فعلها مجدَّداً نولان فـينلي، محرر صفحة الرأي فـي جريدة «ديترويت نيوز» التي أصبحت أسوأ من «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية بتطاولها على العرب وإفساحها المجال للإسفاف والانحياز العنصري المقيت الصادر عن فـينلي من دون وازع أو حتى اعتبار لمشاعر العرب الأميركيين والمسلمين الذين يساهمون فـي ترويج الجريدة عبر مطالعتها ودعمها مالياً ومن خلال توزيعها فـي محلاتهم التجارية ومحطات الوقود فـي منطقة ديترويت الكبرى.
آخر إبداعات «ديترويت نيوز» نشر مقال بقلم نولان فـينلي فـي عدد يوم الأحد تحت عنوان «حماس وداعش هما نفس الشر».
فـينلي، الذي باتت كراهيته العنصرية للشعب الفلسطيني ليست سراً، فقد أصبح معروفاً من خلال كتاباته المقيتة مضاهياً أعتى عتاة كتاب اليمين الصهيوني الليكودي فـي دولة الإحتلال، إلا أنه فـي المقالة الاخيرة تفَّوق على نفسه وفاق كل الحد فـي تطاوله السافر والمنحاز ضد الشعب العربي والفلسطيني.
فقد بنى فينلي كل مقاله على خطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو امام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفـي عموده لم يقم فقط بالترويج للدعاية الإسرائيلية بعيداً عن المهنية، وبدون خجل ولا ضمير ولا إنسانية، بل أعلن أنه يؤيد أيضاً قتل المدنيين بإسم مكافحة الإرهاب.
ويدعي الكاتب الحاقد على الشعب الفلسطيني أن الولايات المتحدة حثت إسرائيل على «إظهار ضبط النفس فـي سبيل الحد من الضحايا المدنيين، وفـي نهاية المطاف ضغطت عليها لسحب قواتها «من غزَّة» قبل تحقيق أهدافها».
والحقيقة التي أخفاها فـينلي عن قصد هي أن الرئيس أوباما أعرب عن الدعم غير المشروط لإسرائيل تحت شعار «الدفاع عن النفس»، كما أقر الكونغرس الاميركي وبسرعة البرق مساعدات عسكرية إضافـية فورية لإسرائيل خلال العدوان على غزة. لكن صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة هي التي أفشلت آلة الحرب الإسرائيلية واضطرتها للانسحاب خوفاً من فضيحة فشل أهداف عدوانها المعلن وغير المعلن، لا ضغوط أميركا ولا العالم الذي لا تعيره إسرائيل أي اهتمام!
لكن فـينلي لا يتوقف فقط عند تبرير قتل المدنيين الفلسطينيين، بل إنه يريد من الرئيس أوباما تكرار الفظائع الإسرائيلية بإرتكاب مجازر مثلها فـي العراق وسوريا، حيث يقول فـي مقاله المسموم «هل تعتقد أن أوباما، الذي يصب حمم القنابل على «داعش»، أنها أيضاً لن تقتل المدنيين الأبرياء؟ وهل سيحمِّل نفسه نفس القدر من ضبط النفس الذي طالب به نتنياهو عندما يحصِّن مقاتلو «الدولة الإسلامية» أنفسهم بين السكان المدنيين؟ بالطبع لا، وإذا كان سيفعل ذلك، فإنه لن يفوز».
إنَّ حملة «اقصفهم جميعاً بالقنابل» التي يروِّج لها الكاتب المعادي تنم عن الجهل المدقع والتعصب الأعمى لديه. ذلك أنَّ الطريقة الوحيدة لهزيمة «داعش» هي حماية السكان المدنيين وعدم إعطاء أي شرعية للجماعة الإرهابية.
