مريم شهاب
عادت الزوجة من عملها مرهقة، وجدت زوجها قد سبقها إلى البيت، وجلس يتناول مشروبه المفضّل، ويستمتع بمشاهدة فريقه الرياضي لكرة السلة، ولم يكد يراها حتى أشار لها بأن تعدّ له الطعام لأنه سوف يخرج بعد قليل للقاء أصدقائه.
توجهت إلى المطبخ يملأها الغضب والتعب والإحساس بالمهانة اتجاه زوجها الأناني. وضعت من يدها الأغراض التي تسوقّتها فـي طريقها إلى البيت، وبدأت فـي تقطيع البصل والبندورة وتوضيب قطع اللحم، ووجدت نفسها تضغط بالسكين على كل قطعة خضار وكأنها تحز بها رقبة زوجها.
زاد غضبها وهي تفكّر فـي حياتها التعيسة معه. فهو دائم الإهمال لها، يعمل ساعات معدودة فـي اليوم ويتركها بمفردها تتحمل ضغوط العمل والعودة السريعة إلى البيت والعناية بأولادهما والقيام وحدها بالأعمال المنزلية من غسيل وطبخ وتنظيف، حتى الفواتير الشهرية ودفعات البيت والتأمين يتركها تتراكم ويتكاسل عن دفعها ممّا يضطرها إلى دفعها مع الغرامات. حتى فـي المناسبات المهمة لا يلتفت إليها, عيد زواجهما مثلاً، يوافق يوم عيد ميلاد أمه وهو يهتم بهذا اليوم كثيراً، ولكن من أجل الست والدته، فـيلبس أجمل ثيابه ويتأنق ويذهب لشراء الورد، ويتجه إلى منزل أمه وحده، حيث يحتفل بيوم ميلادها دون أن يفكّر فـي وردة واحدة يحملها إلى زوجته.
وجدت نفسها عاجزة عن كبح جماح غضبها، مما دفعها إلى مد يدها إلى علبة سم الفئران قائلة لنفسها: آن الأوان ليدفع هذا النذل الحقير الثمن!!
وضعت الطعام أمام زوجها وراح يلتهمه بشهية دون أن يكلف نفسه بالنظر إليها، فهو مشغول جداً بمتابعة رياضته المفضّلة. بعد قليل لاحضت أن زوجها أخذ يتباطأ فـي الأكل عندما أحسّ أن معدته ليست على ما يرام، وأدركت أن السم بدأ يسري فـي أحشائه، تظاهرت بغسل الصحون ولكنها فجأة صرخت: لا لا توقف عن الأكل!! وأسرعت إلى التلفون تطلب الإسعاف، وسمعها زوجها تقول: لا ليست حادثة، أنا الذي وضعت السم له فـي الأكل!
بعد جهد جهيد، استطاع الأطباء أن ينقذوا حياة الزوج. وعندما أفاق من الغيبوبة وجد زوجته تجلس بجواره والدموع تغطي وجهها. وبدلاً من أن يغضب ويثور مدّ يده وأمسك بيدها قائلاً: إذا كنتِ تكرهيني إلى هذا الحد لماذا أنقذتني؟؟ لماذا لم تتركيني أموت؟؟
فـي قسم الشرطة، نفت الزوجة تهمة القتل وقالت لم أكن أقصد قتله، فقط
أردت أن ألقِّنه درساً!! لم يشفع لها ما قالت وقُدِّمت للمحاكمة بتهمة تسميم زوجها الذي حضر جلسات المحاكمة، وكانت نظرات زوجته إليه تقول: أنا أحبك، إقبل معذرتي. أنا آسفة.
فـي آخر جلسة لنطق الحكم، وقف الزوج قائلاً بصوت متقطع وبتأثر بالغ موجهاً كلامه للمحلفـين: أنني لا أتهم زوجتي بشئ، فقط هي أخطأت فـي استخدام السم بدل البهارات.. إنني متأكد أنها لم تقصد قتلي وأهم من ذلك كله أنني أحبها وأريدها بجانبي زوجة وأماً لأولادي.
أطلقت المحكمة سراح الزوجة بغرامة بسيطة دفعها الزوج وخرج الزوجان متشابكي الأيدي.
قد تأتي لحظات على الزواج لا يروي غليل الحب فـيه العناق بل الشجار، وأحياناً القتل، ربما لأن الرجل لا يتطرق إليه الحب ولا يلتفت إلى حب زوجته له إلا بعد كارثة ما أو ربما بعد فوات الأوان، كذلك الزوجة أيضاً. والحب الزوجي قد يختفـي وراء أحداث الحياة اليومية، فـيبدو الزوج كأنه لا يهتم بزوجته وتبدو الزوجة كأن زوجها لا يعنيها.
الحب الزوجي موجود، ليس بحاجة للأزمات للكشف عن عمقه، يمكن انعاشه بوردة، بقبلة، أو بأضعف الإيمان بكلمة طيبة!!
Leave a Reply