مريم شهاب
ليس أقسى من الحياة فـي الغربة إلّا الموت فـيها.
الأسبوع الماضي، ذاع النبأ الحزين فـي ديربورن، رحلت الشابّة زينب علي عجمي فـي إسبوع تخرجها بتفوق بدرجة دكتوراه من الجامعة. صبية حباها الله بالكثير، العقل والعلم والجمال والمال ونبل العائلة، مرَّ نسيم الربيع واشتهى أن يقطفها، مرت النجوم والأزهار والياسمين واشتهت أن تقطف زينب حين لمحتها، لكن الموت قطفها قبلهن جميعاً حين اصطفاها كأجمل وردة.
كان الخبر صدمة للأهل والأصدقاء، وحار المعزّون بين حزنهم على فقدان زينب وخوفهم على أسرتها من المصيبة التي حلّت بوالدها الطيب الأستاذ علي عجمي ووالدتها الحنون الحاجة أم حسين وشقيقيها حسين وحسن وشقيقتها جيهان. حيث جاء موت الدكتورة زينب لينكأ الجراح كلها، جراح فقد الجالية فـي ديربورن مؤخراً، العديد من الشبان والشابات، بصورة مفاجئة وصاعقة. وإذا كان الموت وحده يوقظنا على هشاشة حضورنا على هذا الكوكب ويذكرنا بالبديهيات شبه المنسيّة فـي غمرة التفاصيل اليومية التافهة، التي نتوهمها بالغة الأهمية، فإن الموت المبكر فـي عمر الشباب، هو ضربة برق فـي الرأس، يشبه التنبيه إلى ذلك القدر الخفـي، الذي يتسلل بطيئاً إلى حياة البشر كي يأخذهم إلى النهاية.
إن فـي قلوب العديد من أهلنا وأحبائنا أحزان وفـيات مؤلمة، وقد لا يخلو بيت من فقد حبيب أو عزيز، تتبدَّل أسماء الأحباء والفجائع متشابهة. والذي جعل موت الدكتورة زينب عجمي يستأثر بموضوع كتابة هذا الأسبوع، هو حزنٌ بعيد وحرقة فـي قلبٍ ذاق لوعة فقد شاب حبيب باكراً، تجدده لوعة الفراق فـي كل مناسبة، عندما أسمع «البقية فـي حياتك» أو «الله يطول عمرك»، لأن المرجو أولاً أن يطيل الخالق تعالى فـي عمر من نحبهم قبل أعمارنا. فكيف بالوالدين يظلّون ينادون ولدهم «تقبرني»، والحكمة من هذه الكلمة أنهم يفضلون الموت قبل أولادهم لأن العالم سيصير خاوياً بدون الأحباب. ولكنه القدر الذي لا رادّ لقضائه. الموت الصاعق يضرب دفعة واحدة وبلا مقدمات ومن نخاف عليه من النسمة، يرحل بسرعة مثل النسمة، تماماً مثل الحبيبة الراحلة زينب عجمي، الإبنة الصغرى المدلَّلة لعائلة محترمة قدمت للجالية اللبنانية هنا فـي ديربورن أولاداً مثال للفخر والإحترام.
الدكتورة الراحلة زينب مثَّلت فـي سنينها السبع والعشرين، نموذج الشابة العربية الرافضة لمنطق الكسل والإتكال على ثروة الوالدين، واختارت طريق العلوم الصعبة وكانت دوماً مثالاً للفتاة الجادة المثابرة بعزيمة نحو النجاح والتفوق، وبموهبتها العميقة وذكائها نالت دوماً مرتبة الشرف والنبوغ فـي كل مراحل دراستها، هذا بالإضافة إلى اعتزازها بحضارتها وثقافتها العربية، وأخلاقها النبيلة كما رثاها شقيقها المهندس حسين فـي ذكرى أسبوعها الأحد الماضي، حيث شاركت الجالية كلها فـي الحزن لفقدها وخسارتها ولمواساة أهلها الطيبين. وبكل الإحترام والصداقة لهم، إنه من النبل أن يحوِّل المرء حزنه الشخصي من كهف مظلم للاحزان إلى ما ينفع الناس ويمكث فـي الأرض، مثل شجرة طيبة يقطف الناس من أغصانها المحبة والبركة. ومن الإيمان أن يتعزَّى المرء عن خسارته الفادحة بعطائه للآخرين، وما من عمل كبير إلّا فـيه بذرة ألم كبير. وكلنا معرضون لهذا الهول وإن كنّا نتوهم بأنه لا يقع إلّا للآخرين. وأن أفضل مداواة لخسارة إبنتكم الأثيرة الدكتورة زينب هي بدعم أحد الطلاب المتفوقين فـي الجامعة، دعمه ماديّاً ومعنويّاً حتى ينال الشهادة العليا، وهذا لا شك يفرح قلب إبنتكم فـي جنات الخلود.
الرحمة الواسعة للقمر زينب الذي إنطفأ باكراً. والعزاء لأهلها الأحبة، وخصوصاً لوالدتها العزيزة أم حسين، مع تمنياتي بالشفاء والصحة لوالدها العزيز الأستاذ أبو حسين. و إنا لله وإنا إليه راجعون.
Leave a Reply