نبيل هيثم – «صدى الوطن»
عبثية الحرب تولّد ظواهر أكثر عبثية.
هكذا هو حال كل الحروب التي شهدها ويشهدها العالم بشكل عام، والوطن العربي بشكل خاص، وأبرز فصولها الحرب الدائرة في سوريا، وعليها.
وكما أن الظواهر المرتبطة بالحروب تتطوّر ضمن إطار اللامنطق، كما دلّت السنوات الماضية، فإن عبثياتها تتطوّر في السياق ذاته، وانما بوتيرة أكثر اضطراداً.
آخر تلك المظاهر العبثية هو إعلان زعيم «جبهة النصرة»، أبو محمد الجولاني عن فك الارتباط بتنظيم «القاعدة» الأم بعد نيل مباركة زعيم التنظيم الأم، أيمن الظواهري.
ومن عبث الأمور، أن هدف تلك الفكرة اللامنطقية يبدو مقنعاً، وهو استشعار ذلك الفصيل التكفيري بأن الرؤى الأميركية–الروسية بشأن الأوضاع الميدانية في سوريا تشهد تقارباً بوتيرة أسرع من السابق على وقع التقدم الكبير للجيش السوري وحلفائه في حلب حيث تم إطباق الحصار على الأحياء الشرقية الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين وعزلهم عن مناطق الريف وصولاً الى الحدود التركية، في خطوة تمهد لإعادة ثاني أكبر مدن سوريا الى سلطة الدولة بعد أربع سنوات على اجتياحها من قبل المجموعات المسلحة المدعومة من الخارج.
تقارب أميركي-روسي اضطراري
ثمة مؤشرات كثيرة على التقارب الأميركي-الروسي الجزئي بشأن الموضوع، وهو تقارب متذبذب فرضته عوامل كثيرة متبادلة، بينها حاجة واشنطن وموسكو إلى تحقيق انجاز ملموس في الميدان السوري ضد قوى الإرهاب، التي تتجاوز يوماً بعد يوم كل الخطوط الحمر المرسومة لها من قبل الغرب، فتضرب دهساً في نيس، واطلاق نار في فرانكفورت، وذبحاً في روان…. الخ.
أولوية تحقيق الإنجاز الملموس في الميدان السوري تفرضه معطيات داخلية بحتة لدى كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. الأول، يحتاج إلى انجاز يدعم الموقف الانتخابي لرفيقته في الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون امام دونالد ترامب، الذي أحسن العزف على وتر «الإرهاب الإسلامي الراديكالي»، فحصد المزيد من الأصوات في استطلاعات الرأي قبل أسابيع قليلة على النزال الانتخابي الكبير في تشرين الثاني المقبل. والثاني، -أي بوتين- يرى حاجة في تحقيق انجاز كبير في حربه ضد الإرهاب، استباقاً لاستحقاقات اقتصادية عدّة، في ظل تصاعد الضغوط على سعر الروبل، والتي ستبلغ ذروتها في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل أيضاً، كما يشير معظم خبراء الاقتصاد.
التوافق الروسي-الأميركي في الميدان السوري بات أقرب الى التحقيق رغم الخلافات المستمرة: إذ ينبغي تحقيق انجاز أميركي ضد «داعش» في الرقة، ولكن في نفس الوقت ألا يصب هذا التقدم في صالح الرئيس بشار الأسد، ولهذا قد يكون «فك الارتباط» (بين النصرة والقاعدة) مناورة لتمديد أمد الصراع في حلب وإدلب تحديداً، في الوقت الذي تتسارع فيه تحضيرات الحسم في حلب حيث أعلن وزير الدفاع الروسي عن توفير ممرات لانسحاب المسلحين منها بعد إطباق الجيش السوري وحلفائه الحصار عليهم.
وما تطلبه روسيا من الأميركيين هو تحرير يدها في ضرب «جبهة النصرة» التي لا يزال البعض في دول الخليج يصنفها ضمن إطار قوى المعارضة وليس ضمن الإرهاب، رغم أنها تضم خليطاً متنوعاً من المقاتلين الأجانب الذين تدفقوا الى سوريا على مر السنوات الماضية.
ويبدو أن طريق التفاهم الروسي-الأميركي قد أزيل منه لغم كبير، المقصود به اللغم التركي، بعد انشغال رجب طيب أردوغان بشؤون الانقلاب الفاشل عليه، بما يعنيه ذلك انحسار دور أحد أبرز داعمي «النصرة» و«داعش» في سوريا، فيما لا تزال المملكة السعودية مصرة على دعم «الثورة»، وهو ما قد يفسّر سلاسة فك الارتباط الذي أعلن عنه الخميس الماضي بهدف «مواصلة المعركة» ضد الدولة السورية بأي شكل من الأشكال حتى ولو بدا ذلك عبثياً الى أقصى الحدود.
