«مجزرة الغوطة» في سوريا غطَّتْ على كل الأحداث بسبب فظاعتها وهولها وخصوصاً أنَّها أدَّتْ إلى سقوط العشرات من الأطفال وسط إتِّهامٍ المعارضة السورية للنظام باستخدام السلاح الكيميائي ونفي الحكومة السورية التي ردّت السهم الى قلب المعارضة التي فبركتْ هذه الجريمة الجديدة لتحويل الأنظار عن تعرضها للتصفية والهزيمة في كل المواقع.
ونحن لا نريد أن نقلل من جسامة المجزرة الرهيبة، لكن من هو الفاعل الحقيقي؟ يبدو أن التكفيريين يريدون استغلالها الى أقصى الحدود عالمياً من أجل استدرار التدخُّل الدولي الغربي في سوريا على غرارما حصل في ليبيا. ويريد التكفيريون تلزيم المجزرة للنظام مثل مجزرة الحولة وغيرها التي كشَفَتْ صحف غربية محترمة أنها من صنع المعارضة، شأنها شأن الهجوم بالسلاح الكيميائي الذي شنَّته المعارضة في خان العسل وغيرها حسب مسؤولة في الإتحاد الأوروبي والتي أعلنت مسؤوليتها عنها قبل أنْ تلحس كلامها لاحقاً. وكان وزير الخارجية الروسي قد أودع الامم المتحدة في السابق ملفاً بالإثباتات حول تورُّط المعارضة في استخدام أسلحةٍ كيميائية في سوريا. لكن مجزرة الغوطة الجديدة ورواية المعارضة، فيها من الثغرات التالية التي تجعل المريب يكاد يقول خذوني:
– عجيب أمر غاز «السارين» هذا الذي لا يهاجم إلا الأطفال ويعرف أنْ يُميِّز بين الكبار والصغار! فمن المعروف أنَّ الغاز ينتشر في الهواء بسرعة ويقضي على كل شيءٍ حي فكيف كان الكبار يتجولون بين الأطفال الشهداء وكيف لم يُصب به المصوِّرون والمسعِفون الذين كانوا يضعون كمَّاماتٍ طبيَّة عادية على وجوههم لا تقي من خطرالغاز المزعوم؟! أين الأقنعة ضد الكيميائي لحماية الكبار وكيف صمدوا من دونها عندما حصل الهجوم؟!
– على بعد أمتارٍ قليلة من المقتلة تقبع في الفندق لجنة التحقيق الدولية في الأسلحة الكيميائية التي جاءت منذ أسبوع الى سوريا بقرارٍ وإذنٍ من الحكومة السورية، وبالتالي فإن الحكومة ليست من الغباوة لهذه الدرجة لكي تتورط بمجزرة كهذه أمام العالم أجمع وعيونه الدولية.
– أكدَّت روسيا عبر صور من الأقمار الصناعية أن صاروخاً محمَّلاً بمواد كيميائية إنطلق من مواقع المعارضة وهذا ما يفسِّر تريُّث أميركا وبريطانيا بتوجيه أي إتهام، لكن هذا لم يلجم «جماعة حنيكر» الذين وصلتهم كلمة السر بالمشاركة في الحملة الإعلامية والسياسية المنسَّقة مع قنوات الصرف الصحي الإعلامي مثل «الجزيرة» و«العبرية» اللتين لا يُستغرب تركيبهما للصور المزيَّفة والافلام الهوليودية!
– المجزرة في «الغوطة» غطَّت على مجزرة قتل أكثر من ٥٠٠ شخص في ريف اللاذقية التي ارتكبها بني الإجرام التكفيري بدمٍ بارد في محاولة لضرب المعقل الخلفي للنظام فيما سُمِّي بمعركة «تحرير الساحل» الفاشلة وتبيَّن أنها محاولة بندرية لارتكاب مجازر والانتقام من المدنيين من أجل خلخلة الثقة بالنظام والأماكن الآمنة التي يلجأ إليها السوريون من مختلف طوائفهم. وبعد الفشل المريع الجديد لهذه الجماعات الإرهابية جاءت مجزرة الغوطة المزعومة.
