وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بالرغم من الظرف الحرج الذي ما زالت تعيشه طهران بسبب جائحة كورونا، آثر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أن تكون العاصمة الإيرانية هي وجهته الأولى، لِما تتميز به العلاقات بين البلدين من عمق تاريخي وجغرافي تمتد مفاعيله إلى مختلف مناحي الحياة لدى الشعبين، وكذلك لِما يمكن أن تؤدي إليه هذه الزيارة من جلاء بعض الالتباسات التي شابت العلاقة بين البلدين، بالنظر إلى ما تمثله بغداد من ساحة للتجاذب بين الموقفين الإيراني والأميركي منذ سنوات طويلة.
المرشد الإيراني السيد علي خامنئي بدوره قرر استقبال الكاظمي بنفسه ليكون بذلك الشخصية الأولى –بعد الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني–التي يلتقيها المرشد منذ أشهر، أي منذ بدء أزمة كوفيد 19، في دلالة واضحة لما تكتسبه هذه الزيارة من أهمية، ولاسيما بعد المخاض العسير الذي عاشته ولادة الحكومة العراقية واستمر أشهراً، وبعد الحدث الأهم، وهو اغتيال قائد قوة القدس اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس وعدد من رفاقهما.
مصادر خليجية كانت قد توقعت عدم حصول الزيارة بسبب مواجهة مزعومة وقعت بين الكاظمي ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد، ظريف خلال زيارته الخاطفة يوم الأحد الماضي لبغداد، غير أن الزيارة تمت وسط أجواء إيجابية واضحة للعيان، لكنها لم تخلُ أيضاً من رسالة قوية وجّهها المرشد خامنئي عبر الكاظمي بأن ثأر سليماني الذي قُتل على الأراضي العراقية لم ينتهِ بعد رغم الرد الإيراني بضربة قاعدة عين الأسد الشتاء الماضي.
مصادر متابعة أشارت إلى أن اللقاء مع المرشد الإيراني كان رائعاً وصريحاً، وتطرّق إلى غالبية الملفات الحساسة، إضافة إلى الملف العراقي الداخلي.
الخامنئي أكد للكاظمي ضرورة الالتزام بقرار البرلمان العراقي بـ«طرد» القوات الأميركية من البلاد، كما تطرّق إلى اغتيال سليماني والمهندس في كانون الثاني (يناير) الماضي، وأكد له بلهجة حازمة أن إيران لن تنسى ذلك أبداً وستوجّه ضربة انتقامية مماثلة إلى الأميركيين، مشدداً على أن الجمهورية الإسلامية تدعم حكومة عراقية قوية، على عكس الولايات المتحدة التي تريد خلاف ذلك.
الكاظمي بدوره توقف عند التضحيات الإيرانية الجسيمة في العراق، ولا سيما في الحرب ضد تنظيم «داعش»، مؤكداً أن الشعب العراقي لن ينسى الدعم الإيراني، وأن العلاقات بين البلدين عميقة وتاريخية، واصفاً إرشادات الخامنئي بأنها مفتاح حل المشكلات.
وبطبيعة الحال، فإن الظروف الأمنية التي يعيشها العراق، بُحثت خلال مختلف اللقاءات التي عقدها الكاظمي مع القادة الإيرانيين، ولاسيما مع الرئيس حسن روحاني وبمشاركة وزراء الخارجية والمالية والصحة والتخطيط، حيث جرى التركيز على توسيع العلاقات التجارية ومحاربة كورونا والجهود المبذولة لضمان الاستقرار الإقليمي.
وقد حرص الطرف الإيراني على تقديم عروض مغرية للكاظمي وفريقه في مجال الطاقة والكهرباء لقطع الطريق على الاتفاقية التي تردد أن حكومة الكاظمي تقترب من إبرامها مع دول مجلس التعاون الخليجي برعاية أميركية.
وبعيداً عن الأضواء، جرت أيضاً بعض اللقاءات، أهمها ذاك الذي عُقد مع الجنرال إسماعيل قاآني قائد «قوة القدس»، الذي كان قد أطلق قبل أيام تصريحاً نارياً توعّد فيه الأميركيين والإسرائيليين بأيام عصيبة جداً.
