جيمس زغبي
قبل عامين، وفي يوم الجمعة، اعترف الرئيس دونالد ترامب رسمياً، بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وقد أدركنا حينذاك أن هذا عمل غير مسؤول، وغير متعاطف، وقاس، ومن شأنه أن يلحق ضرراَ جسيماً بحقوق ورفاه الفلسطينيين، ويضع حداً لأي زعم بأن الولايات المتحدة يمكن أن تساعد في التفاوض على إنهاء النزاع الإسرائيلي–الفلسطيني، وما لم نعرفه هو أن هذه الخطوة الخطيرة كانت مجرد بداية، للأضرار التي سيُحدثها ترامب للحقوق الفلسطينية وآفاق السلام.
وخلال العامين الماضيين، قامت إدارة ترامب، بما يلي: إغلاق القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وإغلاق المكتب القنصلي الفلسطيني في واشنطن، وتعليق المساعدات التي تقدمها للفلسطينيين، وللمنظمات غير الحكومية الأميركية، التي تعمل في الضفة الغربية وغزة، ومنعت التمويل عن وكالة الأونروا، وهي الوكالة التابعة للأمم المتحدة، التي تقدم الخدمات الضرورية للاجئين الفلسطينيين، وألغت كلمة «المحتلة» من جميع المنشورات والبيانات الرسمية المتعلقة بالأراضي المحتلة، وأعلنت أنها ترى أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ليست «غير شرعية»، وحتى ذهبت بعيداً بإنكار أن الفلسطينيين يجب أن يتأهلوا كلاجئين، وفي حين أن كلاً من هذه الأفعال تمثل مشكلة في حد ذاتها، إلا أنها معاً أضافت إلى الخسائر التي يواجهها الشعب الفلسطيني، والتي يمكن في نهاية الأمر تكون مدمرة، وكأنها نكبة ثانية.
وفي غضون فترة قصيرة لم تتجاوز العامين، حاول الرئيس ترامب وإدارته، تدمير جميع المكاسب التي حققها الفلسطينيون، خلال العقود السبعة الماضية، ولأن الولايات المتحدة أغلقت مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، وأنكرت أن اللاجئين الفلسطينيين هم، في الواقع، لاجئون، وبالتالي جزء من المجتمع الفلسطيني، تقول الولايات المتحدة إنها لم تعد ترى الفلسطينيين كمجتمع وطني يستحق الاعتراف به، والحق في تقرير المصير، ونظراً لأن الولايات المتحدة قد أعطت مراراً وتكراراً الضوء الأخضر لكل نزوة إسرائيلية، فيما يتعلق بالقدس واللاجئين والمستوطنات، فقد تركت الفلسطينيين عرضة بشكل خاص لمزيد من الإجراءات الفلسطينية الأكثر تشدداً –الضم، والاستيلاء على الأراضي على نطاق واسع، وحتى الطرد، ولأن الولايات المتحدة كانت تتباهى بازدرائها لسيادة القانون والمعايير الدولية للسلوك، فقد أوجدت عالماً أكثر خطورة وهشاشة، يمكن أن تتصرف فيه أية قوة إقليمية تدعمها الولايات المتحدة دون عقاب، ودون أن تعاني من تداعيات ضئيلة أو معدومة لسلوكها.
أتساءل في بعض الأحيان، إذا كان هذا هو ما يفترض أن تبدو عليه «صفقة القرن»، وربما كان القصد منها ألا تكون أكثر مما كانوا يفعلونه خلال العامين الماضيين – إنشاء نظام عدمي يكون فيه الإسرائيليون أحراراً في إساءة التصرف إلى أقصى مدى يصل إليه خيالهم، بينما يضطر الفلسطينيون المستضعفون إلى العيش في عالم الواقع المرير، حيث لا يتمتعون بأي حقوق، ولا يوجد أي ملتجأ مفتوح أمامهم، ولهذا السبب أقول: إن التأثير التراكمي لما فعله ترامب قد خلق الظروف لنكبة ثانية.
وبالطبع، هناك طرق مفتوحة أمامنا، توفر وسائل لتجنب مثل هذه الكارثة، في حين أن الولايات المتحدة قد خلقت هذه الفوضى من تلقاء نفسها، فقد رفضت كل الدول العربية، وأغلبية ساحقة من بلدان العالم كل تحركاتها، على سبيل المثال، لم يكن هناك سوى القليل من التبعيات الأميركية الصغيرة، التي فكرت في الانضمام إلى الولايات المتحدة في نقل سفاراتها إلى القدس، في الشهر الماضي، بأغلبية 170 صوتاً مقابل صوتين، أكدت الأمم المتحدة مجدداً دعمها لوكالة الأونروا، وبعد ذلك جاءت الاستنكارات من الدول العربية والأوروبية، لموقف الولايات المتحدة الجديد من المستوطنات الإسرائيلية.
والمشكلة هي، أنه بينما أصبحت إدارة ترامب منعزلة سياسياً بشكل متزايد، بسبب سلوكها المتهور، إلا أنها لم تواجه تحدياً فعالاً، ولمواجهة الديناميكية الحالية الآخذة في الهبوط، والتي تتكشف على الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية، هي مواجهة جريئة للولايات المتحدة وإسرائيل. ولن تكفي البيانات أو القرارات، حيث يتم رفضها وتجاهلها بشكل روتيني، والمطلوب أن تقول دول أخرى «هذا يكفي»، وأن تخبر الولايات المتحدة أن أيام سيطرتها المهيمنة على «عملية السلام» قد ولت، ويجب أيضاً مواجهة إسرائيل، وإجبارها على دفع ثمن سلوكها الخارج عن القانون، والانتهاكات المنهجية الصارخة لحقوق الإنسان الفلسطينية.
بالطبع، سيكون رد فلسطيني موحد، يستخدم حملة مقاومة لا تتسم بالعنف أمراً مهماً أيضاً، لكنني أتردد في التركيز على هذا العامل لسببين، أولاً: لا ينبغي أن يقع عبء القيام بالأعمال الصعبة على عاتق أضعف طرف في النزاع، وحتى إذا كان الفلسطينيون قادرين على القيام بانتفاضة، كما فعلوا من قبل، فإن مقاومتهم ستنتهي بنهاية دموية، ما لم تكن دول العالم على استعداد، لتحدي كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
الوقت يداهمنا، وإذا لم يتم اتخاذ إجراء في وقت قريب، فقد نرى نكبة ثانية، وربما أكثر تدميراً، تحدث، وإذا حدثت، فإن مسؤولية هذه المأساة ستقع ليس فقط على الإسرائيليين الذين ينفذونها، والولايات المتحدة التي ساعدتهم وحرضتهم، بل ستقع أيضاً على دول العالم، التي فشلت في التحرك في الوقت المناسب، لمنع وقوع هذه المأساة.
Leave a Reply