وقال الراوي:
إن عنترة بن شداد استطاع أن ينتصر على جميع المصائب والأهوال التي واجهته، من دون مساعدة أحد. وأنه استطاع العودة سالماً غانماً من مضارب ديترويت الخطيرة، حيث اعتاد أن يعمل في إحدى محطات الوقود بدوام ليليّ، كما استطاع أن ينجو عدة مرات من موت مؤكد، ولم يكن ذلك بسبب شجاعته أو بسالته أو حُسن تدبيره، بل بسبب.. رعاية الله وحده!..
ومع ذلك يحلو لعنترة أن يحكي بعض تلك القصص، كما لو أنه يؤلف فيلماً هوليودياً مليئاً بالأكشن والإثارة (والليالي الحارة، أحياناً)، ولم يكن هذا الميل لديه.. بسبب رغبته بالتشاوف والتطاوس، بل بسبب ميوله الإبداعية الأدبية التي تطورت أصلاً من موهبة كتابة الشعر في أيام صباه ومراهقته، خاصة وأن عنترة -كما هو معروف- كتب قصيدة معلقة، يفتخر بها بنفسه، ويعبّر فيها عن حبه الأبدي لحبيبته عبلة..
وعبلة، هذه المرة، لم تكن ابنة عم عنترة، مع أنها إحدى بنات القبيلة، وكان قد قابلها وهي تملأ الجرة من الغدير في كلية “هنري فورد” بديربورن، ووقعا في الحب. ومرت قصة حبهما بظروف شاقة ومعقدة بسبب اضطرار عنترة إلى التغيب عن الدروس وانهماكه في العمل، لكن نعمة الهاتف الجوال أنقذت ذلك الحب من مآزق خطيرة، خاصة وأن الجوال يعتبر وسيلة معقولة لشرح المواقف والأعذار وتأليف القصائد العصماء وتمرير المبالغات وإقياءات العواطف المهترية آخر الليل..
وبعد سنوات من الحب الملتهب، والمغامرات المشوّقة، قرر العاشقان أن يتزوجا، هكذا بكل بساطة، لكن قرارهما اصطدم بعقبة شائكة ازدادت صعوبة لكون عبلة على أبواب التخرج من الجامعة، في حين لم يزل عنترة يراوح في صفوفه. واستطاع عنترة أن يحل هذه المشكلة بعدة مكالمات فقط، وغالباً من باب أن أشهر رجالات ديربورن الناجحين هم شبه أميين، وبالكاد “يفكون الحرف”. واقتنعت عبلة بذلك سريعاً، وأهلها أيضاً، فاضطروا إلى كشف السبب الحقيقي، والذي يتلخص بأن عنترة يريد الزواج من عبلة لأجل الحصول على الغرين كارد..
وحلف عنترة أغلظ الأيمان، أن ذلك غير صحيح، وصدّقته عبلة، وصدقّه أهلها، لكن التجارب الكثيرة في هذا المجال دفعتهم إلى الاحتراز، طالبين من عبلة أن تتخلى عن هذا العنترة..
وعبلة صبية عنيدة، وتحب عنترة كثيراً، لكنها غيّرت رأيها واقتنعت بينها وبين نفسها، أن عنترة وعلى الرغم من كل ظرافته ووسامته، لم يكن حبيبها المنتظر!..
وبعد فترة تزوجت من شاب أقل ظرافة ووسامة، ما جعل عنترة يشعر برد الاعتبار. لم تكن عبلة تحب زوجها لكنها تحترمه وتثق به، مع أنه لم يكن في حوزته غرين كارد، بل كان حاملاً للجنسية. وبعد سنتين ونصف قررت عبلة الطلاق منه رغم إنجابهما بنتاً رائعة الجمال، وسبب الطلاق غير معروف تماماً، لأنه في الحقيقة طلاق من النوع الشائع والمألوف والذي يتم لأسباب لا يمكن شرحها ببساطة، حيث الأسباب بسيطة وتافهة وغير مقنعة، ولكن عندما يعيشها المرء بنفسه، تصبح من أقوى الأسباب..
وأما عنترة فقد هاجر إلى ولاية أخرى، ولأنه لم تعد لديه الفرصة لراوية مغامراته وقصائده، بسبب بعده عن أصدقائه ومعارفه، فقد قرر إنشاء موقع “بلوغ” لنشر أخباره وأشعاره..
Leave a Reply