لقاءات الكاظمي في طهران شملت أيضاً أمين المجلس القومي الإيراني الجنرال علي شمخاني الذي يُحكى عن علاقة جيدة تربطه به، والذي كان قد التقاه قبل تكليفه برئاسة الحكومة وموافقة بعض المعترضين عليه من الفصائل الشيعية، ما أعطى انطباعاً يومذاك بمنحه كلمة المرور التي عبّدت الطريق أمامه للوصول إلى رئاسة الوزراء بما يشبه الإجماع. وخلال اللقاء أعاد شمخاني على مسمع ضيفه ثوابت بلاده التي تحكم العلاقة مع بغداد، وأهمها انسحاب القوات الأميركية والتمسك بـ«الحشد الشعبي» وعدم الانزلاق إلى أي تصادم مع قوى المقاومة. أما الكاظمي فشدد على وقوف بغداد إلى جانب طهران في أزمتها الاقتصادية، مؤكداً أن بلاده لن تسمح بأن تكون منطلقاً لأي تهديد ضد إيران.
مصادر خاصة أكدت لـ«صدى الوطن» أن الكاظمي طلب من طهران لجم الفصائل الموالية لها بهدف الوصول إلى نتائج مرضية للحوار العراقي الأميركي.
المشهد العام
لاعبون كثر على الساحة العراقية، من إيران التي تتمتع بنفوذ واسع، إلى الولايات المتحدة التي تحتله منذ نحو عشر سنوات وتملأه بالقواعد العسكرية، مع قدرة كبيرة على التأثير في الجانب السياسي والاقتصادي، مروراً بتركيا التي تستبيح جزءاً من شماله منذ أكثر من عشر سنوات، فيما لم يعد خافياً على أحد دور السعودية في تغذيتها للفكر الوهابي التكفيري «القاعدي»، والذي بدأ يتمظهر بعودة لافتة لخلايا «داعش» التي تقوم بشن عمليات متفرقة هنا وهناك.
هذا الخليط من القوى الفاعلة على الأرض لا بد وأن ينعكس سلباً على الاستقرار السياسي في العراق، وبالتالي على استقراره الاقتصادي المرتبط حكماً بمختلف جوانب الحياة من صحية واجتماعية وبيئية وغيرها…
زيارة الكاظمي لإيران في هذا التوقيت تأتي انطلاقاً من وعي الحكومة العراقية لضرورة التنسيق بين الدولتين وسط وعي الطرفين للمخاطر التي تتهددهما في هذا الإقليم المتوتر، وربما كانت في جانب منها تصب في إطار رغبة الكاظمي في إعادة إحياء الوساطة التي كان العراق قد بدأها بين طهران وواشنطن وتوقفت مع استقالة حكومة عادل عبد المهدي… فهل ينجح الكاظمي في تحريك المياه الراكدة؟
ربما تكون المهمة كبيرة وصعبة، لكن علاقاته المتميزة بغالبية دول الإقليم ربما تمنحه هامشاً افتقر إليه أسلافه ممن حاولوا التوسط بين الدولتين اللدودتين، وتؤهله لأداء دور الوسيط أفضل من غيره.
لكن بالنظر الى الاتهامات التي ترافقت مع تسمية الكاظمي ووصوله الى رئاسة الحكومة كمرشح مدعوم أميركياً، والتي لا يمكن أن تكون قد أتت من فراغ، بحسب بعض المراقبين، هل يمكن للكاظمي، الذي تربطه بالأميركيين وحتى بولي العهد السعودي محمد بن سلمان علاقات مميزة، أن يحظى بثقة إيران في شراكة إقليمية أو في وساطة مأمولة؟
المراقبون يرون عكس ذلك، حيث أن علاقات الكاظمي لا تعني أن له أي تأثير في كل من واشنطن والرياض، ومن غير المنطقي التوقع منه أن يكون قادراً على تغيير العداء تجاه الجمهورية الإسلامية أو حتى التخفيف منه.
بل كل ما في الأمر، أنه الكاظمي، الصحافي ورجل الاستخبارات السابق، يستطيع أن يكون حامل البريد بين المعسكرين وقد نقل رسالة إلى إيران مفادها ضرورة فك ارتباطها بالحلفاء من محور المقاومة، وهو مطلب يقف حائلاً دون إمكانية أي نجاج للمهمة المفترضة لرئيس الوزراء العراقي، فإيران ومن خلال التجارب السابقة، لم يسبق لها أن تخلّت عن حلفائها الاستراتيجيين.
Leave a Reply