيرة بسبب الكثافة السكانية وشح الأدوية وقلة المرافق الصحية في القطاع المحاصر.
هذه الأوضاع وغيرها دفعت بفصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع إلى طرح معادلة جديدة للصراع القائم بينها وبين إسرائيل ألا وهي: «الهدوء مقابل كسر الحصار»، معلنة أن زمن الهدوء مقابل الهدوء المجاني قد ولّى.
وقد تجلى هذا الموقف المستجد في التصعيد الذي شهدته غزة خلال الأسبوعين الماضيين مما دعا مصر لإرسال وفد مفاوض باءت مهمته بالفشل. ثم تبعه وفد قطري، يومي الأربعاء والخميس الماضيين، صدرت عبره رسالة شديدة اللهجة من الفصائل إلى إسرائيل بأن الوضع آيل إلى تصعيد خطير ما لم يتم رفع الحصار الجائر.
ومع تفاقم الأزمات المعيشية وتدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع، عمدت إسرائيل مؤخراً إلى قطع الكهرباء عن السكان ومنع استيراد الوقود وتضييق الخناق البري والبحري رغم تزايد إصابات كورونا، مما دفع الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية إلى التلاقي على وجوب العمل المشترك من أجل فك الحصار ولو كان الثمن انزلاقاً نحو تصعيد عسكري غير معروف النتائج، ذلك أن لسان حال أهل غزة هو «أنا الغريق وما خوفي من البلل».
لقد سلم الوفد القطري، إسرائيل القرارات الأخيرة للفصائل ولكن لا يبدو حتى الآن أن ثمة حلول تلوح في الأفق. لكن الظاهر أن إسرائيل لن تعيد تجربة نوفمبر 2018 في «حرب اليومين» التي أجبرت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قطع زيارته لباريس وأرسل الوفود إلى مصر متوسلاً التوسط لإنهاء التصعيد مع حركة الجهاد الإسلامي.
لكن في الوقت نفسه لا يبدو، في ظل الغطرسة الإسرائيلية، أن الحصار على غزة سيرفع في وقت قريب. وهذا ما يترك المشهد مفتوحاً على احتمالات خطيرة.
إن الحياة هي حق لجميع الكائنات وأما العيش الكريم فهو للأحرار فقط. وفي ذكرى سيد الأحرار، الإمام الحسين، يبدو أن الفصائل الفلسطينية قد أخذت بشعار حفيد رسول الله، «هيهات منّا الذلّة»، إما حياة الأحرار وفك الحصار، أو تصعيد عسكري يُفهم إسرائيل أن البالونات الحارقة الآتية من غزة والتي اشتكى منها المستوطنون لسنوات، ليست إلا لعبة من لعب أطفال غزة هاشم.
Leave a Reply