فـي الأسبوع الماضي، تنبأت جميع استطلاعات الرأي أن تحالف «الاتحاد الصهيوني» الإسرائيلي «الوسطي» سيحقق فوزاً ساحقاً فـي الانتخابات الإسرائيلية ويحصد أكبر عدد من المقاعد النيابية مما سيمكنه من تأليف حكومة جديدة، ولكن وقع ما ليس بالحسبان السياسي بعد أنْ حقَّق حزب الليكود اليميني المتطرف وزعيمه بنيامين نتنياهو نجاحاً دراماتيكياً عكس التوقعات وخرج منتصرا ليلة الثلاثاء الماضي، حاصلاً على ثلاثين مقعداًَ ومتخطياً مقاعد «الاتحاد الصهيوني» المعارض بخمسة اعضاء. لذا بات من المحسوم أن يبقى نتنياهو رئيسا للوزراء بعد تشكيل ائتلاف مع أحزاب يمينية أخرى.
نتنياهو محتفلاً بفوزه في الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة (رويترز) |
ومهما جرى فـي دولة الاحتلال من مظاهر الديمقراطية المزعومة فإنَّ فوز نتنياهو هو دلالة قوية على عنصرية إسرائيل وعدم وجود مصلحة صهيونية فـي السلام لأنَّ الناخبين هناك هم أكثر تطرفاً من قادتهم.
لقد كشَفَتْ الانتخابات عن طبيعة إسرائيل الحقيقية على الملأ وكأن طبيعة اسرائيل العدوانية التوسعية كانت سراً مكتوماً! فقد أعرب الإسرائيليون المتعصبون عن عنصريتهم وحقدهم الأعمى ضد العرب بحماس غير محدود ومن دون تخفٍ وراء المظاهر والكلمات. وليست دعوة وزير الخارجية الصهيوني العتيق افـيغدور ليبرمان لقطع رؤوس المواطنين العرب الذين لا يظهرون ولاءهم لدولة الاحتلال، التي تقتلهم وتقمعهم منذ ١٩٤٨، وحيدة ولا يتيمة فـي كيان بُني على الاغتصاب والإرهاب.
وبعد أن ألقى خطاباً فـي «الكنيست الاميركي» هدفه الغرور والمباهاة وكسب نقاط على خصومه فـي انتخابات كان حزبه يتعثر فـيها وبمعاونة الجمهوريين وأكثرية زملائهم الديمقراطيين، وبعد إهانة الرئيس الأميركي فـي عقر داره أسقط نتنياهو كل الأقنعة وأظهر وجهه الحقيقي السافر وبان على حقيقته كمتعصب متطرف وعنصري، وجهر بالعلن ما كان يسر به بينه وبين عتاة حزبه، عندما أعلن أمام الناخبين بأن الدولة الفلسطينية لن تصبح حقيقة واقعة إذا ما تم تجديد انتخابه رئيسا للوزراء وأنه لن تكون هناك دولتان طالما بقي فـي السلطة، ناسفاً عقدين وأكثر من مفاوضات السلام ومساعي الحكومة الاميركية والمجتمع الدولي المؤيدة لحل الدولتين.
وخلال يوم الانتخابات لم يترك نتنياهو فرصة الطعن العنصري ضد العرب الفلسطينيين تفوته عبر الشكوى من الإقبال الكبير للناخبين العرب الحاصلين على جنسية الكيان الغاصب.
«حكم اليمين فـي خطر»، دق المغتصِب ناقوس الخطر مضيفاً «فالناخبون العرب يقبلون بكميات كبيرة على مراكز الاقتراع». ولأن الناخبين المغتصبين هم على دين أسيادهم نجحت تكتيكات نتنياهو لأن العنصرية متجذرة بعمق فـي النفوس اليهودية الإسرائيلية والنصوص داخل المجتمع الاستيطاني الإسرائيلي، وليس فقط فـي سياسة الدولة الغاصبة. الا أن ما يدعو للحيرة هو صمت السياسيين الأميركيين الذين يطالبون بالعدالة والتعدد الحضاري فـي الداخل الأميركي ولكنهم فـي الوقت نفسه يحتضنون ويرعون العنصرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينيي.