وبالمناسبة لم يكن قتل المدنيين الفلسطينيين من قبل إسرائيل أضراراً جانبية. بل كانوا أهدافا متعمدة للإرهاب الإسرائيلي بهدف الضغط على المقاومة الفلسطينية من أجل إخضاعها. وفـي شهر تموز (يوليو)، قصفت إسرائيل بشكل واضح ومقصود مدارس الأمم المتحدة التي هرب اليها اللاجئون فـي غزَّة من القصف الصهيوني الممنهج ضد المدنيين والمستشفـيات والمساجد والمدارس والإدارات الانسانية. حتى أمين عام الامم المتحدة بان كي مون نفسه، الذي لا يجرؤ على انتقاد إسرائيل، وصف قصف المدارس بأنها «فضيحة أخلاقية وعمل إجرامي».
وتقيأ قلم فـينلي، الذي طرح خطاب سيده نتنياهو كما لو كان كلاماً مُنزَلاً لا جدال فـيه، فكتب، «فـي حين أن الغرب يفضل النظر إلى «حماس» بأنها تركز بشكل ضيق على إخراج إسرائيل من الأراضي الفلسطينية، لكن الحقيقة، كما يقول نتنياهو، هو أنَّ ميثاقها يعد فصلاً من الإسلام المتطرف، وهو، سواء كان يستند إلى السُنَّة أو الشيعة، يشترك فـي نفس العقيدة المتعصبة».
بقي أنْ يدَّعي فـينلي كذلك أن جميع المسلمين و«داعش» هم من محور الشر نفسه.
لكن رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، فند ترهات فـينلي فقال: إن مشكلة الحركة هي مع الإحتلال، وليست مع اليهود. كما عرضت الحركة مراراً وتكراراً هدنة طويلة الأمد إذا خفَّفت اسرائيل الظلم الذي تنزله يومياً على الشعب الفلسطيني من حصار واعتقالات وقمع وتهديم بيوت ومنع الرواتب والخدمات الاساسية عنه بحجة مكافحة الإرهاب.
«داعش» هي المجموعة الإرهابية الأكثر رعباً فـي العالم فـي الوقت الراهن، لذا فلأسباب مفهومة عند نتنياهو، المشهور بتمرسه وخبرته فـي إعطاء الأمثلة والمقاربات الكاذبة المفبركة مثل خادمه المرتَزق الإعلامي فـينلي، من الطبيعي له مساواة «داعش» بأعدائه ليكسب عطف الرأي العام العالمي. ويعوِّل رئيس وزراء الإحتلال الصهيوني المتلطخة يداه بدماء الأطفال الفلسطينيين، على كتبة عنصريين معادين للشعب الفلسطيني لنشر رسالته فـي وسائل الإعلام. فـينلي هو رسول الكراهية الإسرائيلية الأكبر، وهو ناقل للكفر وكافر معاً لإيمانه بالإجرام الإسرائيلي. فـينلي ونتنياهو هما وجهان لعملة الشر الشيطاني الواحدة.
إنَّها وصمة عار على جبين «ديترويت نيوز» أنْ تنشر هذا المنطق العنصري وتقوم بالتجاهل المتهور للتراث الطويل للصحافة المتوازنة العريقة التي كلَّلت مسيرتها يوماً ما، وضربها بعرض الحائط لمشاعر وأحاسيس قاعدة واسعة من القراء العرب الأميركيين.
فـينلي، الذي كتب ذات مرة بوقاحة أن «شهوة الفلسطينيين للدم اليهودي أقوى من رغبتهم فـي السلام» يجب أن يعمل «خزمتشياً» فـي قسم العلاقات العامة عند مثله الأعلى نتنياهو، وليس فـي «ديترويت نيوز».
مرة جديدة تقع المسؤولية على الجالية العربية ومؤسساتها ورجال الاعمال العرب الأميركيين الذين هم شريان هذه الصحيفة الحيوي ليتخذوا الخطوات المناسبة للتعامل مع هذا الإسفاف الممنهج ضد شعوبهم ومشاعرهم. وإلا علينا أنْ ننتظر ليكتب فـينلي يوماً ما دعوة لطرد العرب الأميركيين من أميركا أو وضعهم فـي سجون كبيرة ومعتقلات لأن الذي لا يهمُّه قتل الأطفال لا يفكِّر بالكبار.
Leave a Reply