تعرف حرب الـ 67، في أدبياتنا السياسية والثقافية، بـ«نكسة حزيران» مع أنها كانت واحدة من أقسى الحروب التي خاضها العرب في صراعهم مع إسرائيل، لدرجة أنه تم وصفها بأنها ليست هزيمة جيوش، بل هزيمة مجتعمات عربية كاملة.وهي الحرب التي دفعت قائداً من العيار الثقيل، أن يظهر على شاشة التلفزيون، ويعترف بمسؤوليته الشخصية عن هذه الهزيمة، ثم يعتذر لشعبه، ويتنحى عن السلطة..
وكان من الممكن أن تكون تلك التداعيات ذات فائدة، فتقييم التجربة أمر ضروري وأخلاقي بالدرجة الأولى. لكن «العقل الثقافي والسياسي» العربي قام بواحدة من شطحاته الفاجرة، حين اكتفى بوصف هزيمة العرب الأقسى، بمجرد «نكسة» تحت ذريعة أن العدوان رغم جميع الأعطاب التي أحلّها بنا.. فشل عن تحقيق أهدافه في إسقاط «الأنظمة التقدمية في العالم العربي!!..».ومن ما شك أن مثل هكذا تبريرات تدعي انتصاراً ضمنياً، وبجرعة إضافية من الجرأة (أو الوقاحة) يمكن تحويله إلى انتصار كامل وصاخب، فـ«الأنظمة التقدمية» ما زالت في مواقعها منذ أكثر من نصف قرن من الزمن.وحسب هذا المنطق، فإن إسرائيل لم تلحق بنا هزيمة واحدة حتى الآن، والسبب بسيط وواضح للعيان، ذلك أنها منذ قيامها لم تسقط «نظاماً تقدمياً» واحداً في عالمنا العربي، فنحن منتصرون رغم القتل والتنكيل والتدمير. منتصرون.. ومستمرون في وضع «الخطط التنموية والتقدمية» في كافة الميادين، وإسرائيل مهزومة ببضعة خدوش فقط.منتصرون رغم أن جمال عبدالناصر بكى على الشاشة أمام العالم أجمع، ورغم أن عبدالحكيم عامر أطلق النار على رأسه. وإسرائيل مهزومة رغم أن قاداتها يتبادلون الأنخاب. أية هرطقة!!..ولكن حقاً، إذا كان تحقيق الأهداف السياسية جزء من الحرب (والأمر كذلك فعلاً) وجزء من معاييرها وتحديد نتائجها، إذن فلماذا نحتفل بانتصار حرب أوكتوبر، وهي الحرب التي فشلت في تحقيق أهدافها السياسية المعلنة في ذلك الوقت. حرب «التحرير» التي قادت إلى «التحريك»..المشهد واحد ومتصل.. فالحرب على غزة التي يمكن وصفها بـ«فيلم بورنوغرافي إسرائيلي طويل»، الفيلم الذي جعلنا نتصبب عرقاً، من الخيبة والعار والألم، الفيلم المليء بالإثارة، الفيلم الذي أثار غرائزنا واستفر أعصابنا.. إلى الدرجة القصوى.وفي الوقت الذي كانت فيه تترات الفيلم الإسرائيلي تظهر على الشاشة، وقبل أن نقرأ كلمة (النهاية) كنا نحن العرب على موعد مع صناعة فيلمنا الخاص، الفيلم الذي يمكن وصفه أيضاً بـ«فيلم بورنوغرافي عربي طويل»، مع فارق أن فيلمنا العربي أكثر طولاً من اللازم، يبدأ منذ حرب الـ 67 وما يزال مستمراً، بوجود تلك الماركة المسجلة: فيلم ممل ومضجر.فيلمان في صالة الشرق الأوسط: فيلم إسرائيلي أكشن، وفيلم عربي عاطفي درامي. وبين الجمهور ثمة جدل دائر، عن معنى الانتصار ومواصفات الهزيمة. جدل كان فيما مضى بيزنطياً، وأصبح منذ وقت طويل عربياً بامتياز!!..
Leave a Reply