ويُعرف نتنياهو بتلاعبه بعواطف الأميركيين السذج عن طريق الحديث عن أوجه الشبه بين إسرائيل والولايات المتحدة لحث الرأي العام الأميركي على الاستمرار فـي الدعم الأعمى وغير المحدود لإسرائيل. وإذا أردنا استخدام أسلوب نتنياهو نفسه، فعلينا ان نضع تصريحاته الأخيرة فـي المنظور الأميركي. فلو افترضنا ان مرشحاً أميركياً تجرأ وقال إن حزبه السياسي معرض للخطر لأن الأميركيين الأفارقة أو اللاتينيين أو العرب يقدمون على الانتخاب بأعداد كبيرة، سيكون هذا التصريح خاتمة لحياته السياسية.
وغالباً ما يبرر الكيان الإسرائيلي احتلاله للضفّة الغربية والحصار المفروض على غزة بالادعاء أن بعض الفصائل الفلسطينية لا تعترف بحق اسرائيل فـي الوجود. على الرغم من أن رئيس وزراء إسرائيلي أعيد انتخابه بقوة نتيجة وعد بإنكار حق فلسطين فـي الوجود شاطباً آي شيء اسمه شعب فلسطيني، وهذا يحصل أمام أعين وآذان الغرب وساسة أميركا من دون ان يرفَّ لهم جفن. بالاضافة الى ذلك، تستمر الحكومة الإسرائيلية بتوسيع غير قانوني واجرامي للمستوطنات اليهودية فـي الضفّة الغربية، وهذه المستعمرات المخالفة للقوانين الدولية تبتلع الأراضي الفلسطينية بسرعة وتنسف امكانية قيام الدولة الفلسطينية، مما يعني ان الكيان الصهيوني يفاوض بيد بينما يعمل باليد الأخرى على التأكد ان لا تقوم أية قائمة لكيان أو إطار فلسطيني مستقل. وفـي حين ان منظمة «حماس» لا تعترف بإسرائيل من حيث المبدأ، يقوم نتنياهو وعصابة اليمين الصهيوني المتطرف بحرمان فلسطين من القيام بالفعل لا بالقول بأولى مقومات الدولة الكاملة وهي الجغرافـيا والحدود.
لقد شكلت الإنتخابات الإسرائيلية الاخيرة تذكيراً قوياً لظلم الاحتلال واغتصابه فـي الضفة الغربية بالتحديد. فالمستوطنون اليهود الذين يعيشون على أرضٍ مغتصبة، يعلم العالم بأسره بما فـي ذلك الولايات المتحدة انها أراضٍ فلسطينية، قادرون على التصويت فـي الانتخابات، بينما أصحاب الأرض الحقيقيون من أبناء الشعب الفلسطينيي يعيشون تحت الاحتلال ولا يحق لهم التصويت بل يخضعون لنظام الفصل العنصري. والمنطق السياسي والإنساني يقول انه عندما تعيش مجموعتان من الناس فـي الأرض نفسها، وتحصل مجموعة واحدة فقط على حقوقها المدنية والسياسية والدستورية مع كل خيرات ومقدرات البلد، هو بلا شك نظام فصل عنصري جائر. ولطالما كانت سياسة الولايات المتحدة فـي الشرق الأوسط داعمة للحل القائم على الدولتين منذ تولي الرئيس هاري ترومان الرئاسة. ولكن للأسف، فإن إجراءات حكومتنا مخالفة لمبادئها ومبادىء العدالة الانسانية والدولية – فقط عندما يتعلَّق الامر بفلسطين رغم وضوح الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني. وهكذا قامت أميركا دوماً بمخالفة سياستها المعلَنة ومبادئها بدعم خطط اسرائيل التوسعية ومنع الجهود الأممية والدولية لإدانة الدولة الصهيونية.
واليوم على سُدَّة الحكم فـي تل أبيب هناك رئيس للوزراء يعارض علناً حل الدولتين ولديه قليل من الاعتبار للرئيس الأميركي، مما يعني موت عملية السلام وقرع طبول الحرب، فهل ترضخ الولايات المتحدة مرة جديدة أم تنتفض من صفعة نتنياهو المكررة؟ نريد أنْ نحلم ونأمل من سياسيينا فـي واشنطن أن يستيقظوا من غيبوبتهم السياسة ويعيدوا النظر فـي دعمهم غير المشروط لإسرائيل، لكن بعد المهزلة فـي الكونغرس الاميركي يحق قول المثل: من جرب المجرَّب عقله مخرَّب!
Leave a Reply