برغم كل التصريحات التي أطلقها أوباما تأكيداً على التزامه بأمن إسرائيل خلال خطابات سابقة، ولكن كان لخطابه أمام الطلبة في «مباني الأمة» في القدس الغربية المحتلة أثر بالغ في نفوس الإسرائيليين، الذين اعتبروه التعويض عن خطاب التقرّب من الإسلام والعرب الذي ألقاه في القاهرة قبل ثلاثة أعوام. وقد قفز أوباما على لغم الاستيطان وكونه عقبة أمام السلام بمطالبته أثناء زيارته إلى رام الله باستئناف المفاوضات «من دون شروط مسبقة» لتجسيد الحق الفلسطيني بدولة مستقلة.
وأمام الطلبة اعتبر أوباما أن هذا الخطاب هو الحدث المركزي في زيارته. وقال إنه فخور بتحويل عيد الفصح اليهودي إلى تقليد في البيت الأبيض «تتعلم منه ابنتاي التقاليد» عن التحرر من العبودية. وأضاف «بالنسبة للشعب اليهودي، الرحلة إلى دولة إسرائيل الموعودة وجدت بين أجيال لا تُعد. وتخللتها عقود من المعاناة والمنفى، والمذابح وحتى الإبادة. وبالرغم من ذلك كله، حافظ الشعب اليهودي على هويته الفريدة وتقاليده، فضلاً عن شوقه الطويل للعودة إلى الوطن»، هكذا تحدث أوباما عن حق الإسرائيليين بأرض فلسطين. وتابع «وفي وقت حقق فيه اليهود نجاحات مذهلة في أنحاء عديدة من العالم، فإن حلم الحرية وجد أخيراً تعبيره الكامل في فكرة الصهيونية.. أن تكون حراً في وطنك».
الأمن والسلام والازدهار، ثلاثة مواضيع اعتبر أوباما أنه يجب التركيز عليها في تطور العلاقات بين الدولتين. وعن الأمن، عبّر أوباما عن فرحه بالروابط الأمنية القوية بين الدولتين، خصوصاً على الصعيد العسكري، إلا أنه ميّز بين الأمن العام والأمن الفردي للإسرائيليين، قائلاً «عندما أفكر بأمن إسرائيل، أفكر بالأطفال… بأعمار بناتي، عندما يذهبون إلى النوم ليلاً خائفين من سقوط صاروخ في غرفتهم»، في إشارة إلى صواريخ المقاومة في غزة، ولذلك، «استثمرنا في منظومة القبة الحديدية… ولذلك دافعنا عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولهذا أيضاَ لدى إسرائيل الحق في أن ترى حماس تنبذ العنف وتعترف بحق إسرائيل في الوجود».
أوباما ونظيره الإسرائيلي بيريز خلال مأدبة عشاء رسمية في القدس المحتلة. (رويترز) |
وتحدث عن حادثة تفجير حافلة السياح الإسرائيليين في بلغاريا، وقال «لذلك يجب على كل دولة تقدر العدالة أن تعتبر حزب الله –وهو فعلاً– منظمة إرهابية. لأن العالم لا يستطيع أن يتحمل منظمة تقتل المدنيين الأبرياء، وتجمع الصواريخ لإطلاقها على المدن، وتدعم مذبحة الرجال والنساء والأطفال في سوريا».
ومن هنا، بدأ حديث أوباما الناري عن الأزمة السورية، وبيّن «لقد وضحت لـ(الرئيس السوري) بشار الأسد ومن ينفذ أوامره، أننا لن نحتمل استخدام الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري أو نقلها إلى الإرهابيين. العالم كله يشهد، وسنحملكم المسؤولية… على الأسد أن يرحل ليبدأ مستقبل سوريا».
وربط الرئيس الأميركي بين الهولوكوست والمشروع النووي الإيراني، وقال «عندما أفكر بأمن إسرائيل، أفكر بالأشخاص الذين عاشوا الهولوكست ويواجهون احتمال حصول حكومة إيرانية طالبت بتدمير إسرائيل على السلاح النووي. إن ذلك لا يشكل تحدياً لإسرائيل فقط، بل للعالم أجمع، ومن بينه الولايات المتحدة». وأضاف إن «الحكومة الإيرانية اليوم تخضع للضغط أكثر من أي وقت مضى، وهذا الضغط يتزايد. إنها معزولة. اقتصادها في حالة صعبة. قيادتها مقسمة. وموقعها في المنطقة وفي العالم يضعف بشكل مستمر». ولكنه شدد على أنه لا يزال هناك وقت للديبلوماسية، وهي «الطريقة الأفضل للتأكد من تخلي الحكومة الإيرانية عن السلاح النووي، كما أن السلام مفضل أكثر بكثير من الحرب»، موضحاً «كرئيس، قلت للعالم إن كل الخيارات مطروحة على الطاولة لتحقيق أهدافنا. أميركا ستفعل ما عليها لمنع إيران من التسلح نووياً».