استشعر المسؤولون عن «جبهة النصرة» الخطر، فراحوا يبحثون عن بديل يقيهم «شر» الغارات الروسية المنتظرة، والتي غالباً ما كانت تُلجم بذريعة «قصف المدنيين»، الذين تتخذ منهم الجماعات المسلحة دروعاً بشرياً، وهو ما كان يثير ضغوطاً كبيرة على الطيران الروسي من الجانب الأميركي تحديداً. فجاء القرار بفك الارتباط مع «القاعدة» وتغيير اسم الجبهة المدرجة على لوائح الإرهاب الى «جبهة فتح الشام» في محاولة يائسة لتغيير قواعد الاشتباك الجديدة التي بدأت تفرض نفسها على الميدان السوري في مرحلة ما بعد التوافق الروسي-الأميركي، ولهذا فإن «جبهة النصرة» بدأت تدرك بأن الضربة الروسية عليها واقعة لا محال، فيما الدعم التركي بدأ يتآكل تدريجياً.
إعلان فك الارتباط
أعلن زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري في تسجيل صوتي بث الخميس الماضي أن بوسع «جبهة النصرة» الانفصال عن تنظيم «القاعدة»، إن كان انتماؤها للتنظيم يهدد وحدتها، أعقبه إعلان زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني إلغاء العمل باسم الجبهة والعمل بتشكيل جديد يحمل إسم «جبهة فتح الشام».
وأجاز الظواهري لـ«جبهة النصرة» «التضحية بالروابط التنظيمية مع القاعدة» إذا كان ذلك لازماً للحفاظ على وحدتها و«مواصلة المعركة في سوريا».
وقال الظواهري في تصريحه المقتضب «إن أخوّة الإسلام التي بيننا هي أقوى من كل الروابط التنظيمية الزائلة والمتحولة وإن وحدتكم واتحادكم وتآلفكم أهم وأعز وأغلى عندنا من أي رابطة تنظيمية».
من جهته، أعلن زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني إلغاء العمل باسم الجبهة والعمل بالاسم الجديد
وقال في تسجيل مصوّر إن «جبهة فتح الشام» «لن يكون لها ارتباط بجهات خارجية» وفك الارتباط يهدف «لتقريب المسافات بين الفصائل المعارضة».
وتحدّث الجولاني في أول ظهور له عن العمل على التوحد مع الفصائل «لرص صف المجاهدين ولنتمكن من تحرير أرض الشام من حكم الطواغيت والقضاء على النظام وأعوانه»، بحسب تعبيره.
وفي أول ردّ فعل، قال البيت الأبيض إن «لدينا مخاوف متزايدة من قدرة «النصرة» على مهاجمة الغرب ولا نزال نجري تقييماً حيال وضعها». بدورها، قالت الخارجية الأميركية إنّ تغيير «النصرة» لاسمها «لا يعني تغيير سلوكها وأهدافها وعقيدتها ونحن ما زلنا نعتبرها منظمة إرهابية».
انقسامات داخل الجبهة
ومنذ أيام، تتحدث أوساط المعارضة السورية عن توجه داخل «جبهة النصرة» لـ«فك ارتباطها» مع تنظيم «القاعدة»، بما يشمل تغيير اسمها ورايتها.
وليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن «فك الارتباط» بين «جبهة النصرة» بزعامة أبو محمد الجولاني، وتنظيم «القاعدة» بقيادة أيمن الظواهري، ففي أواخر العام 2014، ذكرت وسائل إعلام غربية أن دولاً أوروبية عرضت شطب اسم «النصرة» عن قوائم الإرهاب في مقابل تغيير أيديولوجيتها المرتبطة بـ«القاعدة»، وهو ما رفضه حينها الجولاني، كما أعلن صراحة منذ أشهر.
وفي مطلع العام 2015، برز توجه جديد لدى «جبهة النصرة» للانفصال عن تنظيم «القاعدة»، وقاده في ذلك الحين عدد من القيادات الجهادية، أبرزهم أبو ماريا القحطاني، الذي قال حينها إن «النصرة قد تقبل بفك ارتباطها بالقاعدة في حال وجود مشروع منقذ للثورة السورية».
وفي العام 2016، عاد الحديث عن «فك الارتباط»، ولكن هذه المرة على أساس توحيد فصائل اسلامية كبرى في سوريا، غير أن خلافات حالت دون ذلك.
لكنّ الحديث عن «فك الارتباط» أصبح واقعاً بدعم عدد من أعضاء مجلس شورى «حبهة النصرة»، وبعض الرموز «القاعدية» من خارج «النصرة»، وفكرته تتمحور حول استنساخ «مذكرة أزواد» بنسخة سورية، وهي التي اقترحها أمير «القاعدة في المغرب» أبو مصعب عبد الودود لتنظيم العلاقة بين الجهاديين و«حركة تحرير أزواد» في شمال مالي في العام 2012.
