علي حرب – «صدى الوطن»
أثارت إعادة نشر تقرير تلفزيوني أعدته قناة «فوكس نيوز» الأميركية حول مدينة هامترامك فـي أعقاب هجمات بروكسل الإرهابية الشهر الماضي، موجة من ردود الفعل والتعليقات العنصرية المحرضة ضد المسلمين الأميركيين التي وصلت إلى حد الدعوة «إلى إلقاء القنابل على المدينة والتخلص من المسلمين الحثالات فـيها»، وفقا لإحدى التعليقات على الفـيديو الذي نُشِر أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكانت «فوكس» قد أعدت هذا التقرير المصور فـي الخريف الماضي، إثر فوز ثلاثة مرشحين مسلمين أميركيين بعضوية مجلس بلدية هامترامك، الذي أصبح بذلك أول مجلس بلدي يشكل المسلمون غالبية أعضائه على مستوى الولايات المتحدة.
وأعادت التعليقات العنصرية التي استفزها التقرير المضلل، إلى الأذهان، تعليقات مشابهة أطلقها مستخدمو المواقع الاجتماعية الذين حرضوا على تفجير مدينة ديربورن، بعد بث القناة ذاتها تقريراً تلفزيونياً، أعده المراسل جيسي ووترز لبرنامج «أورايلي فاكتور»، وجاء مليئا بالمخاتلات والادعاءات والتناقضات حول المدينة ذات الكثافة العربية الوازنة، وقد قامت الجندية السابقة فـي الجيش الأميركي سارا بيبي بالتأليب على العرب والمسلمين فـي المدينة ودعت إلى تدميرها بتوجيه رسالة الى الإرهابيين بعد هجمات باريس الإرهابية.
ويختلف «تقرير هامترامك» الذي جاء تحت عنوان «تأقلم فـي أميركا» -الذي بث للمرة الأولى فـي شهر شباط (فبراير) الماضي- عن «تقرير ديربورن» من حيث الشكل والمضمون، لكن رسائلهما المبطنة والمضللة كانت متقاربة، بل وتكاد تكون متطابقة، خاصة لناحية إثارة الشك والارتياب من المجهول بسبب تنامي أعداد العرب والمسلمين فـي المدينتين.
وفـي حين حاول «تقرير ديربورن» أن يتلطى وراء الظرافة والدعابة لتمرير رسائله «الخبيثة»، جاء تقرير هامترامك حاداً ومباشراً.
التقرير بدأ بتعليق من المعد على مشهد شبان مسلمين من سكان هامترامك، بالقول: «هؤلاء شبان مسلمون يلبسون الأزياء الغربية ويقولون إنهم متأقلمون» (مع الحياة والثقافـة الأميركيتين). ثم نشاهد عضو المجلس المسلم أنام ميا وهو يشجب الإرهاب ويشدد على وحدة مجتمع المدينة، وبعدها يظهر التقرير أحد سكان المدينة البيض وهو يبدي قلقا عميقا من ارتفاع نسبة كثافة المسلمين فـي هامترامك وانتشار المساجد فـيها، وسط أصوات الآذان التي تطلقها مآذن المدينة الستة، خمس مرات يومياً.
وفـي لقطة تالية، تظهر رئيسة البلدية كارين ماجويسكي التي وصفها التقرير بأنها من «الحرس القديم» كونها تمثل الجالية البولونية التي كانت تشكل فـي أواسط القرن الماضي الأغلبية الساحقة من سكان هامترامك. التي قالت فـي حديثها للشبكة الإخبارية إن السكان القدامى يجدون صعوبة فـي رؤية المدينة وهي تتغير أمامهم»، فـي إشارة إلى تزايد الوجود الإسلامي الذي بات يشكل أكثر من 40 بالمئة من سكان المدينة البالغ عددهم 22 ألف نسمة.
ففـي السنوات الماضية شهدت المدينة تنامياً كبيراً للجاليات المسلمة، وفـي مقدمتهم اليمنيون والبنغاليون، على حساب تراجع البولنديين الكاثوليكيين منها، الذين باتوا يشكلون الآن حوالي 11 بالمئة من السكان بعدما كانوا 90 بالمئة فـي ثمانينات القرن الماضي، وهو ما دفع البابا بولس الثاني إلى زيارة المدينة خلال رحلته إلى الولايات المتحدة فـي العام 1987.
تحريض
يجتهد التقرير فـي تصوير المدينة وكأنها تعاني من توترات إثنية ودينية فـي أعقاب انتخاب المجلس البلدي الذي بات يضم أربعة أعضاء مسلمين أميركيين مقابل ثلاثة من الأميركيين البيض، لتصبح هامترامك أول مدينة أميركية يشكل المسلمون أغلبية فـي مجلسها البلدي، وهو الأمر الذي استقطب -حينها- اهتماما محليا ووطنيا وعالميا كبيرا ولافتا.
وتستمر حبكة التقرير الذي وصف هامترامك «بأنها ليست كأية مدينة أميركية أخرى» فـي إثارة المخاوف، وتتداخل اللقطات المتوالية، الممنتجة بعناية مدروسة، فنرى نادلة بار بيضاء وهي تقول فـي أعقاب حديث عن التطرف الديني: إذا أردت أن أكون متفائلة، فسوف أقول إن الناس (هنا) مازالوا يثقون ببعضهم البعض، ولكن إذا أردت أن أكون واقعية.. فأنا أعلم أن هذه المسألة ليست هي القضية».
