ديربورن – إلى جانب الانتماء القومي والديني، تربط الجالية العربية الأميركية في منطقة ديترويت صلات عائلية وثيقة بقطاع غزة، وتحديداً بين أبناء الجالية الفلسطينية الذين فقدوا خلال الأسابيع القليلة الماضية العشرات من الأقارب الذين أزهقت أرواحهم بالقصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
من بين هؤلاء الطبيب الفلسطيني الأميركي عماد شحادة، الذي تناولت تقارير إعلامية محلية ودولية معاناته الشخصية، إثر استشهاد زهاء عشرين شخصاً من أقاربه وأبناء عمومته بآلة القتل الإسرائيلية التي أودت بحياة أكثر من 11,500 فلسطيني بحلول الخميس الماضي، بينهم حوالي 4,700 طفل، و3,130 امرأة، بالإضافة إلى ما يربو على 29 ألف جريح يشكل الأطفال والنساء قرابة 70 بالمئة منهم، بحسب المصادر الحكومية في قطاع غزة.
وفي وقفة تضامنية أُقيمت في ديربورن تحت عنوان: «من غزة إلى ديترويت: حياة الفلسطينيين مهمّة، حذر الطبيب شحادة من أن استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي يهدد بإزهاق المزيد من أرواح المدنيين العزّل، مطالباً ببذل كل الجهود الممكنة لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المنكوب.
وقال شحادة الذي يمارس مهنة الطب باختصاص أمراض الرئة في مدينة روتشتسر هيلز، إن أحد أبناء عمومته قتل مع أطفاله الثلاثة، وإن ابنة عمه البالغة 19 عاماً قتلت وهي حامل من جراء القصف المستمر على قطاع غزة، واصفاً ما يعيشه الفلسطينيون الأميركيون في منطقة ديترويت بـ«الجحيم المتواصل». وقال: «ما يحدث أمر فظيع، إنه كابوس لا يريد أن ينتهي».
ولفت الطبيب المتحدّر من إحدى القرى الواقعة في قطّاع غزة إلى القلق المتواصل الذي تعيشه عائلته، متحدثاً عن مشاعر القلق التي تنتابه «في كل مرة يرّن فيها الهاتف»، متوجساً من سماع أخبار أليمة جديدة، لاسيما وأن إحدى شقيقاته لاتزال عالقة في القطاع تحت تهديد الحصار والقصف الإسرائيلي المتواصل.
وأوضح الطبيب الذي هاجرت عائلته من سوريا إلى الولايات المتحدة، أنه يتواصل مع شقيقته كلما أتاحت شبكة الاتصالات له ذلك، مشيراً إلى أنه يفضل الاطمئنان عليها عبر الرسائل النصية لتفادي سماع صوتها المتهدج بالخوف والبكاء.
وقال شحادة الذي تخرّج من كلية الطب في جامعة «وين ستايت» بديترويت: «إن الاستماع إليها وسط البكاء والدموع مع اشتداد الحرب يوماً إثر يوم بات أمراً شبه مستحيل»، مضيفاً: «ينفطر قلبك عندما تعلم بمقتل أشخاص من جراء الحرب، ولكن الأمر يصبح أصعب عندما يكون هؤلاء الضحايا من الأهل والأقارب».
وأوضح شحادة في كلمة ألقاها خلال الوقفة التضامنية التي نظمّها «المركز الأميركي من أجل العدالة» ACJ في صالة «غرينفيلد مانور»، بأن خطر الموت يهدد يومياً حياة الكثير من أقاربه، كما يهدد حياة أكثر من مليوني شخص يعيشون في القطاع تحت وطأة الغزو البري والغارات اليومية التي لا تميز بين مدني ومسلح منوهاً بأن قذيفة أصابت منزلاً قريباً من منزل شقيقته وتسببت بمقتل 12 شخصاً من أقاربه، وقال: «لقد كان ذلك المنزل على بعد عشرة أمتار من منزل أختي».
ووصف شحادة الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني بـ«الإبادة الجماعية» و«التطهير العرقي»، مفنّداً مزاعم الدولة العبرية بـ«الدفاع عن النفس» ومحاربة فصائل المقاومة، وقال: «هذه الحرب لا تعني شيئاً سوى أنها عقاب جماعي للفلسطينيين الذين يقطع عنهم الغذاء والدواء والمياه ليس في مدينة غزة وحدها، وإنما في كامل القطاع»، منوهاً بأن الضحايا الفلسطينيين من خارج مدينة غزة يشكلون حوالي 45 بالمئة من إجمالي القتلى والمصابين.
