عواصم
رغم الإشارات الإيجابية الصادرة عن مفاوضات فيينا المستمرة بين طهران والقوى الكبرى، بهدف إعادة إحياء الاتفاق النووي، جاء فوز المرشح المحافظ، إبراهيم رئيسي، بسباق الرئاسة الإيرانية الأسبوع الماضي، ليضفي جواً من الغموض حول مصير المحادثات النووية، سيما بعد تشكيك واشنطن بنزاهة انتخابه وقيامها بحجب عشرات المواقع الإلكترونية المرتبطة بطهران وحلفائها، في خطوة تشي بتعقيدات مستجدة على الجولة السابعة المرتقبة من محادثات فيينا.
فقبل فوز رئيسي، الذي يصنف نفسه ضمن «التيار الثوري» –بعيداً عن التصنيف السائد في إيران بين «إصلاحي» و«أصولي»– كانت إدارة الرئيس الإصلاحي المنتهية ولايته، حسن روحاني، قد قطعت خطوات كبيرة في المفاوضات مع الدول الكبرى.
وبناء على تصريحات مدير مكتب روحاني، محمود واعظي، فإن المحادثات بشأن الاتفاق النووي وصلت إلى مرحلة متقدمة للغاية، وجرى الاتفاق على إلغاء العقوبات حول البنوك والأموال المحجوزة والتأمين والنفط والنقل. بالإضافة الى إلغاء 1040 عقوبة فرضت في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فضلاً عن رفع مؤسسات وأفراد تابعين لمؤسسة القيادة العليا في إيران عن «القائمة السوداء».
غير أن رئيسي في مؤتمره الصحفي الأول الذي جاء بعد يومين من إعلان فوزه بالانتخابات، وضع الخطوط العريضة لسياساته الداخلية والخارجية للسنوات الأربع المقبلة، مؤكداً عدم تعويله الكلي على رفع العقوبات وأنه سيعطي الأولية لتشكيل حكومة جديدة تقوم باتخاذ خطوات عملية لحل مشاكل الاقتصاد بدلاً من انتظار نتائج محادثات فيينا.
ومن جهة أخرى، تقول أوساط وزارة الخارجية الأميركية، إن طبيعة وتوقيت رفع العقوبات المفروضة على إيران، لازالت جزءاً من المواضيع التي تبحث في مفاوضات فيينا، مؤكدة أن إعلان طهران رفع العقوبات الأميركية الخاصة بقطاع النفط، لا تزال في نطاق المسودات حول القضايا الرئيسية، ومن غير الوارد أن تطبق قبل التوصل إلى اتفاق يتضمن كافة الملفات.
وشهدت مفاوضات فيينا تقدماً ملحوظاً لتحديد معالم التفاهمات بشأن العودة لاتفاق 2015، ولذلك من المتوقع أن يعود الوفد الأميركي برئاسة المبعوث الخاص روبرت مالي إلى فيينا قريباً للمشاركة في جولة أخرى من المفاوضات.
وتتماشى التصريحات الواردة على لسان مدير مكتب الرئيس الإيراني المنتهية ولايته حسن روحاني، مع تأكيدات سابقة لمسؤولين في معسكر روحاني بأن واشنطن مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة خلال المحادثات الجارية في فيينا منذ نيسان (أبريل) الماضي.
وأُرجئت المحادثات يوم الأحد الماضي من أجل عقد الوفود مشاورات في عواصمها، وذلك بعد يومين من إجراء الانتخابات الرئاسية في إيران التي فاز بها رئيسي، رئيس السلطة القضائية المدرج اسمه على القائمة «الأميركية السوداء» منذ العام 2019.
ووسط انتقادات أميركية وأوروبية بشأن نزاهتها، فاز رئيسي في الانتخابات التي أجريت الجمعة الماضي، بنيله نحو 62 بالمئة من أصوات المقترعين. وقد شارك 48.8 بالمئة من الناخبين في عملية الاقتراع، وفق الأرقام الرسمية، وهي أدنى نسبة مشاركة يشهدها استحقاق الرئاسة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979.
ورغم أن المسؤولين في واشنطن اعتبروا نتائج الانتخابات الإيرانية «مفبركة» و«لا تعكس إرادة الشعب الإيراني»، فإن الخارجية الأميركية لاتزال مقتنعة بأن الاتفاق مع إيران ما زال ممكناً.
وأكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، الاثنين الماضي، أن «سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران مصممة على أساس دفع المصالح الأميركية بمعزل عمن يتربع على عرش الرئاسة الإيرانية في عملية سميناها بالمفبركة مسبقاً».
