دبي، غزة – استمرت تفاصيل عملية اغتيال محمود المبحوح العضو القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في التكشف خلال الأسبوع الماضي تحت وطأة تبادل الاتهامات بين الفلسطينيين ونفي المسؤولية من قبل إسرائيل رغم تأكيد شرطة دبي أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) متورط في الاغتيال. وأخذت التطورات، منحى جديداً، بعد إصدار منظمة الانتربول “مذكرات حمراء” للبحث والتوقيف الموقت للمتهمين الـ11 الذين كشفت دبي عن تورطهم في عملية الاغتيال، من دون أن تستبعد المطالبة بملاحقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد مائير داغان إضافة الى التوتر الشديد بين الموساد والغرب على خلفية جوازات سفر أوروبية وبطاقات إئتمان أميركية.
وقال القائد العام لشرطة إمارة دبي الفريق ضاحي خلفان تميم إن “الموساد” الإسرائيلي متورط بنسبة تسعة وتسعين بالمئة، إن لم تكن مئة بالمئة، في اغتيال المبحوح. وأكد أن هناك أدلة أخرى تمتلكها شرطة دبي لا تبقي مجالا للشك في ذلك، وأن جوازات السفر المستخدمة في الاغتيال صحيحة، وليست مزورة كما قِيل. وأضاف القائد العام لشرطة دبي أن ضباط الجوازات في الإمارة تلقوا تدريبهم من خبراء ومسؤولي أمن أوروبيين في كشف تزوير الجوازات، وأن تطبيق تلك الخبرات لم يُظهر أن الجوازات المستخدمة مزورة.
وكشف القيادي في “حماس” محمد نزال أن الفلسطينيين المتورطين في عملية اغتيال القيادي في الحركة محمود المبحوح هما أحمد حسنين وأنور شحيبر، وأنهما كانا يعملان في دبي في مؤسسة عقارية تابعة لعضو اللجنة المركزية في “فتح” محمد دحلان.
وقال نزال إنه تم التعرف على هوية الفلسطينيين اللذين شاركا مع المجموعة التي نفذت الاغتيال والمكونة من 11 عميلا، ويتبعان لجهاز الموساد وهما أحمد حسنين وهو عضو سابق في المخابرات الفلسطينية، وأنور شحيبر وهو ضابط سابق في جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني.
وتابع أن حسنين وشحيبر كانا يعملان ضمن الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، وأنهما هربا من هناك بعد “الحسم العسكري” الذي نفذته حركة حماس عام 2007 وسيطرت بموجبه على القطاع.
وحسب نزال فإنه تبين لحركة “حماس” أن الاثنين “يعملان موظفين في مؤسسة عقارية تابعة للعقيد محمد دحلان”. وبين أنهما “كانا جزءا من الخلية التابعة لجهاز الموساد التي نفذت الاغتيال والتقيا قائد الخلية التي أعلن قائد شرطة دبي الكشف عنها”.
وعبر نزال عن أسفه لما وصفه “محاولات محمد دحلان التدخل لدى السلطات في دبي للإفراج عن عميلي الموساد الإسرائيلي”، وزاد “السلطات الرسمية في دبي والإمارات رفضت هذه الوساطات”.
ونبه القيادي في “حماس” إلى ضرورة التأكيد على أن الحركة تعتبر أن المتهم الأول والرئيس في عملية اغتيال الشهيد محمود المبحوح هو جهاز الموساد، وبين أن الجهاز الإسرائيلي “هو صاحب القرار والترتيبات وهو وحده من يتحمل المسؤولية أمامنا ولا نوجه اتهامنا لأي طرف آخر”.
لكن وكالة الصحافة الفرنسية نقلت عن مصدر أمني في السلطة الفلسطينية أن عنصرا ثالثا اعتقل في العاصمة السورية دمشق وهو أحد القيادات العسكرية في “حماس” ويدعى نهرو مسعود.
وألمح المصدر الأمني بالسلطة إلى وجود اختراق أمني في “حماس” وأن نهرو مسعود كان برفقة المبحوح في دبي قبيل اغتياله ثم غادر إلى دمشق لاحقا، لكن عضو “حماس” في دمشق طلال نصار نفى صحة ذلك الادعاء، وقال للصحافة الفرنسية “خبر اعتقال مسعود كاذب، وهو موجود بيننا وقد زرته الليلة الماضية”.