ثم يظهر التقرير شخصا بملامح شرق أوسطية وهو يقول: حسب رأيي الشخصي، فلا أعتقد أنهم جاهزون للتأقلم مع الثقافة الغربية بعد. ومع أن التقرير لا يظهر هذا الكلام وكأنه تعليق على ما جاء فـي عبارة المعد الأولى (هؤلاء شبان مسلمون يرتدون الأزياء الغربية ويقولون إنهم جاهزون للتأقلم مع الحياة والثقافة الأميركيتين)، إلا أنه من الواضح أن المعدين اعتمدوا طريقة ملتوية لدحض دعاوى المسلمين، من باب «وشهد شاهد من أهلها».
وفـي الاستديو، حيث يجتمع مذيعان مع معد التقرير الذي يسأله أحدهما فـيما إذا كانت المدينة تبدو أميركية الطابع، فـيجيب: «إنها بالتأكيد تبدو مختلفة، فالمساجد ترفع الأذان عند كل زواية.. إنهم -المسلمون- يريدون بناء مسجد كبير فـي قلب المدينة.. هنالك أشياء كثيرة لا يمكن الوثوق بها».
قنابل
وبسبب الطريقة التي تمت بها صناعة التقرير، فليس من المفاجىء أن تمتلىء مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الغاضبة والمحرضة ضد مسلمي المدينة التي وصل بعضها إلى حد الدعوة علانية إلى إلقاء القنابل على المدينة وقتل سكانها المسلمين، وفـي ما يلي عينة من تلك التعليقات (يمكن قراءَتها باللغة الإنكليزية فـي الصورة المرفقة):
موراي هاورد علق قائلا: قريباً سنجد أنه من الضروري أن نبدأ بإلقاء القنابل على مدن كهذه بدلاً من إلقائها على مدن فـي بلدان أخرى، لأن رئيسنا الضعيف لا يستطيع حمايتنا».
وعلق متصفح آخر يدعى «بيت براينت» وصل به الغضب إلى حد الدعوة إلى قصف المدينة بقنبلة ذرية، فكتب: ما دمنا نعرف من هم المستعدون لإلقاء القنبلة الذرية التالية.. إذن فأين المشكلة؟ لندعهم جميعا «يتأقلمون» (فـي إشارة متهكمة إلى عنوان التقرير: تأقلم فـي أميركا) ونتلخص من هذه المشكلة.
وكتب «روبرت جونز»: الآن.. نعرف أين سنرمي القنبلة إذا لم تتوقف «داعش».
وألّب «ولفغانغ رولف» على مسلمي هامترامك بالقول: «ارموا قنبلة، لنتخلص من هؤلاء البرابرة المتوحشين.. شيء مقرف»!
وبنفس المنطق كتب «دوغلاس كراندل»: اجمعوهم فـي مكان واحد، تماماً مثل تلك المدينة، وارموا عليها قنبلة كبيرة.
وتوالت التعليقات العنصرية على التقرير داعية الى القاء القنابل على مسلمي هامترامك، فـيما تقف السلطات عاجزة عن ملاحقة مروجي خطاب الكراهية والعنف ضد المسلمين الأميركيين.
قلق
على الرغم من التعليقات الكثيرة المؤلبة ضد المسلمين، إلا أن عضو المجلس البلدي سعد المسمري استبعد أن تعكس تلك الأقوال مواقف أهالي هامترامك المتعددي الخلفـيات، وأضاف واصفا تقرير «فوكس نيوز» بالمضلل، وقال: «فـي هامترامك لا ننظر إلى بعضنا البعض كمسلمين أو غير مسلمين.. إننا موحدون ونعمل جميعا من أجل تطوير مدينتنا».
ومن ناحيتها، أشارت الناشطة فـي حملة «مكافحة الكراهية» آشا نور إلى أن «الخوف الذي بدا فـي التقرير نابع من فقدان القوة» وأن المخاوف تم تشفـيرها من أجل إثارة العنصرية ضد العرب والمسلمين.
وأضافت: لقد تم إظهار مواقف وآراء المسلمين وكأنها نابعة من انعدام أمان وجودي لديهم، وتم تعزيز تلك الفكرة بالصور والإعلام والسياسات والثقافة العامة، لإظهار المسلمين وكأنهم ذوو طبيعة عدوانية، على عكس ما هم فـي الواقع.. كبشر طبيعيين يعيشون فـي مجتعمهم بسلام.
ورأى رئيس «طاولة ميشيغن المستديرة للتنوع والاندماج» ستيف سبريتزر أن إعادة بث التقرير التلفزيوني من قبل شبكة «فوكس نيوز» توضح «المكان الذي تقف فـيه هذه الشبكة الإخبارية»، وأكد أن التنوع فـي هامترامك يجب أن يحتفى به، وأن إساءة تصوير المدينة من قبل القناة استفز الكثير من ردود الأفعال السلبية.
وأضاف: «إنه -التقرير- يؤثر على حياة وسلامة جيراننا المسلمين، نحن نعلم أن 62 بالمئة من الأميركيين لم يقابلوا فـي حياتهم شخصا واحدا مسلما، فإذا كان هؤلاء يستمدون معلوماتهم من «فوكس نيوز» -لا سمح الله- فتصورهم عن المسلمين لن يكون صحيحا وآمنا، لسوء الحظ.. هذا يعرض الناس للخطر».
ووصف التعليقات على «تقرير هامترامك» بالمثيرة للخوف والأسى فـي آن.
Leave a Reply