في إطلالة سياسية مطوّلة عبر قناة الجديد اللبنانية ضمن برنامج “الحدث”، استضافت الإعلامية سمر أبو خليل رئيس تحرير صحيفة “صدى الوطن” العربية-الأميركية في الولايات المتحدة ورئيس اللجنة العربية-الأميركية للعمل السياسي (AAPAC) أسامة السبلاني، في حلقة عُرضت يوم الأحد في 16 تشرين الثاني 2025، خُصّصت لمناقشة المتغيرات داخل الولايات المتحدة وانعكاسها على الجالية العربية والواقع اللبناني.
تحوّل في المزاج الأميركي بعد فوز ممداني
استهلّ السبلاني حديثه من الداخل الأميركي، معتبرًا أن ما يجري اليوم في الولايات المتحدة هو تحوّل عميق في المزاج الشعبي والسياسي، تجلّى بوضوح في فوز زهران ممداني برئاسة بلدية نيويورك، إحدى أكبر وأهم المدن الأميركية سياسيًا واقتصاديًا وماليًا.
ورأى أن انتخاب ممداني، وهو مسلم ذو خطاب صريح في ملفات حساسة كفلسطين وإسرائيل، وبأغلبية مريحة أمام منافسه المعروف كومو، يشير إلى أن الشارع الأميركي لم يعد أسير الرواية التقليدية، بل بات أكثر استعدادًا لمنح الثقة لوجوه جديدة تعبّر عن تركيبة المجتمع الحقيقية، حيث لم يعد البيض يشكّلون سوى نحو 40% من السكان، مقابل 60% من الأعراق المتعددة والملوّنين.
من أوباما إلى ترامب… إلى ممداني
ربط السبلاني بين مسار التحوّل الحالي ومحطات سابقة، معتبرًا أن انتخاب باراك أوباما كان صدمة بالنسبة لجزء من البيض والتيارات اليمينية المتشددة، فكانت ردّة الفعل انتخاب دونالد ترامب رئيسًا، كرد فعل عكسي على وصول “الرئيس الأسود ذو الجذور المسلمة”، على حدّ تعبيره.
اليوم، يرى السبلاني أن انتخاب ممداني هو ردّ فعل جديد على مرحلة ترامب وما رافقها من خطاب متطرّف، وأن هذا التحوّل لن يقتصر على نيويورك، بل سيمتد إلى ولايات ومدن أخرى، خصوصًا في ضوء تغيّر التركيبة السكانية وصعود قوى جديدة داخل الحزب الديمقراطي، وعلى رأسها التيار التقدّمي (البروغريسيف).
غزة، السوشال ميديا، وانكشاف رواية الحرب
توقّف السبلاني مطولًا عند حرب غزة وما بعدها، معتبرًا أنها لعبت دورًا حاسمًا في كشف حجم الانهيار الأخلاقي والسياسي في التعاطي الرسمي الأميركي والغربي مع القضية الفلسطينية. وأشار إلى أن الأميركيين، بخلاف ما جرى بعد أحداث 11 أيلول 2001 وحرب العراق عام 2003، لم يعودوا يعتمدون فقط على الإعلام التقليدي، بل يشاهدون بأمّ العين على منصات مثل تيك توك وإنستغرام حجم الدمار والقتل والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
ورأى أن هيمنة اللوبي الإسرائيلي ومحاولاته الضغط العلني على السياسيين الأميركيين – إلى حدّ التهديد المباشر بإسقاط كل من يخالفه في الانتخابات – بدأت تُقلق المواطن الأميركي الذي بات يتساءل: “أين ديمقراطيتنا؟ وهل يمكن أن تُشترى بالأموال لصالح دولة أجنبية؟”.
صعود العرب والمسلمين في المشهد الأميركي
أشار السبلاني إلى أن التغيير لا يقتصر على نيويورك، بل يمتد إلى ولايات ومدن أخرى، خصوصًا ولاية ميشيغن حيث يتركّز ثقل الجالية العربية-الأميركية. ولفت إلى أن العرب الأميركيين:
-
حققوا انتصارات انتخابية في أكثر من 38 موقعًا بلديًا على مستوى الولايات المتحدة.
-
فازوا في ثلاث مدن أساسية في ميشيغن: هامترامك، ديربورن هايتس، وديربورن.
-
شهدوا صعود شخصيات مثل عبدالله حمود ومو بيضون وآدم الحربي وغيرهم، بنِسَب أصوات مرتفعة وصلت في بعض الحالات إلى نحو 70%.
كما كشف عن تطور نوعي في الحضور القضائي، مشيرًا إلى أن القاضي هلال فرحات بات نائب رئيس المحكمة في مقاطعة وين – كبرى مقاطعات ميشيغن وسابع أكبر مقاطعة في الولايات المتحدة – مع احتمال أن يتولى رئاستها لاحقًا، إلى جانب وجود عدد من القضاة البارزين منهم القاضية مريم بزة في محكمة الاستئناف.