وبعد أن توقفت المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، الأحد الماضي، إثر فوز القاضي المتشدد، إبراهيم رئيسي، في الانتخابات الرئاسية في البلاد، قال برايس، في مؤتمر صحفي عبر الهاتف: «سنواصل عملية المحادثات في فيينا، وبعد انتهاء الجولة السادسة نتوقع المشاركة في الجولة السابعة التي لم يحدد موعدها بعد».
وأضاف أن عودة إيران للالتزام بالاتفاق النووي «يصب في مصلحتنا للتأكد من منع إيران بشكل دائم من الحصول على السلاح النووي»، مضيفاً أن «هذه كانت مصلحتنا قبل الانتخابات كما هي بعد الانتخابات».
وحول انتخاب رئيسي، قال برايس: «لا بد من الإشارة إلى أن صانع القرار الرئيسي في إيران اليوم هو نفس الشخص الذي كان قبل الانتخابات، وكما كان في العام 2015، عندما تم التوصل إلى خطة العمل المشتركة الشاملة وعندما طبقت الخطة عام 2016» في إشارة إلى المرشد الأعلى السيد علي خامنئي.
ورداً على رفض الرئيس الإيراني الجديد التفاوض بشأن برنامج إيران الصاروخي، قال برايس إن «الرئيس بايدن قال باستمرار إن هدفنا أولاً هو العودة المتبادلة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة ولكن قلنا أيضاً باستمرار إن العودة فقط إلى الاتفاق ليست كافية، لأنه لدينا نقاط قلق أخرى ويشمل ذلك تطوير إيران لبرنامجها الصاروخي ونشر الأسلحة».
مؤشرات سلبية
وبينما يناقش المراقبون مدى تأثيرات وصول رئيسي إلى سدة الحكم، ظهرت خلال الأسبوع الماضي عدة مؤشرات سلبية قد يكون لها انعكاسها على سير مفاوضات فيينا.
من تلك المؤشرات. هجوم تعرضت له منشأة تابعة لوكالة الطاقة الذرية الإيرانية استهدف مبنى لتصنيع أجهزة الطرد المركزي وذلك عبر طائرة مسيرة أقلعت من داخل البلاد. ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن شخص «مطلع على الهجوم» أن طائرة مسيرة أقلعت من موقع غير بعيد عن مصنع أجهزة الطرد المركزي والتي تستخدم لتخصيب اليورانيوم في منشأتي فوردو ونطنز.
وكانت وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، قالت إنها أحبطت هجوماً على إحدى منشآتها، الأربعاء الماضي، دون وقوع إصابات أو أضرار هيكلية بالموقع.
كما أكدت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية أن «الهجوم فشل»، و«لم يسفر عن إصابات أو أضرار ولا يمكنه تعطيل البرنامج النووي الإيراني».
وعلى الرغم من التأكيدات الإيرانية الرسمية بعدم تضرر أجهزة الطرد المركزي، تسببت الغارة في إلحاق أضرار بالمنشأة، وفقاً لتقارير في وسائل إعلام عبرية نقلتها صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».
ولم تعلق إسرائيل رسمياً على هجوم الأربعاء الماضي، لكن ينظر لدولة الاحتلال، على نطاق واسع، بأنها المسؤولة عن الهجمات التي يتعرض لها البرنامج النووي الإيراني.
وبحسب مسؤول استخباراتي رفيع، فإن الهجوم على منشأة نطنز النووية في أبريل المنصرم، واغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده في نوفمبر الماضي، تنسب مسؤوليتها لإسرائيل.
وأشارت «نيويورك تايمز» أيضاً إلى أن المصنع المستهدف كان مكلَّفاً بإنتاج أجهزة طرد مركزي بدلاً عن تلك الأجهزة التي دمرت خلال انفجار أبريل في نطنز، أكبر مجمع لتخصيب اليورانيوم في إيران.
ولم تقتصر المؤشرات السلبية على الهجوم الجوي، إذ أعلنت وزارة العدل الأميركية، الثلاثاء الماضي، مصادرة 33 موقعاً إلكترونياً يستخدمها اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني وثلاثة مواقع إلكترونية تديرها «كتائب حزب الله» العراقية المدعومة من إيران.
ومن بين المواقع التي تمت مصادرتها «برس تي في»، القناة التلفزيونية الفضائية الحكومية الإيرانية الناطقة بالإنكليزية، ونظيرتها «العالم»، الناطقة العربية، وقد عاد كلاهما للعمل باستخدام نطاقات إيرانية، وكذلك موقع قناة «المسيرة»، التابع للحوثيين، الذي انتقل إلى استخدم نطاق آخر. كما ذكر التلفزيون الإيراني أن الإجراء الأميركي شمل أيضاً مواقع قنوات «اللؤلؤة» البحرينية المعارضة التي تبث من بريطانيا، و«فلسطين اليوم»، و«النبأ» و«الكوثر» التي تبث من لبنان.
