واشنطن – آخر ما كان يتمناه باراك أوباما بعد أيام على عودته رئيساً خسارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) ديفيد بترايوس ولكن الفضيحة التي أطاحت بأكبر وكالة استخباراتية في العالم في توقيت يثير الشكوك والريبة في ظل تواصل الحرب الإستخباراتية الخفية في العالم، يبدو أنه في طريقه للتوسع بعد أن أعلنت المصادر الأمنية الأميركية إن القائد الاميركي لقوات حلف الأطلسي في أفغانستان الجنرال جون آلن هو أيضاً موضع تحقيق بسبب رسائل إلكترونية «غير مناسبة» أرسلها الى امراة على ارتباط بالفضيحة التي ارغمت مدير الـ«سي اي أي» على الاستقالة.
|
||
ففي السيناريوهات الكثيرة، التي استشرفت في الأيام الأخيرة تركيبة الإدارة الأميركية الجديدة، كان هناك مكان دائم لبترايوس، في موقع لا يستطيع لأحد غيره أن يملأه. فأميركا أمام استحقاقات مصيرية، وحرب الاستخبارات في أوجها، ولن يكون هناك من هو أكثر قدرة ممن يوصف بأنه «بطل الحرب على العراق» من أجل هذه المواجهة.
ولكن كل هذا الكلام عن بترايوس (٦٠ عاماً) وإنجازاته وقدراته سرعان ما بدّدته فضيحة خيانته الزوجية لهولي التي أمضى معها 3٧ عاماً، وذلك في رواية حب هوليوودية مع كاتبة سيرته الذاتية بولا برودويل، وهي ضابطة سابقة في الجيش وأم لولدين.
وبعد قبول أوباما السريع استقالة مدير استخباراته أصبح نائبه مايكل موريل يتولى المنصب بالوكالة، علماً أن من المتوقع أن يحلّ محلّه خلال جلسة الاستماع المقبلة في الكونغرس بشأن حماية القنصلية الأميركية التي تعرضت أيلول (سبتمبر) الماضي لاعتداء دموي في بنغازي، ولكن الكونغرس أصر على شهادة بترايوس رغم تنحيه عشية جلسة الإستجواب المخصصة له.
وقال بترايوس، الذي قاد الجيش الأميركي في كل من العراق وأفغانستان، في رسالة استقالته، إنه يشعر باستياء بالغ لأنه تسبب في جرح لزوجته، واصفاً إياها بأنها «أفضل كثيراً مما يستحق»، بحسب ما أكد مصدر مقرب من الجنرال الأميركي لشبكة «سي أن أن».
الفضيحة
وفي تفاصيل الفضيحة حسب التسريبات الرسمية، هناك سيدة (جيل كيلي) توجهت إلى مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) وهي مصابة بهلع شديد لتقول إنها تلقت رسائل تهديد من بولا برودويل، حيث كانت الأخيرة ترى في السيدة التي اشتكت تهديداً لعلاقتها ببترايوس، بحسب صحيفتي «نيويورك تايمز» و«وواشنطن بوست» اللتين لفتتا إلى أن مسؤولي البيت الأبيض علموا بالأمر في وقت متأخر من الأربعاء قبل الماضي. كما أشارت «نيويورك تايمز» نقلاً عن مسؤول كبير في الاستخبارات إلى أن المكتب الفدرالي يحقق في ما إذا كان هناك من اطلع على المعلومات الموجودة على حاسوب بترايوس.
وسلطت الصحف الأميركية الضوء على تفاصيل العلاقة التي جمعت بترايوس ببولا التي كانت تعدّ كتابا عن سيرته الذاتية بعنوان «كل شيء في: مدرسة الجنرال ديفيد بترايوس». وكانت بولا قد تعرفت على الجنرال في العام 2006، بعد إنهائها شهادة الماجستير من جامعة «هارفرد» وطلبت منه الكتابة عن تجربته فأحالها إلى آخرين مثلها يتابعون الموضوع، إلا أنها أعادت الكرة بعد إنهائها الدكتوراه والتقت ببترايوس خلال ممارسة الرياضة التي يحبها الاثنان. ولفتت الصحف، نقلاً عن رفاق لبترايوس في الخدمة، إلى ان برودويل لم تكن كاتبة سيرة أو صحافية، وقد استغربوا كيف قبل الجنرال بأن تكتب عنه.
في المقابل، أضاءت مجلة «نيوزويك» على حالة «الزوجة المخدوعة» هولي، والتي خصها أوباما بالدعم هي وابنها دايف، علماً أنها رفيقة زوجته ميشال في نشاطات دعم أسر الجنود الأميركيين. وتحدثت المجلة مطولاً عن كلمات الشكر التي كان يوجهها بترايوس على الدوام إلى زوجته قائلاً إنها «مصدر الدعم والنصح والحب الذي قد يحظى بهم أي جندي». كما روت قصة الحب التي جمعتهما منذ تعرفها إليه تلميذاً متمرناً في المدرسة الحربية لدى زيارة والدها الجنرال ويليام نولتون، ومقدار التضحية الذي قدمته خلال 36 سنة لعبت فيها دور الوالد مراراً.
وطرحت قضية بترايوس العديد من الأسئلة «الوجودية» في أميركا. ففيما استبسل كثيرون في الدفاع عنه بحجة أنه «بطل» أميركا ولا دخل لأحد بحياته الشخصية، رفض كثيرون الأمر مذكرين بقانون وكالة الاستخبارات الذي يقضي بأن يبلغ مسؤولو الصف الأول في الوكالة مسبقاً بنيتهم إقامة علاقات خارج إطار الزواج.