وحمّل شحادة الإدارة الأميركية مسؤولية استمرار الحرب الوحشية في الأراضي المحتلة، من خلال مواصلتها دعم دولة الاحتلال مالياً وسياسياً وعسكرياً، مهيباً بالناخبين العرب الأميركيين عدم التصويت للمسؤولين الأميركيين المؤيدين للدولة العبرية في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وقال: «لقد صوّتنا لهم في المرة الماضية، لأنه لم يكن لدينا خيار آخر، ولكن الحال لن يكون على هذا النحو في نوفمبر المقبل»، في إشارة إلى دعم الناخبين العرب في ولاية ميشيغن للمرشحين الديمقراطيين، بمن فيهم الرئيس جو بايدن.
وختم شحادة بالقول: «بغض النظر عن من هو المسؤول الحقيقي عن استمرار الحرب على القطاع، فيتوجب على هؤلاء أن يدفعوا ثمن مواقفهم في الانتخابات القادمة».
شحادة لم يكن الفلسطيني الأميركي الوحيد في منطقة ديترويت الذي فقد أحباءه في غزة، بل يشاركه المصاب الأليم آخرون من بينهم محمود الهبيل الذي استُشهد حوالي 30 فرداً من أقاربه منذ اندلاع الصراع المسلح في الأراضي المحتلة، فضلاً عن عشرين آخرين من أقارب زوجته
وفي كلمة له خلال الوقفة التضامنية في «غرينفيلد مانور»، دعا الهبيل الإدارة الأميركية إلى الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار تفادياً لوقوع المزيد من الخسائر البشرية والمادية.
وقال: «لقد ولدت في غزة، وهاجرت إلى أميركا في سنّ الثامنة عشرة، لذا فإن ما يحدث في غزة ليس غريباً عليّ، ولكن الحرب الحالية تجربة تزداد إيلاماً يوماً بعد يوم»، مضيفاً بأن الأوضاع المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون منذ السابع من أكتوبر المنصرم «ليست مقبولة على الإطلاق بالنسبة لأي إنسان في العالم».
وأشار الهبيل إلى أنه يفقد المزيد من أقاربه مع استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع، وقال: «في اليوم الثاني للحرب، قتل 12 شخصاً من أقاربي من جراء قصف منزلهم الكائن في مخيم الشاطئ، وفي اليوم الثالث قتل أحد أقربائي مع طفليه الصغيرين، وقبل أسبوعين قتل ابن أخي وزوجته مخلفين وراءهم ستة أطفال»، مضيفاً: «هذه هي الأوضاع التي نعيشها يومياً.. لاشيء سوى المزيد من أخبار القتل وسقوط الشهداء».
وذكر الهبيل بأن زوجته تعاني يومياً من سماع الأخبار الأليمة من جراء مقتل أقاربها، وقال: «البارحة قتلت عمتها وزوجها مع أبنائهم العشرة خلال القصف الإسرائيلي الذي لا يستثني أحداً»، متابعاً بالقول إن منزل شقيقه تعرّض للقصف خلال الآونة الأخيرة ما تسبب بجرح وإصابة عشرات الأشخاص الملتجئين فيه.
وأردف بالقول: «الوضع رهيب وكارثي»، معرباً عن أسفه لمواصلة الإدارة الأميركية في دعم الدولة العبرية رغم جميع المناشدات الشعبية والإنسانية حول العالم. وقال: «للأسف.. إننا نرى الكثير من المظاهرات الداعمة لفلسطين حول العالم، ولكن صانعي القرار ليسوا بجانبنا، وعليهم أن يدفعوا الثمن خلال الانتخابات المقبلة».
وختم الهبيل مداخلته بقراءة رسالة نصية من إحدى قريباته التي أكدت على صلابة الشعب الفلسطيني في مقاومة العدوان والاحتلال، بعدما وضعت مولوداً جديداً خلال الحرب على غزة. وجاء في الرسالة: «لقد وضعت مولوداً جديداً. أصبح عمره أسبوعاً، ونرجو أن نخرج معاً بسلام من هذه المأساة، ولكن إذا متنا أرجوك أن تخبر العالم بأنه ليس باستطاعة أحد أن يكسر أرواحنا».
الرسالة التي تلاها الهبيل خلال الوقفة التي ضمت العديد من الفعاليات الحقوقية والإنسانية، بما فيها اليهودية المناصرة للسلام، أضافت: «نحن أقوياء حتى لو متنا، لأننا أصحاب حق، لأننا نعيش على أرضنا، هذه أرضنا وسوف نواصل المضي قدماً مهما كانت الأثمان».
Leave a Reply