نبيل هيثم – «صدى الوطن»
لم تكد نتائج الانتخابات التشريعية في إسرائيل تتكشف بعد فرز الأصوات، حتى راحت التساؤلات تتجدد حول ما يمكن أن يحمله هذا الاستحقاق من أثر على خيارات السياسة الخارجية في إسرائيل، واحتمالات ذهابها نحو تصعيد يجرّ الشرق الأوسط بأكمله إلى الحرب.
في الواقع، تبدو هذه التساؤلات مشروعة، فالانتصار الانتخابي لرئيس الحكومة اليمينية بنيامين نتنياهو، بما يمثله من تكريس لسيطرة اليمين المتشدد في إسرائيل، يأتي ليعزز حضوراً داخلياً، لم تقوّضه ملفّات الفساد والملفات الداخلية الأخرى، التي دفعته نحو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، غداة الاستقالة المفاجئة لوزير الحرب أفيغدور ليبرمان.
تبدو إسرائيل في ذلك قد حسمت خيارها من خلال القاعدة الشعبية، على تبني الخيارات الأكثر تطرفاً في مقاربة ملفات أمنية–عسكرية، من قبيل الملف النووي الإيراني وتواجد «الحرس الثوري» في سوريا، فضلاً عن تآكل قدرة الردع الاسرائيلي أمام «حزب الله» في لبنان.
بدا واضحاً، منذ سنوات، أن هذا المزاج الشعبي في الداخل الاسرائيلي هو ما جعل نتنياهو يمضي قدماً في خطابه التصعيدي منذ سنوات، ابتداءً من تحريض «القنبلة» الاستعراضي في الأمم المتحدة، عشية توقيع الاتفاق النووي الإيراني، مروراً بـ«خريطة» صواريخ «حزب الله» في محيط مطار بيروت الدولي، التي أظهرها كذلك على منبر المنظمة الدولية نفسها، وصولاً إلى عملية «درع الشمال» ضد «أنفاق» المقاومة في شمال الأراضي المحتلة.
اليوم يتبين أن كل تلك التحرّكات، التي نُظر إليها في السابق بمنظار الكوميديا السوداء، تشكل تعبيراً واضحاً عما آل إليه المزاج الشعبي في إسرائيل، الذي جعل لأساطير السياسة الاسرائيلية المتصلة بالتفوّق العسكري والأمني، أفضلية على أيّة قضايا داخلية أخرى سبق أن أطاحت برؤساء حكومات ووزراء.
جرعات خارجية وداخلية
في الواقع، نجح نتنياهو بتقديم نفسه في صورة «الحامي» لقوة إسرائيل، متلقياً جرعات خارجية متعددة خدمته في تسويق نفسه على هذا النحو، كان أولها في قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، فضلاً عن «هدية» رفاة جندي معركة السلطان يعقوب في لبنان التي تلقاها من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
بلغة «الحرب والسلم» يعني الانتصار الانتخابي لنتنياهو أن الكلمة في إسرائيل باتت لمعسكر الحرب المتحمس لانتصار حاسم ضد إيران و«حزب الله»، وهو معسكر راح يعبر عن نفسه منذ فترة تجاه تآكل الردع الإسرائيلي بعدما راكمت المقاومة في لبنان إمكانيات تسليحية كبيرة منذ حرب تموز (يوليو) 2006، ووصول الإيرانيين عسكرياً إلى تخوم الجولان، في سياق الحرب السورية.
يستحضر رموز هذا المعسكر، وقاعدته الشعبية، مقولات شعبوية من قبيل الحديث عن «الخطر الوجودي» الذي يتطلب، بنظرهم، الذهاب إلى مواجهة عسكرية تتخذ شكل حرب قصيرة الأمد، تمنع «حزب الله» من استنزاف إسرائيل في حرب طويلة الأمد.
كان واضحاً أن هذا المعسكر حقق «إنجازاً» داخلياً على المستوى العسكري سبق الانتصار السياسي لنتنياهو، من خلال تعيين أفيف كوخافي، المعروف بمواقفه المتشددة، رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي خلفاً لغادي آيزنكوت، الذي تصاعدت النقمة الشعبية في وجهه على خلفية الإخفاقات في التعامل مع صواريخ غزة.
وكان ملفتاً أن كوخافي قد سارع بعد نحو شهر على تعيينه، إلى إطلاق ما سُمِّي بـ«ورشة الانتصار»، التي بدأت أعمالها بداية آذار (مارس) الماضي في قاعدة «غليلوت» في شمال تل أبيب، بمشاركة كبار الضباط الاسرائيليين.
وبحسب صحيفة «يسرائيل هيوم» المقربة من نتنياهو فإنّ هذه «الورشة» تستهدف البحث في «مفاهيم الانتصار» و«كيفية هزيمة العدوّ». وأمّا الهدف المركزي بحسب الصحيفة ذاتها، فهو تجاوز السنوات الماضية التي ازدادت خلالها صعوبة تحقيق انتصار واضح وتحديداً على حركة «حماس» و«حزب الله».
الجدير بالذكر أن هذه الورشة يفترض أن تنبثق عنها خطة عمل تُوضع اللمسات الاخيرة عليها بحلول تموز المقبل، على أن تقدّم إلى الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي ستولد بناءً على نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة.
