قبل أسابيع، اعترف الكيان الإسرائيلي بقتل شاب فلسطيني في عمر الورود. قتله أحد المستوطنين اعتباطا بدون ذنب لمجرد أنه كان عابر طريق في بلدته الواقعة في وطنه. ولأن إسرائيل بلد ديمقراطي (كما هو معروف) فقد وصلت القضية الى المحكمة حيث “القضاء اليهودي النزيه” قضى ببراءة المقتول وجرمت اسرائيل بدمه وطالبتها بدفع ثمنه(!!). والثمن الذي قدّره القاضي الإسرائيلي للفلسطيني الشاب بلغ.. أقل من سنت واحد. يعني بهذه الأسعار المتهاودة تستطيع اسرائيل أن تقضي على كل الفلسطينيين بمئة دولار، وعلى كل العرب بألف دولار!
المصيبة أن يحدث كل هذا باسم السلام، وفي زمن السلام، زمن دولة اسرائيل التي تدعي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان الذي تتيح لها قتل الأطفال في بطون أمهاتهم، وإقفال المدارس والجامعات ونسف البيوت فوق رؤوس ساكنيها والتهديد والوعيد للعالم كله إذا تجرأ وسأل تلك الدولة الغاصبة: مين فرعنك؟ وبكل دبلوماسية سوف تجيب: لأنني لم أجد أحدا يردني!
بالفعل من يردها؟ لأن الأصول وحسب شريعة الغاب الدولية، تقتضي من أقوى دولة في العالم، المسؤولة عن أمن العالم وسلامته وراعية السلام في المنطقة، أن تأخذ بخاطر العرب قليلا. والحقيقة لم تجد أحدا من العرب يعترض أو يقول لا. فاسرائيل وأميركا ومعهما العالم كله يعرفون أن “لا” العربية تنفع وصلة في أغنية “هشّك بشّك”، ترقص عليها إحدى الراقصات: لا.. للا.. ليل يا عين.
العالم بأسره متأكد وعارف وفاهم أن المستوطنين من بني صهيون نشأوا على كره العرب منذ الصغر ورضعوا الحقد عليهم. ونفس هذا العالم الساكت والمتآمر والداعم لتلك العصبة المتعصبة يصدر الأوامر، للعرب الغلابة من المحيط الى الخليج، لتغيير مناهج دراستهم ودينهم وقرآنهم وأسلوب حياتهم، كل ذلك كرمال أم قرون استشعار عن بعد وأم عيون جريئة، دولة بني صهيون الكبرى.
ترى لو كان هؤلاء الغلابة، من المحيط الى الخليج، أذكياء وفهموا الدرس وعاملوا هذه الدولة بالمثل، هل كان ثمن الفرد الواحد منهم يساوي سنتاً واحدا فقط؟
الغريب والمبكي والمضحك الآن، أن العديد من مثقفي وكتاب أعمدة الصحف العربية يعلكون الكلام في تكرار ممل وسمج لحث الناس البسطاء العاديين ليهيموا حبا وشغفا ويتقبلوا دولة اليهود الكبرى بينهم، طالبين من الذاكرة العربية محو كل ما فيها من دموع وعذاب وشحن تلك الذاكرة بغرام لإسرائيل وبدون انتقام، لاننا نحن العين، خزاة العين، واسرائيل هي المخرز. وهل تقاوم العين المخرز؟
والحقيقة الناصعة التي غابت عن أولئك الكتاب المرفهين، أنه رغم التفوق الرهيب في السلاح الذي تملكه دول اليهود العظمى، ومعها أحدث ما أنتجته الترسانة الأميركية من تكنولوجيا الكترونية معقدة ورغم دعم الإعلام العالمي الطاغي لها، فقد هزمها صاروخ “كاتيوشا” سعره لا يتعدى بضعة دولارات يملكه “حزب الله”. وكانت من قبل قد أذلتها حجارة الانتفاضة الفلسطينية، هي التي فشلت فشلا ذريعا في إخماد تلك الانتفاضة الشعبية حتى تبرع الحكام العرب وأخمدوها بأنفسهم إكراما لخاطر دولة “أبناء العم”!.
هذا هو المشهد الآن، المقاومة “بالعين المجردة” لمخرز مدجج بكراهية النور والبصر والبصيرة، ولكن العبرة ليست بقوة السلاح، بل بقوة الحق. قوة الحقيقة الكامنة في القول التالي: “أنت قوي ولكنك على خطأ”. إسرائيل قوية ولكنها ليست على صواب، ولذلك فهي ضعيفة، والفلسطينيون والمقاومون أقوياء، لأنهم أصحاب حق.. “فلا نامت أعين الجبناء”!
Leave a Reply