مع إعلان فك الارتباط الذي لا يبدو أنه سيكون مقنعاً لأحد، يبدو واضحاً أن الساحة السورية بدأت بالفعل تشهد تحوّلات أكثر دراماتيكية، على وقع تقدم الجيش السوري وحلفائه وفي ظل التوافق الروسي-الأميركي الذي سيضع المسلحين أمام استحقاق وجودي، بات يتحتم فيه على الإرهاب أن يغيّر جلده!
الأسد يصدر عفواً عن كل من حمل سلاحاً
أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوماً يقضي بالعفو عن كل من حمل سلاحاً ويبادر إلى تسليم نفسه وسلاحه للسلطات المختصّة.
وفي بيان صادر عن الرئاسة السورية قال الأسد إن «الفرصة سانحة لكلّ من حمل السلاح أن يعبّر عن انتمائه للوطن وأن يلقي السلاح وينخرط في عملية إعادة إعمار البلاد»، واعداً أن «يكون التسامح سيّد الموقف وأن تكون سوريا الأم الحاضنة للجميع». و أكد الأسد في مقابلة مع تلفزيون «إي تي في» اليوناني إن المصالحة الوطنية هي الطريق الأهم لوضع حدّ لما يعصف بسوريا من عنف وقتل ودمار، داعياً الشعب السوري «للوقوف صفاً واحداً مع الجيش المصمّم على إستئصال الإرهاب خصوصاً بعد أن تبين أن هذا الإرهاب يستهدف سوريا وطناً وشعباً وحضارة وهوية من دون تمييز بين أبناء الوطن الواحد» بحسب الأسد.
الجيش السوري يُحكِم «طوق حلب» … ويمهّد لاستعادة الأحياء الشرقية
دخلت الحرب السورية منعطفاً جديداً مع إعلان الجيش السوري إنجاز مهمة «طوق حلب» بعد صد محاولات متتالية للفصائل المسلحة لاستعادة طريق الكاستيلو الذي كان الشريان الوحيد الذي يصل الأحياء الشرقية من المدينة بريفها، بل تمكن الجيش السوري وحلفاؤه خلال الأسبوع الماضي من تثبيت الطوق وتوسعته ليضيق الخناق أكثر فأكثر على المجموعات المسلحة التي سيطرت على شرق المدينة منذ أربع سنوات.
منشور يوضح معابر الخروج الآمنة من حلب |
وتبدو الجبهات الحلبية أمام أسبوع حاسم، إذا ما أخفقت المجموعات في تحقيق خرقٍ خلاله فستكون مهمّتها بعدّه شبه مستحيلة ليجد المسلحون أنفسهم أمام خيارين: الاستسلام، أو مواصلة القتال حتى الرمق الأخير، وإن كان هناك من يعوّل على تحقيق خرق ما في غرب المدينة لإعادة خلط الأوراق ورسم خطوط تماس جديدة.
ويبدو أنّ عدداً من المجموعات المسلّحة (وعلى رأسها «جبهة النصرة») تبدو عازمةً على خوض معركة حلب حتى نهايتها. وتشهد كواليس المجموعات مشاورات مكثّفة حول سبل الرد على تقدم قوات الجيش. وتنقسم الخيارات المتاحة أمام المسلّحين المحاصرين إلى شقّين أساسيين: دفاعيّة بحتة تسعى إلى إحباط خطط الجيش للتوغّل البرّي داخل الأحياء الشرقيّة، وأخرى دفاعيّة بصبغةٍ هجوميّة. وتشتمل الأخيرة على السعي إلى محاولات شنّ هجمات عبر خطوط التماس بين الأحياء الشرقيّة ونظيرتها الغربيّة (مثل سيف الدولة، المدينة القديمة، والميدان، وحتى حلب الجديدة)، في محاولة لتحقيق «خرق كبير».
وعلى أرض الميدان، سيطر الجيش السوريّ وحلفاؤه على حيِّ بني زيد شمال غربي حلب وعلى السكن الشبابي بعد معارك عنيفةٍ مع المسلّحين الذين هرب عدد منهم باتجاه مناطقِ الريف.
الجيش السوريّ وحلفاؤهُ استعادوا أيضاً كامل معاملِ الليرمون حيث تمّ اكتشاف كميات كبيرة من الاسلحة ومعامل لتصنيعِ صواريخِ أجرار الغاز أو ما يُعرف بمدافعِ جهنم.
وانسحب عشرات المسلحين من حي بني زيد وسط حالة من الإرباك والتخبط في صفوف الفصائل المسلحة المنتشرة في أحياء حلب الشرقية.
وكان الجيش السوري اقتحم حي بني زيد بعد معارك دامت لساعات مع المسلحين. وأضاف أن الجماعات المسلحة تمنع الرجال تحت سن الـ 50 من الخروج من أحياء حلب الشرقية وذلك بعد عبور العشرات منهم إلى مناطق الجيش.
Leave a Reply