وفي التطورات اتسعت دائرة التحقيقات لتصل إلى الولايات المتحدة، ونقلت وكالة أسوشيتد برس أن المشبه فيهم قد استخدموا جوازات سفرهم المزورة للحصول على بطاقات ائتمان من بنوك أميركية.
وقال مصدر إماراتي قريب من التحقيقات إن 18 شخصا على الأقل بينهم امرأتان يشتبه في أنهم شاركوا في عملية اغتيال عالية التنظيم، وليس 11 أوروبيا وفلسطينيين كما كان القائد العام لشرطة دبي الفريق قد أعلنه قبل أيام. وتبين ان المبحوح وصل إلى دبي قادمًا من دمشق على متن طيران الإمارات، ولم تكن دبي مقصده الأخير، وإنما كان متوجها في اليوم التالي إلى الصين ومنها إلى السودان. وتؤكد المصادر أن المبحوح لم يلتقِ أي شخص في دبي، كما انه لم يجر أي اتصالات أيضا لا بإيرانيين ولا فلسطينيين، حيث تحدثت أنباء عن أن المبحوح هو ضابط الاتصال بين حركة “حماس” وإيران، وأن زيارته إلى الإمارات تندرج في هذا الإطار.
وأضافت المصادر أن المكان الوحيد الذي زاره المبحوح في دبي هو محل لبيع الأحذية اشترى منه قطعة واحدة ظهرت في يده -في الصور التي عرضتها الشرطة- ملفوفة في كيس أثناء دخوله غرفته.
مشعل يتوعد
وفي سياق آخر أبنت “حماس” في قطاع غزة الأربعاء الماضي المبحوح، وقال رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، خلال مهرجان التأبين في كلمة عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من سوريا- “إن العدو الإسرائيلي وعملاء الموساد هم من قتلوا الشهيد محمود المبحوح بلا أدنى شك”، معلناً “أن العمل من أجل الانتقام للمبحوح بدأ”.
وأضاف “أدعوا مسؤولي حركتنا العظيمة العسكريين والسياسيين إلى عدم الحديث عن الرد والانتقام لدماء شهيدنا المبحوح، فاليوم قد بدأ العمل لذلك”.
وأكد مشعل أن اغتيال المبحوح “يعزز النهج والرسالة لدى حماس والمقاومة الفلسطينية، خاصة في أسر الجنود الإسرائيليين حتى تحرير كل أسرانا وتحقيق الانتصار على عدونا”.
حرج في إسرائيل
أما على الجانب الإسرائيلي تصاعدت المطالبات الدولية لإسرائيل بالكشف عن حقيقة استخدام جوازات سفر مزورة في اغتيال المبحوح . كما ظهرت دعوات لمحاسبة رئيس جهاز “الموساد” على خلفية الاغتيال. وحذت فرنسا وأيرلندا حذو بريطانيا بمساءلة تل أبيب باستدعاء السفير الإسرائيلي ليشرح كيف استخدمت جوازات سفر ومعلومات مواطنين في تلك الدول.
وكانت صحيفة “ديلي تليغراف” كشفت أن بريطانيا ستدرس وقف تعاونها في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل في حال ثبت أن عملاء جهاز الموساد سرقوا هويات حاملي جوازات السفر البريطانية. وأكدت الصحيفة أن وزراء الحكومة البريطانية غاضبون من هذا الأمر.
واستخدمت جوازات سفر أيرلندية إلى جانب وثائق بريطانية وألمانية وفرنسية مزيفة من قبل 11 شخصا وردت أسماؤهم في قائمة أعدتها الإمارات العربية المتحدة.
وفي تفاعلات القضية داخل إسرائيل، دعت صحف إسرائيلية إلى محاسبة رئيس جهاز الموساد مائير داغان على خلفية احتمال ضلوعه في عملية الاغتيال.
ولم يعترف الموساد بأي من عمليات الاغتيال التي نفذها من قبل. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إن استخدام فريق الاغتيال هوية إسرائيليين ولدوا في الخارج لا يثبت أن جهاز “الموساد” هو المسؤول عن اغتيال المبحوح.
Leave a Reply