برأي السبلاني، كل ذلك يؤكد أن الجالية العربية-الأميركية في حالة تقدم مستمر وتثبيت حضور في مراكز القرار، وأن هذا الواقع لا يُستثمر كما يجب من قبل الدولة اللبنانية.
الاقتصاد أولًا في حسابات الناخب الأميركي
رغم كل هذه التحولات السياسية والأخلاقية، شدّد السبلاني على أن العامل الحاسم في الانتخابات الأميركية يبقى الاقتصاد. فالناخب الأميركي، كما قال، يحسم موقفه بناءً على “ما يدخل إلى جيبه”، وليس على ملفات السياسة الخارجية.
وأشار إلى أن الغلاء المعيشي، وخصوصًا في كلفة المعيشة والمواد الغذائية، بات يرهق العائلات الأميركية، وأن وعود ترامب بإعادة شعار “أميركا أولًا” لم تتحقق على أرض الواقع، في ظل استمرار الإنفاق العسكري والحروب وتحوّل الذكاء الاصطناعي إلى عنصر يهدد الكثير من الوظائف التقليدية.
انتقاد لغياب الدولة اللبنانية عن الجالية في ميشيغن
انتقل السبلاني للحديث عن العلاقة بين الدولة اللبنانية والاغتراب، وخصوصًا في ميشيغن، معتبرًا أن هناك غيابًا فادحًا في التواصل الجدي مع الجالية، رغم كونها من أقوى الجاليات اللبنانية تأثيرًا على مستوى الولايات المتحدة.
وأشاد بعمل السفيرة في واشنطن والقنصل العام في ديترويت إبراهيم شرارة، لكنه انتقد غياب المبادرة من قبل المسؤولين السياسيين في بيروت، الذين – برأيه – يفضّلون لقاء شخصيات “لا تمثل قوة حقيقية على الأرض” بدل الانفتاح على القوى الفاعلة في ولايات مثل ميشيغن.
الضغوط الأميركية على لبنان… تهويل أم واقع؟
في محور لبنان، تناول السبلاني الضغوط الأميركية والعقوبات والتهديدات، سواء ما يُثار عن إمكان فرض عقوبات على رئيس مجلس النواب نبيه بري، أو التضييق المالي بحجة مكافحة تمويل حزب الله.
ورأى أن الكثير مما يطرح في هذا السياق يندرج في إطار التهويل أكثر مما هو واقع تطبيقي، معتبرًا أن:
-
حزب الله لا يُموَّل عبر القنوات المصرفية التقليدية كي تُجفّف مصادر تمويله بمجرد تشديد الرقابة المصرفية.
-
الحديث عن منع تحويل الأموال إلى لبنان يمسّ أولًا بالعائلات اللبنانية التي تعتمد على تحويلات المغتربين، وهو أمر يصعب تطبيقه بالكامل.
-
الخطورة تكمن في أن الدولة اللبنانية نفسها تستجيب أحيانًا لهذه الضغوط وتتشدّد في الإجراءات بما ينعكس سلبًا على الشعب بدل أن تحميه.
وشدّد على أن كرامة الدولة والشعب يفترض أن تكون خطًا أحمر، وأن على المسؤولين اللبنانيين أن يفرضوا احترامهم على الشركاء الدوليين، معتبرًا أن الأميركيين يحترمون من يحترم نفسه ويعرف كيف يدير مصالحه.
بين الحرب والاقتصاد وإعادة الإعمار
توقّف السبلاني عند سياسة منع إعادة الإعمار في مناطق الدمار، واعتبرها وجهًا آخر للحرب، مشيرًا إلى تجربة غزة ولبنان، حيث تُستخدم ورقة الإعمار للضغط على بيئة المقاومة بدل التعاطي مع الملف من منظور إنساني وإنمائي.
وكشف في هذا السياق أن مبادرات طبية وإنسانية قامت بها الجالية – مثل استقدام فرق طبية وإحضار تجهيزات مجانية لمستشفيات حكومية – اصطدمت أحيانًا بعوائق محلية وضرائب وجمارك، في حين أبدى الأميركيون أنفسهم تعاونًا لوجستيًا في نقل هذه المساعدات من الولايات المتحدة.
خاتمة: تقدمٌ مستمر ومسؤولية مشتركة
في ختام الحوار، وجّه أسامة السبلاني رسالة مزدوجة:
من جهة، طمأن الجالية العربية واللبنانية إلى أنها تتقدم بخطى ثابتة داخل الولايات المتحدة، سياسيًا وقضائيًا ومهنيًا، وأن نتائج الانتخابات الأخيرة في نيويورك وميشيغن وغيرها تؤكد هذا المسار.
ومن جهة ثانية، دعا الدولة اللبنانية إلى أن تتعامل مع هذا الحضور كقوة حقيقية يمكن أن تساند لبنان في أزماته، بدل الاكتفاء بالزيارات البروتوكولية أو اللقاءات الشكلية، مشددًا على أن العلاقة الصحيحة مع واشنطن تمرّ عبر شركاء يحترمون أنفسهم، ويُحسنون إدارة أوراق قوتهم، لا عبر الخضوع للتهويل أو الخوف من العقوبات.






Leave a Reply