أفرزت نتائج الانتخابات التمهيدية التي أقيمت في ديربورن يوم الثلاثاء الماضي، صورتين متناقضتين عن جاليتنا العربية.
الأولى ناصعة ومشرقة تجلّت بفوز شاب عربي مسلم جاد وطموح لا يتعدى عمره ٢٥ ربيعاً ببطاقة الحزب الديمقراطي لتمثيل عاصمة العرب الأميركيين تحت قبة الكابيتول في لانسنغ.
أما الثانية فمقيتة ومظلمة تجلت بالانقسام العربي غير المسبوق في السباق التمهيدي لمنصب قاض في محكمة المدينة والذي أدى الى فوز ساحق للمرشح جين هنت.
الانقسام كان متوقعاً منذ اللحظة الأولى من إعلان رئيسة مجلس بلدية ديربورن، سوزان دباجة، ترشيحها للمنصب في آذار (مارس) الماضي ضد المحامية النقابية آبي بزي التي كانت قد أعلنت ترشيحها رسمياً في كانون الثاني (يناير) الماضي.
لكن ما لم يكن متوقعاً هو أن تستخدم دباجة -ومن معها- كل ترساناتهم من أجل التحريض والشتائم والتعرّض لكرامات الناس للفوز بشرف القاضي.
ثم ترى وجوههم بعد نشوة النصر قد ادلهمت.
إذ اكتشفوا أن أصواتهم وأصوات من عادُوهم لا تكفي ففهموا -بعد فوات الأوان- أنه لا مفرّ من وحدة الجالية.
حملة دباجة استهدفت بإسفاف صحيفة «صدى الوطن» وناشرها أسامة السبلاني، وأرادت بوضوح أن تقلب الطاولة في وجه «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) فانقلبت عليها.
«أيباك» التي عملت منذ العام 1996 على بلورة وتفعيل الصوت العربي في ديربورن وعموم ميشيغن، هي بمثابة ناد سياسي مفتوح للعرب الأميركيين تحكمه القواعد الداخلية والآلية الديمقراطية في اتخاذ القرارات، وقد ساهمت اللجنة بفعالية في إيصال العديد من المرشحين العرب الى المناصب التي يستحقونها، ومنهم سوزان دباجة التي دخلت الحلبة عبر بوابة «أيباك»، كما غيرها من المسؤولين العرب المنتخبين في ديربورن وديربورن هايتس.
غير أن دباجة قررت الانقلاب على «أيباك» في الربيع الماضي بعدما صوّت أعضاء اللجنة على أحقية آبي بزي بالمنصب كونها أكثر تأهيلاً منها إضافة الى أن ولاية سوزان دباجة على رأس المجلس البلدي تنتهي مطلع العام 2018 فما الداعي لاستعجالها منصب قاض؟ فيما كان مستقبلها السياسي لا يزال واعداً بعد فوزها العريض في الانتخابات البلدية عام 2013 بوقوف الجالية العربية مجتمعة خلفها، فتصدرت المنافسة متفوقة على أسماء لها تاريخها وحضورها في مدينة ديربورن.
ورغم كل هذا لا يجادل أحد بحق دباجة في الترشح لمنصب قاض، غير أن الأساليب المعيبة التي اعتمدتها حملتها في لهاثها للفوز ستظل لطخة عار لا يمكن محوها أبداً.
وإذا كانت دباجة تظن أنها ستستطيع التملّص من مسؤوليتها عن التهجم السافر وجوقات الردح اليومي التي طالت «صدى الوطن» وناشرها ومحرريها خلال حملتها الشاذة، فإن لسانها كان أصدق إنباءً في لحظة الانتشاء بـ«النصر» وهي تعتلي الأكتاف.
ومن سوء حظ دباجة، التي لا شك في أنها بحاجة الى فعل الكثير حتى لا تخسر بفارق كبير في نوفمبر، أنها اعتمدت على مجموعة من هواة الصيد في الماء العكر وكارهي النجاح لبث سموم الحقد والتحريض للحصول على أكبر قدر من الأصوات، في خطوة لا تعبر سوى عن قصر نظر وتهور وشعور بالعظمة، وهي صفات لا تليق بقاض.
ذنب «صدى الوطن» وأسامة السبلاني أنهما قررا دعم آبي بزي تماشياً مع قرار «أيباك» كما جرت العادة في السباقات المحلية منذ التسعينات. وعندما لجأت الصحيفة الى مساءلة دباجة حول قولها بأن تاريخ زوجها الجنائي مجرد أكاذيب، انطلقت حملة منظمة مختلفة المآرب ضد «صدى الوطن» وشخص السبلاني والعاملين في الصحيفة، فلم توفر أي نوع من الإهانات المبتذلة والتحريض الميداني وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد تواصلت حفلات الردح والشتائم الالكتروني تحت عباءة سوزان دباجة، في محاولة منها للاستفادة من السفهاء -وما أكثرهم- عبر جمعهم تحت رايتها والاستقواء بهم واستغلال حقدهم على الصحيفة التي لم تحد يوماً عن قول كلمة الحق وتعرضت خلال مسيرتها لحملات تشويه أشد ضراوة، ومن جهات أكثر قوة ونفوذاً من دباجة ومن يقف خلفها.
فمنذ بضع سنوات شنت «رابطة مكافحة التشهير اليهودية» النافذة حملة أشد ضراوة ضد «صدى الوطن» والسبلاني بتهمة دعم الإرهاب ومعاداة السامية، ولكنهم فشلوا في مسعاهم وتم تثبيت اختيار الناشر كأحد أشهر الصحافيين في تاريخ ميشيغن، حيث أدرج اسمه عام 2013 في قاعة المشاهير في لانسنغ رغماً عنهم. والقافلة تسير والكلاب تنبح.
خلاصة القول إن دباجة تتحمل المسؤولية الكاملة عن الحملة المعيبة التي استهدفت «صدى الوطن» وناشرها، خاصة وأنها لم تبادر ولو لمرة واحدة إلى التنصل من هؤلاء الأشخاص وأساليبهم المخجلة، بل زادت الطين بلة بعد نصرها الهزيل.
جين هنت في أول تعليق على فوزه، عبّر عن مفاجأته بنتائج صناديق الاقتراع وعن صدمته بانتصاره الساحق، ملخصاً -بطريقة غير مباشرة كامل القصة- حين قال: لقد شعرت وكأنني الشخص الأوفر حظاً في العالم!
في المقابل لا يحق لأحد القول بأن جاليتنا هي الأسوأ حظا في العالم، بسبب ما منيت به، ذلك أننا حصدنا ما زرعته أيدي البعض ممن ساهموا -بحماسة منقطعة النظير- في تقسيم مجتمع الجالية إلى أكثر من معسكرين، لاسيما وأن نتائج الاقتراع أثبتت وجود معسكر ثالث في جاليتنا، وهو معسكر فضّل التصويت لهنت الذي نال أكثر من ألف صوت في شرق المدينة.
على أي حال مبروك لرئيسة مجلس بلدية ديربورن بفوزها بـ30 بالمئة من الأصوات، بعد كل هذا المجهود والردح.
وألف مبروك لعبدالله حمود على فوزه الساحق الذي يستحقه بجدارة.
Leave a Reply