وأكد أوباما أن إسرائيل باقية، و«من دون خطأ، هؤلاء الذي يؤمنون بإيديولوجية ترفض حق إسرائيل في الوجود، فليرفضوا أيضاً الأرض تحتهم والسماء من فوقهم… لأن إسرائيل باقية». ولكن أين سيكون مستقبلها؟ يسأل الرئيس الأميركي، ليدخل في حديثه إلى وجوب المجازفة من أجل تحقيق السلام. واعتبر أن أفضل سبيل للدفاع عن إسرائيل هو تغييب الحروب، مطالباً الحكومة باستغلال موجة الثورات العربية عبر تأكيد الالتزام بالسلام. أما الدول العربية، بالنسبة للرئيس الأميركي، فعليها «التكيف مع عالم قد تغيّر فعلاً… وقد حان الوقت لأن يخطو العالم العربي إلى الأمام تجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل»، بحسب قوله.
وفي نظر الرئيس الأميركي، فإن إسرائيل أقوى دولة في المنطقة ويمكنها القيام بالمخاطرة المدروسة. وقال إن على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، ويجب على الإسرائيليين الإقرار بأن الاستيطان عقبة أمام السلام.
وأقرّ أنه سيقدم اليوم الجمعة على خطوة تاريخية بزيارة قبر مؤسس الصهيونية ثيودور هرتسل وقبر رئيس الوزراء السابق اسحق رابين. وهو الذي سيزور اليوم أيضاً كنيسة المهد في بيت لحم، قبل أن يتوجّه إلى الأردن للقاء الملك عبد الله الثاني.
وكان أوباما قد زار مقر السلطة الفلسطينية في رام الله بشكل مختصر، وبقي حوالي خمس ساعات اقتصرت على اجتماعات رسمية وزيارة لمركز شبابي في البيرة. وخلافاً للأجواء التي سادت زيارة أوباما إلى رام الله، حفلت زيارته إلى القدس المحتلة بطابع احتفالي بارز. فقد زار «متحف إسرائيل»، حيث اطلع على «مخطوطات البحر الميت» وعلى معرض تجديدات التكنولوجيا الإسرائيلية. وتودّد أوباما، الذي رافقه نتنياهو، إلى مجموعة من المعوقين الإسرائيليين.
وأشار أوباما، في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى وجوب استئناف المفاوضات مع إسرائيل من دون شروط مسبقة. وتشكل هذه العبارة ذروة الاستفزاز للفلسطينيين، الذين يرون في عدم تجميد الاستيطان سماحاً لإسرائيل بمواصلة الاستيطان تحت ستار المفاوضات.
وذكر معلقون فلسطينيون أنه منذ خطاب أوباما في القاهرة زاد عدد المستوطنين في الضفة الغربية أكثر خمسين ألفاً عما كانوا قبل الخطاب، الذي طالب بوقف الاستيطان ووعد بحل ودولة فلسطينية خلال عام. ولاحظ مراقبون أن استخدام أوباما لتعبير استئناف المفاوضات «من دون شروط مسبقة» وجّه رسالة علنية قوية للسلطة بعدم المطالبة بالضغط من أجل اشتراط وقف الاستيطان.
وأشارت أنباء فلسطينية إلى خيبة أمل في أوساط السلطة من الزيارة، حيث أنهم كانوا يتوقعون صيغة مقبولة تعيد الطرفين إلى طاولة المفاوضات، وليس خطوات بناء ثقة كالتي تدعو إليها وتكتفي بها أميركا. وعبّر الرئيس عباس في كلامه أمام أوباما عن أن الصيغة المطلوبة هي التي تدعو لبناء دولة فلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأعاد أوباما التأكيد على التزام بلاده بحل الدولتين الذي رأى أنه مصلحة مشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين، لافتاً إلى أنه تباحث مع أبو مازن حول
الاستيطان وقضية الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية، وحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس.
وكانت أعداد كثيفة من الشرطة الفلسطينية منعت عشرات الفلسطينيين من الوصول الى مقر الرئاسة الفلسطينية اثناء لقاء الرئيس عباس مع أوباما.
ودعت قوى وفعاليات شعبية الى التظاهر ضد زيارة الرئيس الاميركي، وانطلق المشاركون في التظاهرة من وسط مدينة رام الله باتجاه مقر الرئاسة بعد دقائق من وصول الرئيس الأميركي، الا ان اعدادا كثيفة من الشرطة اغلقت الطريق امامهم.
Leave a Reply