موقف بايدن
ويأتي أحدث استهداف للبرنامج النووي الإيراني في وقت تنتظر فيه العاصمة النمساوية استئناف المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران لإعادة إحياء الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 خلال عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما. وتسعى إدارة الرئيس جو بايدن لاستعادة الاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة منه بشكل أحادي بقرار الرئيس السابق دونالد ترامب الذي أعاد فرض عقوبات اقتصادية شديدة على إيران.
غير أن المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، قالت إنه لا نية لدى الرئيس الأميركي للقاء أي زعيم إيراني.
وجاء تصريح ساكي، بعد أن تداولت وكالات أنباء تصريحاً للرئيس الإيراني المنتخب، مفاده بأنه يرفض إجراء «مفاوضات من أجل المفاوضات» في شأن الملف النووي، أو عقد لقاء مباشر مع الرئيس بايدن.
وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد فرض عقوبات على رئيسي في أمر تنفيذي لم يلغه بايدن.
وجاء في أمر العقوبات أن رئيسي متورط في حملة النظام الوحشية ضد احتجاجات الحركة الخضراء الإيرانية التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الفوضوية في إيران عام 2009.واتهم القرار الأميركي، رئيسي بـ«الرقابة الإدارية على إعدامات الأفراد الذين كانوا أحداثًا وقت ارتكابهم جرائمهم، والتعذيب، وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة للسجناء في إيران، بما في ذلك بتر الأطراف».
ليس مثل روحاني
وفي السياق نفسه، حذرت القوى العالمية، التي تحاول إحياء الاتفاق النووي الإيراني، من تعقيدات على طريق التوصل إلى اتفاق، بعد فوز رجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي، بانتخابات الرئاسة في طهران.
وبالرغم من أن المحللين يتوقعون أن يوافق رئيسي على إعادة فرض القيود على البرنامج النووي الإيراني، إلا أنهم يؤكدون أنه سيكون أكثر تصادماً مع الغرب من سلفه، وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال».
ويقولون إنه سيكون أكثر مقاومة للجهود الأميركية للحد من الأنشطة العسكرية الإيرانية في الشرق الأوسط.
لكن بعض المشاركين في مناقشات فيينا يقولون إنه يمكن التوصل إلى اتفاق عند استئناف المحادثات الشهر المقبل إذا عرضت طهران تنازلات، ورفعت واشنطن مئات العقوبات على الإيرانيين وفي مقدمتهم الرئيس الجديد.
وصرح مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان، الأحد الماضي، أن الكلمة الفصل بشأن الاتفاق حول الملف النووي الإيراني تعود للمرشد الأعلى، وليس للرئيس الجديد. وقال سوليفان «ما زال علينا قطع شوط طويل حول المسائل الجوهرية، بما في ذلك العقوبات والتعهدات الواجب على إيران قطعها». لكنه أضاف «تم تصويب السهم في الاتجاه الصحيح. سنرى إن كان القادة الإيرانيون على استعداد للقيام بالخيارات الصعبة».
وصرّح الدبلوماسي الأوروبي، إنريكي مورا، الذي يرأس اللجنة المشتركة لمحادثات الاتفاق النووي في فيينا للصحافيين «نحن أقرب الى اتفاق لكننا لم نصل بعد». وأضاف مورا أنه يتوقع في الجولة المقبلة «عودة الوفود من العواصم بتعليمات أكثر وضوحاً وأفكار أكثر وضوحاً حول كيفية إتمام الاتفاق بشكل نهائي».
وقال مورا إن الجولة السابعة المقبلة ستعطي أيضاً «فكرة أوضح» عن «البيئة السياسية الجديدة» في إيران رغم إشارته إلى أن المحادثات مستمرة رغم الانتخابات.
بدوره، قال نائب وزير الخارجية الإيراني رئيس وفد بلاده إلى فيينا، عباس عراقجي، إن «القضايا المهمة العالقة تقتضي قرارات جادة داخل العواصم، لاسيما في الدول التي تشكل طرفا في هذه المفاوضات». وتابع: «نحن الآن أقرب إلى اتفاق من أي وقت مضى. لكن ليس من السهل تقريب المسافة بيننا وبين الاتفاق».
Leave a Reply