الحد الأدنى للأجور يحرك الشارع مجددا اضرابا وتظاهرات
استدعى الظهور المفاجئ لأمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله بين الحشود، في “مسيرة اليوم العاشر” التي نظمها الحزب في ذكرى عاشوراء الامام الحسين، زيارة غير مقررة مسبقا من مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان الى بيروت للتأكيد على جملة امور ضمن سياق متعدد الأهداف:
– إعادة تطويق الملف السوري من الزاوية اللبنانية، مع ارتفاع حدة هجوم حزب الله بوجه ما يسمى بالمعارضة السورية.
– تثبيت دعائم ما تبقى من المحكمة الدولية، مع اقتراب استحقاق تجديد بروتوكولها، وبعد أن مرّ قطوع التمويل بتجربة كادت تطيح بالحكومة لولا حنكة الرئيس نبيه بري من جهة وسعة صدر السيد من جهة ثانية.
– إعطاء جرعة ثقة لفريق الرابع عشر من آذار في المسارين الواردين أعلاه.
– زيارة معنوية في الشكل بالنسبة للمشروع الأميركي في لبنان بعد أن سجلّ ظهور السيد العلني رسالة ردع للمحور المقابل بأسره، وبالتالي كانت الحاجة لإعادة القليل من التوازن الى ميزان الصراع بين المحورين من خلال التأكيد على استمرار اوراق الضغط الأميركية في لبنان.
زيارة فيلتمان شملت الرئيس بري “الثابت على مواقفه ازاء المحكمة”، والنائب وليد جنبلاط التائه مجددا، والبطريرك الراعي الحريص على الوجود المسيحي في الشرق في هذه اللحظة الإقليمية والمتوجس من ارتدادات الملف السوري، والرئيس نجيب ميقاتي الواقع تحت رحمة اختبار ملف شهود الزور، وكلا من قائد الجيش العماد جان قهوجي ومدير عام قوى الامن الداخلي اشرف ريفي.
ولئن كان منطقيا أن يزور فيلتمان الشخصيات الرسمية المذكورة أعلاه لما تمثَّل، فإن المستغرب ان يخصص وقتا لوزير الدفاع السابق الياس المر والبطريرك الماروني السابق نصرالله صفير، في خطوة تحمل دلالات عميقة تعكس حجم القلق الأميركي من امكانية تحول الامور في لبنان لصالح المحور المقابل، وبالتالي تفسر البحث عن “نصائح” من شخصيات لا تمثل وزنا سياسيا حقيقيا.
ولم تخرج مواقف فيلتمان عما هو معهود: التشديد على “اهمية الجيش في القيام بمهماته كقوة لبنان الشرعية الدفاعية الوحيدة القادرة على تأمين الحدود وعلى الدفاع عن سيادة واستقلال دولة لبنان”، و”أهمية تعاون لبنان المستمر مع المحكمة ودوام الوفاء بالتزاماته الدولية تجاه قراري مجلس الأمن الدولي 1559 و1701″، على ان تظهر حقيقة اهداف زيارة المسؤول الأميركي “الخبير في الزواريب اللبنانية” في وقت قريبا، خاصة وان اللبنانيين اعتادوا على “المفاجآت” بعد زيارات من هذا النوع.
في المقلب الاخر، شكلت ذكرى عاشوراء محطة رئيسية أعاد فيها السيد نصرالله رسم مواقف “حزب الله” ازاء جملة عناوين في الداخل والخارج. وحضر الملف السوري على قائمة القضايا التي تطرق اليها السيد في خطابه العاشورائي ولكن الجديد، الذي لم يحظى بتغطية صحفية تتناسب ومعنى كلامه، تطرقه الى خطر مشروع التيار الديني المتشدد في المنطقة بما يتخطى مجرد التحذير، على أن تعكس الاحداث القادمة سقف خطاب السيد ازاء هذه النقطة تحديدا، خاصة وأن النبض الشعبي يلتمس بوضوح خطر هذا التيار بعدما ظهرت الى العلن دعوات لإعتماد الخيار التكفيري وما يستتبع ذلك من اساليب تنفيذية في مواجهة مكونات مذهبية وطائفية في لبنان والمنطقة.
تجدر الإشارة الى ان ظهور السيد علنا بين الحشود في مسيرة عاشوراء حاز على الكثير من التحليلات وردود الفعل المحلية والاقليمية، خاصة لما عكسه من ثقة تتعدى حدود لبنان خاصة وأن الطائرات الحربية الاسرائيلية ظلت تحلق فوق سماء الضاحية الجنوبية طوال تجول نصرالله بين مئات الالاف، قبل ان يعود السيد ليطل عبر شاشة ويُطلق رسالة جديدة “اننا نزداد عدداً ونتحسن ويصبح تدريبنا أفضل وأحسن ونزداد ثقة بالمستقبل ونزداد تسليحاً وإذا كان أحد يراهن على أن سلاحنا يصدأ فالسلاح الذي يصدأ نأتي بجديد غيره وكل شيء نجدده”.
على صعيد آخر، وضعت الحكومة نفسها امام اختبار مستجد من خلال ملف تصحيح الأجور، بعد ان اتخذت قرارها بتحديد الزيادة ما بين 150 الى 200 الف ليرة، ما استدعى رفضا من تيار التغيير والإصلاح ومعه الهيئات النقابية، التي دعت، عبر هيئة التنسيق، الى تنفيذ إضراب عام والتظاهر يوم الخميس المقبل.
وعلى اثر جلسة الحكومة الأخيرة، سّربت مصادر التغيير والإصلاح ان بقاء وزراء التكتل في الحكومة سيبقى رهن التغيرات وقابلا لمختلف التطورات، خاصة وان رزمة الملفات المعيشية التي اقرتها الحكومة رفضت اقتراحات الوزير شربل نحاس الذي لم يخفِ انزعاجه من موقف وزراء “حزب الله” المتردد ازاء هذا الملف، بما يعكس على ما يبدو تقصيرا في مجاراة النشاط المشهود لوزراء التيار العوني.
وليس بعيدا عن الازمة الحكومية التي بدأت تلوح في الأفق، قرر الرئيس ميقاتي التصعيد في مواجهة “حلفائه”، فدافع عن سياسته الاقتصادية وغمز من قناة العماد عون بالقول إنه “إذا كان يريد مترا في الاصلاح فأنا أريد كيلومتراً، ولكن الامر لا يحصل دفعة واحدة”. وأضاف: “قبل كل شيء تعالوا لنتعاون ونحاول ان نجترح حلولا لأزمة الادارة ولكيفية مكافحة الفساد الذي ينخرها، وسد كل المزاريب فيها. فالاصلاح يبدأ من هنا وليس من اي مكان آخر، وأنا لا اعمل تحت الضغط، ولا استجيب لاي محاولات ضغط”.
وحول ملف شهود الزور، شدد ميقاتي على عدم امكان نفي وجود هذا الملف، و”لكن في ظل التركيبة القضائية الحالية هناك نوع من التريث في ادراج هذا الموضوع في جدول اعمال مجلس الوزراء”.
Leave a Reply