وأنت تدخلها بادئ الامر تتملكك الرهبة؛ ففلسطين هذه جرحنا القومي الحي في داخلنا منذ عقود؛ كيف تغير لونها بهذه البساطة؟!
لماذا خلعت ثوبها العربي ولبست آخر غريباً إلى هذه الدرجة؟! وماذا ستقول الجدات الفلسطينيات؟ كيف سيتأملن شجرات الزيتون، وكيف سيتكلمن مع الرب؟! وماذا عن رجالها الذين خلعوا الكوفيات ولبسوا بدلا عنها قبعات البيريه، على طريقة “تشي”؟!
ولكنك تكتشف بعد برهة ان لا شيء تغير؛ الفارق الوحيد هو البسمة فقط التي حلت على وجوه أهلها بدل العبوس المزمن. لأن مستعمري أميركا الجنوبية (على خلاف جارتهم الشمالية) جاؤوا ليخوضوا حرباً مختلفة. حرباً.. المنتصر الوحيد فيها أهل المنطقة.. حرباً يراق فيها الحبر بدل الدم؛ وما أدراك ما الحبر!. هو حبر خاص أوجده اللاتنيون ليكتبوا فيه الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وتسأل كيف حصل كل هذا؟ وتأتيك الاجابة ابتسامة؛ لأن القوم ملوا الكلام واشتاقوا الى الابتسام. ولكنك تعرف في قرارة نفسك أن أهلها سئموا تشبثهم بعروبةٍ أصبحت حبراً على ورق. فمنذ أن اختفى الحبر الشريف والورق النظيف واختفى عظماؤنا الذين ذهبوا الى باريهم، او الذين اختاروا ان يموتوا حفاظاً على الحياة، هم الذين كانوا ممسكين بدفة أفكارنا نحو فلسطين العربية، ومنذ ان أصبح حاكمنا “إلهنا” وأخذ يفصل عروبتنا على مقاسه وحده؛ انحرفنا عنها وانتشرت مكان هذه العروبة أوبئة مذهبية اوحتى مناطقية نخرتنا حتى العظم.
ولهذا اختار الفلسطنيون ان يصبحوا “لاتينيي الهوى” وفاءً منهم لمحررهم، ولكنهم لم ينسونا. فإذا اقتربت من القدس ترى نصباً ضخماً يجثم في منتصف المسافة بين المسجد الأقصى وكنيسة القيامة؛ هو نصب الجندي المجهول الذي كتب عند قاعدته:
“وفاءً منا للجندي العربي”.
هو سيناريو افتراضي، أو ضرب من ضروب الخيال؛ ولكنه يدغدغ مشاعري؛ فهو إن تحقق سأذهب نهار السبت (القادم) وأصعد درب الجلجلة، لا لأحمل الصليب؛ لان ذنوبي اكبر من أن تغسلها دماء المسيح.. أنا من جلس يتفرج على كنيسته تدنّس على مدى ستة عقود ولم أحرك ساكناً.
سأسلك درب الجلجلة.. لا لأسأل يسوع الناصري إن كان سيفتدي الجميع حقاً، أم أنه سيصطفي الشرفاء والمظلومين والنقية قلوبهم فقط،..
بل، سأصعد درب الجلجلة وأطل على الجميع من فوق وأقول لهم بأعلى صوتي “وبكل حرية طبعاً”:
فيليس نافيداد (ميلاد مجيد
Leave a Reply