من ضمن منظومة الهوس اللبناني بالشعارات والذكريات والأحداث بدأ بعض من يبشر بالحرية والصراحة والعفوية بطرق موضوع الحرب الأهلية كل 13 نيسان. وأتت الشعارات متنوعة وملونة بدءا من “لكي لا ننسى” مرورا بـ”تنذكر ماتنعاد” وقوفا بـ”يوم العار الوطني” وصولا الى “السلام بيننا أو السلام على لبنان”، وغيرها من أطنان الشعارات التي راح يتبارى كل حزب وفريق باطلاقها في ذكرى الحرب المشؤومة.
فمنذ أن أصبح الاحتفال بذكرى الحرب صرعة دارجة وغدا استذكارها “كوول”. بات اللبنانيون يحسون أن من الواجب أن يسيروا في هذا الركب، وأن يفرحوا ويستهضموا زعماء اليوم، أمراء الحرب بالأمس لأنهم قدروا أن يلعبوا فوتبول على نية ضحايا الحرب.
بات الحديث عن الحرب عفويا واستذكارها امرا يسيرا وبتنا نتحدث عنها “مثل الكبار” وكأننا جميعا قد تخطيناها وحللنا عقدها وتخلصنا من كوابيسها ومسحنا عارها بالاستغفار. ويخيل للبعض أن اللبنانيين قد قضوا السنوات الـ35 الماضية في تقبيل بعضهم بعضاً وتبادل العناق ناسين أن فتيل الحرب كاد أن يشعل لا بل أشعل ولطف الله أطفأه، مرات عديدة في السنوات الخمس الماضية.
يستعصي عليّ أحيانا فهم الشعب اللبناني فهل نحن مبتلون بذاكرة انتقائية قصيرة تنسينا ما جرى بالامس أم أننا نعيش في عالم الخيال الذي يصور لنا وطننا كأنه اليوتوبيا البحتة؟ وإلا كيف تفسر أن يشرب الجلاد والضحية نخب الجريمة، كيف يمكن لمن قتل الأبرياء أن يصبح شريكا لذويهم في العزاء؟
مباراة كرة القدم التي جرت أخيرا بين أقطاب الحكومة والمسؤولين في لبنان أوحت الي بفكرة يمكن تطبيقها لحل كل الخلافات في لبنان وبأقل الخسائر الممكنة. تذكرت احدى العادات البريطانية والتي استعملت في الغرب الأميركي حتى مطلع القرن المنصرم، حيث يقوم أي شخصين مختصمين ومتحاربين بالخروج الى ساحة عامة، يعطى لكل منهما مسدس فيه رصاصة واحدة ويقفان ظهرا لظهر، ثم يبدأان بالسير في اتجاهين متعاكسين وحين يعطيا اشارة معينة يستديران ليطلقا النار باتجاه بعضهما البعض ومن يبقى حيا يكون منتصرا بالطبع.
لم لا يقوم زعماؤنا بالذهاب وحدهم الى ساحة الشهداء أو ساحة رياض الصلح في الداون تاون ويتصارعون وحدهم ونحن نعدهم ونقسم بحياتهم أن جميع الشعب سوف يصف مع الفائز.
أعتقد انه اقتراح جدير بأن يوضع كحل وعلاج لأي احتمال لاندلاع حرب أهلية جديدة. وهنا لا بد أن اذكر أن التاريخ يسجل حادثة كهذه في حرب صفين بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، حيث خرج أمير المؤمنين متجها صوب معسكر معاوية مناديا اياه. ثم قال يا معاوية ماذا تقول في ان نتبارز أنا وأنت ويكون الفائز هو الخليفة فنحقن بذلك كثيرا من الدماء. فقال لمعاوية عمر بن العاص وكان في عداد جيشه: لقد أنصفك الرجل. فنظر اليه معاوية قائلا: ثكلتك أمك تريد أن تتخلص مني!
Leave a Reply