احتمالات الحرب
يضاف إلى ما سبق أن ثمة مخاطر موضوعية تعزز احتمالات الحرب الإسرائيلية على لبنان، وذلك نتيجة لعدم الاستقرار العام في المنطقة، ومن المؤكد أن «حزب الله» يتعامل على هذا أساس توقّع السيناريو الأخطر، ومن هنا تأتي التلميحات بأن الاستعداد لحرب مع إسرائيل أمر مستمر ومتواصل، بصرف النظر عمّا إذا كانت مؤكدة أو مجرّد احتمال.
وإذا كانت كفة الميزان باتت تميل اليوم نحو «معسكر الحرب» في الداخل الإسرائيلي، فإنّ هذا المعسكر يحظى اليوم بجرعات «فيتامين» عدوانية من الخارج، وتحديداً من الولايات المتحدة، التي عمدت خلال الأيام القليلة الماضية إلى اتخاذ سلسلة تحركات تصعيدية، كان آخرها إدراج الحرس الثوري الإيرني على لائحة المنظمات الإرهابية، ما قد يسمح لإدارة ترامب بشن حرب على إيران من دون موافقة الكونغرس.
الخطاب الرسمي الأميركي أيضاً يتقارب، في تصعيده اليوم، من خيارات «معسكر الحرب» الإسرائيلي، وهو ما تبدّى في ما حمله وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من تهديدات صريحة خلال زيارته للبنان، وتصريحه الأخير بأن «إيران قد تلجأ إلى وضع أنظمة صواريخها داخل لبنان وخطر التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل حقيقي»، فضلاً عن تسريبات مزعومة بشأن احتمال فرض مزيد من العقوبات تطال حلفاء «حزب الله» وفي مقدمتهم رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري.
كل ذلك، يندرج في إطار التصعيد التدريجي، فهل يعني ذلك بالضرورة أن الحرب واقعة لا محال؟
خيار التهدئة
في الواقع، فإنّ انتصار «معسكر الحرب» في الانتخابات الإسرائيلية لا يبدد الضغوط التي يمكن أن يفرضها معسكر التهدئة في الدولة العبرية، والذي لديه ما يكفي من مؤشرات للتشكيك في قدرة جيش الاحتلال على تحقيق «انتصار واضح»، خصوصاً أن ثمة مخاوف جدية في الداخل الإسرائيلي، حتى على مستوى المغالين في خيار الحرب، بشأن احتمالات انجرار إسرائيل نحو معركة طويلة الأمد تستنزف قواها التي تسعى لترميمها منذ حرب تموز 2006، وافتقاد الجبهة الداخلية إلى الحصانة الكاملة التي تبعدها عن صواريخ «حزب الله»، أو حتى تجنّب سيناريو اقتحام الجليل.
إلى جانب ما سبق، فإنّ ثمة قناعة راسخة عند الجميع بأن إسرائيل لم تعد قادرة على المخاطرة بحرب ضد «حزب الله» ما لم يقترن ذلك بتقديرات عالية لفرص تحقيق «الانتصار الواضح»، وهو أمر غير مؤكد بالنسبة إلى الإسرائيليين حتى هذه اللحظة، برغم كل المناورات التي تجري بين فترة وأخرى، والتي يبدو الهدف منها مجرّد رفع معنويات الجيش الإسرائيلي، وثقة الجمهور به، فضلاً عن متطلبات الحرب النفسية التي لم تعد أمراً مؤثراً على قدرات «حزب الله» وجهوزيته، لا بل أن العكس هو الصحيح.
على هذا الأساس، يمكن افتراض أن إسرائيل لن تبادر إلى شن حرب على لبنان، ما لم تكن متأكدة من عدم تكرار سيناريو العام 2006، وهو أمر لا يزال موضع شكوك، بانتظار ما سيتبدى من الخطة العسكرية التي سيقدمها أفيف كوخافي لحكومة نتنياهو الجديدة.
ضوء أخضر
علاوة على ذلك، فإنّ أي قرار بالحرب لا بد من أن يقترن بضوء أخضر أميركي، لا يزال صناع السياسات في واشنطن مترددين في إعطائه للإسرائيليين، ما لم يتأكدوا من القدرة على تجنب سيناريوهات كارثية لا يرغب بها ترامب في نهاية ولايته الأولى، وهي تتراوح بين حرب شاملة يتجاوز مداها لبنان وسوريا، لتصل إلى إيران، وبين احتمال استفادة روسيا من هذه الحرب المحتملة، لكي تدخل بثقلها للعب دور وسيط يؤهلها لتصبح مرجعية كاملة في الشرق الأوسط، حتى لدى الإسرائيليين الذين سيضطرون في حال طالت الحرب للجوء إلى بوتين، الذي ستصبح له اليد الطولى في إدارة النزاعات والتوازنات في الشرق الأوسط، وهو ما يطمح إليه الرئيس الروسي بطبيعة الحال، وضمن إطار هذا الطموح، يمكن تقديم تفسير آخر يتجاوز التفسيرات الإعلامية بشأن هدية رفاة جندي «السلطان يعقوب».
Leave a Reply