في هذه الأثناء، انشغل البعض بمحاولة تفسير ما حدث وفق منطق «المؤامرة»، مذكرين بأن الاستقالة أتت قبل يوم من موعد مثول بترايوس أمام الكونغرس للتحقيق في حادثة بنغازي، وسط استغراب شديد من سرعة أوباما في الموافقة على مغادرة «جنراله الأعز».
وتساءلت مجلة «نيويوركر» عما إذا كان هناك من يسعى إلى تدمير بترايوس، أو إن كان هناك من تسوية ما تمت في مراكز صناعة القرار، في وقت استغربت أن يكون بترايوس «الذكي» قد وقع في هذا الفخ.
كما تخوف كثيرون من أن تكون بولا قد اطلعت على معلومات تهدّد أمن أميركا، بحسب ماكس فيشر في صحيفة «واشنطن بوست».
توسع الفضيحة
وسرعان ما توسعت الفضيحة التي هزت واشنطن بعد ايام قليلة على إعادة انتخاب أوباما لتطال القائد الأميركي لقوات حلف الأطلسي في أفغانستان الجنرال جون آلن.
وقال مسؤول في «البنتاغون» لعدد من الصحافيين إن «أف بي آي» عثر على 30 ألف صفحة من المراسلات بين الجنرال جون آلن وجيل كيلي المرأة التي كانت خلف كشف فضيحة العلاقة خارج الزواج التي اقامها بترايوس.
وكانت كيلي طلبت من «أف بي آي» في مطلع الصيف الماضي التحقيق في رسائل تهديدات كانت تتلقاها فتبين أنها صادرة عن برودويل.
وعثر المحققون عندها على رسائل الكترونية تحتوي على ايحاءات جنسية صريحة بين بترايوس وبولا برودويل، ما اكد وجود علاقة بينهما.
وقال المسؤول الكبير في الدفاع طالبا عدم كشف اسمه الى الصحافيين الذين كانوا يرافقون وزير الدفاع ليون بانيتا في رحلة على متن طائرة ان هناك «امكانية واضحة» أن تكون رسائل آلن الالكترونية على علاقة بالتحقيق في قضية بترايوس.
وقال بانيتا في بيان أن «أف بي آي» أبلغ القضية الى وزارته الأحد الماضي وانه احالها الى المفتش العام في «البنتاغون» للتحقيق فيها.
وأضاف أن آلن سيبقى في منصبه في كابول لكنه طلب من لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ ارجاء أي تحرك بشأن تعيين آلن قائدا أعلى لحلف الأطلسي.
من جانب آخر، افادت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن عميلاً في مكتب التحقيقات الفدرالي الاميركي (أف بي آي) عمل على القضية، هو نفسه موضع تحقيق داخلي يتناول سلوكه. وتبين أن العميل الذي لجأت اليه كيلي المرأة المقيمة في فلوريدا طالبة المساعدة اثر تلقيها تهديدات عبر البريد الالكتروني، ارسل لها صورا له عاري الصدر.
وذكرت «وول ستريت جورنال» انه تم تحييد عميل «أف بي آي» عن القضية الصيف الماضي وهو الآن موضع تحقيق داخلي. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تكشف هويتها ان رؤساء العميل بدأوا يستجوبون المحقق حين لاحظوا انه بات «مهووساً» تماما بالملف الذي يعمل عليه.
وعثروا عندها على رسائل الكترونية ارفقها العميل بصور له عاري الصدر.
من هي جيل كيلي؟
المرأة التي «اضطرت» لطلب الحماية من «أف بي آي» من برودويل، هي الأميركية، اللبنانية الأصل، جيل كيلي، وهي من عائلة خوام في لبنان، ووالدها صاحب مطعم لبناني في الولايات المتحدة.
وملخص القصة أن جيل كيلي شعرت بالخوف حين تسلّمت الرسائل من برودويل، «فتوجهت إلى مكتب التحقيقات الفدرالي لطلب الحماية والمساعدة في ملاحقة الجهة المرسلة»، طبقاً لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست» التي أضافت أن كيلي لم تكن تعمل لدى «سي آي أي» وعلاقتها مع بترايوس «تبقى غير واضحة»، لكن الرسائل الإلكترونية تشير الى أن برودويل «كانت ترى فيها تهديداً لعلاقتها به»، على حد تعبير الصحيفة.
واسم كيلي الحقيقي هو جيل خوام، ووالدها حنا خوام الذي هاجر من لبنان حيث كان يقيم ويعمل عازفا موسيقىا بمدينة جونية القريبة 20 كيلومتراً من بيروت مصطحباً زوجته مارسيل في سبعينات القرن الماضي إلى الولايات المتحدة هرباً من الحرب الأهلية.
وفي مدينة فيلادلفيا أسس حنا خوام مطعماً للمأكولات اللبنانية سمّاه «صحارى»، وفي تلك المدينة أيضاً نشأت جيل وترعرعت وعملت في شركة للعلاقات العامة حتى أواخر العشرينات من عمرها، حيث تزوّجت من بعدها من جراح أميركي مختص في الاستئصالات السرطانية اسمه سكوت كيلي ورزقت منه بثلاث بنات.
ولجيل، البالغة من العمر 37 سنة والمقيمة منذ 12 عاماً مع زوجها وبناتها في مدينة تامبا بولاية فلوريدا، أخ أكبر منها اسمه ديفيد وشقيقة توأم معها اسمها ناتالي، وهي محامية.
Leave a Reply