– تأتي «الغوطة» أيضاً وبشكل مريب بعد الحملة العسكرية الناجحة التي قادها النظام لصد وردع التكفيريين عن حدود العاصمة بعد أن أخذوا يقصفون الأحياء السكنية والأسواق التجارية من اجل شلِّها تماماً. وقوات النظام ليست بحاجةٍ الى أسلحة كيميائية أو بيولوجية لكي تجتث جذور الإرهاب!
– كذلك غطَّتْ «الغوطة» على جريمة تفجير «الرويس» في الضاحية الجنوبية من بيروت التي وقعتْ في ١٥ آب (أغسطس) بتنفيذٍ وتخطيطٍ من التكفيريين المجرمين الجبناء الذين يريدون أنْ يضربوا معقل المقاومة ويقتلوا أكبر عدد ممكن من المدنيين العزّل الآمنين للضغط على المقاومة بذريعة تدخُّلها في سوريا. إلا أن ادعاء المجرمين مردود باعتبار أن «حزب الله» هو آخر المتدخلين في سوريا والكل يعرف أن صور السيد حسن كانت تمزَّق ويُشتم الحزب بسنين قبل «القُصير» وعندما كان يحاول التوفيق بين النظام والمعارضة.
وفي جريمة «الرويس» أيضاً أشارت أصابع الإتِّهام إلى بندربن سلطان الذي يريد معاقبة «حزب الله» خصوصاً بعد قرارتٍ الحكومة السعودية السرية وسعيها الدؤوب لدى الإتحاد الاوروبي من أجل وضع الحزب على لائحة الإرهاب. ولهذا السبب، يقضي سفير بندر، علي عوَّاض «الأسيري»، إجازة مفتوحة خارج لبنان ريثما تنجلي الأمور حتَّى لا يتعرَّض لنفس إحراج السفير السعودي السابق في «٧ أيَّار» عندما نَفَذ بجلده عن طريق البحر بشكلٍ مهين وذليل!
ولقد تبيَّن من جريمة «الرويس» حجم الهوَّة بين القوى السياسية حيث أن مذبحة كهذه في بلدٍ «عادي» يملك مقومات وطن فعلاً، توحِّد الجميع معارضةً وموالاة وما بين بين. لكنها في البلد المليء بالعقوق ونكران الجميل للمقاومة التي شرَّفتْه، زادت المواقف تبايناً وسريعاً بعد التنديد المقتضب المصطنع الذي أصدرته «قرطة حنيكر» والذي كان باهتاً «ينقِّط» سمَّاً وشماتة، وبعد الإبتهاج الذي عمَّ مناطق طرابلس وبعض قرى إقليم الخروب و«الطريق الجديدة» وتوزيع الحلويات بالمناسبة «السعيدة» لقتل ٢٧ شخصاً وجرح أكثر من ٣٠٠ اآخرين! وإنْ ننسى فلا ننسى النائب الموتور «معيب» المرعبي الذي نقلتْ محطَّة «الجديد» كلمة له في مؤتمر في تركيا قبل ساعاتٍ من الإنفجار يحرِّض فيها على المقاومة ويسمي الحزب بالمجموعة الإرهابية التابعة لإيران. أي أن إيران أصبحت نقمة والسعودية نعمة مثل منطق آٓل سعود الذين يرون وجود «حزب الله» في سوريا تدخُّلاً ضد الشعب السوري، ولا يرون الشيشاني والبلجيكي والاسترالي والتتري ومن هبَّ ودب في سوريا! لم تُعامَل مقاومةً على مرِّ التاريخ كما تُعامَل المقاومة في لبنان من رأس الدولة الى أخمص قدمها مثل معيب الذي اتَّهم «حزب الله» بمتفجِّرة «الرويس» كما يتهم التكفيريون النظام السوري بمذابح هم ارتكبوها! وآخر الغيث عمر بكري فستق الماكر للجميل كأبسط قاعدة إسلامية وهو الذي أنقذه «حزب الله» من السجن عندما أهمله أصحابه السلفيون!
أمَّا المغترب الطائر الغرِّيد سرعان ما عاد الى أصله وبدأ يلوم الضحية ويريد أنْ يعطي بركته للدولة قبل أنْ تُتَّخذ إجراءاتٍ ضد التكفيريين ربما من أجل تنبيههم وإنقاذهم كم فعلتْ وتفعل عمَّته أنديرا الحريري (وللكاتبة مريم شهاب، نعم هذه صفة للتهكُّم، فشتَّان ما بين أنديرا غاندي وبهيَّة) التي حمَتْ ومازالتْ تحمي المجرم الأسير بن لادن الذي تنكشف مخططاته الإرهابية يوميَّاً. وهنا وقفةً مع الإعلام المُرتزق الذي كبَّر الأسير ومازال يُطبِّل له ولايخطر على باله نزع صفة المشيخة عنه وإلصاق صفته الحقيقية كمجرمٍ فار من وجه العدالة. يخزي العين أعلامنا كم هو مُهذَّب!
سعد الطائر سأل السيِّد حسن نصرالله سؤالاً عن موقفه إذاسقط النظام السوري فماذا سيفعل إزاء نظام معادٍ له، نافياً أي دور للتكفيريين في النظام الجديد، على طريقة نفي معلِّمه بندرأمام بوتين من إستعمال الشيشان ضد روسيا بعد سوريا عندما كان يحاول رشوته في موسكو. لكن السوءال المعكوس للحريري: ماذا سيكون موقفه هو بعد أنْ يمحي النظام فلول التكفير والإرهاب ويستعيد عافيته من جديد؟ هل سيحطُّ في مطارد مشق كما وعَدنَا باكراً ثم ينام في سرير قصر الضيافة السوري، أم سيظل «ضيفاً» قيد الإقامة الجبرية عند أبو متعب، أم سيفرُّ الى عند «صديق البابا»، جاك شيراك؟!
جماعة «١٤ عبيد زغار» لم تخطرفي بالها مجرَّد فكرة زيارة الضاحية كما فعلتْ وحرَّضتْ في عبرا وطرابلس وعرسال، من أجل التضامن مع الأبرياء! موقفٌ واحدٌ مشرِّف يجب أن يُسجَّل لحزب «الكتائب» الذي أوفد نائب رئيسه سجعان قزي وأعلن وقوفه مع أهل المقاومة في الضاحية. أكثر من ذلك، أبدى الحريري وشلة الطرب التابعة له إمتعاضاً من الإجراءات الأمنية الاستثنائية في الضاحية التي تقوم بها المقاومة بموافقة وتفويضً تامَّين من أبنائها، رغم اكتشاف خلية الناعمة الإرهابية والصواريخ المتوجهة الى البقاع الشمالي وإعلان الجيش عن وجود خلايا إرهابية مذهبية!
ورغم كل هذه المشاغل وجدت الدولة عن طريق ميليشيا «فرع معلومات المستقبل» الوقت الكافي لملاحقة أهالي المخطوفين اللبنانيين في «أعزاز» وتحرَّكتْ شهيتها الأمنية بعد خطف التركيَّين فأصدر الفرع، عبر أحد رجال الحريري من القضاة، مذكَّرة توقيف بحقهم نُشرتْ من… وكالة الأناضول التركية وليس عن طريق الدولة اللبنانية العلية. أي أنَّ الأتراك عرفوا بالمذكرة قبل القضاء اللبناني العادل! «المعلومات» استندت الى رسائل نصية هاتفية بين الأهالي، أي أن الأهالي هم من الغباء لدرجة استعمال هواتفهم في بلدٍ ضُرب الرقم القياسي بفلتانه!! أمَّا تصرُّف الدولة المذِل فحدِّث ولا حرج، من تأكيد مروان شربل المحنَّط عدم ربط قضية اللبنانيين المخطوفين بالتركيَّين وطلبه بإذلالٍ وخشوع من السفيرالتركي العمل على تحرير اللبنانيين، إلى تهديد النزق الميلشياوي وزير خارجية تركيا داوود أوغلو بخطف لبنانيين في تركيا، إلى تصرف الأتراك براحة وكأنهم يملكون نصف البلد!
كل هذا في جانب ومشكلة الإرهابيين في جانبٍ آخر والخطورة والخوف هو من إمتلاكهم أسلحةً قتل جماعي خطيرة يبدو أنَّ بندر مصمِّمٌ على تسليمها لهم مثل السلاح الكيميائي الذي قد يستعملوه ضد المدنيين في سوريا ولبنان لأنَّهم لا يملكون وازعاً من ضمير ولا ديناً ولا أخلاقاً تردعهم عن هذا الاجرام وعندها قد تتغير قواعد اللعبة برمَّتها ولن يصبح أي رأسٍ آٓمناً في أي مكان.
Leave a Reply