هاهي السنة الحالية تُقبل على إقفال فصولها بما أفاضت علينا من خير أو أطبقت علينا من سواد الهموم، وأصبح الناس ينتظرون بفارغ الصبر نتائج التوقعات ممن يدعون معرفة الفلك وما تحمل إليهم السنة الجديدة من مفاجآت وتوقعات على جميع الأصعدة، فنراهم متسمرين أمام شاشة التلفاز في آخر يوم من السنة –كالعادة– وكل يريد أن يعرف ماذا سيحصل من هموم وكوارث في العالم ذلك لأن التفاؤل قد انقرض من عقول وأذهان الناس، والسعادة أخذت مسلكاً آخر بعيداً عن حياة البشر نتيجة لما نراه ونسمعه يومياً من مصائب وحوادث غريبة متلاحقة تأخذ بأحبتنا وأناسنا إلى نهايات مشؤومة دون أن تكون لديهم يد في حصولها.
وملاحقة الأبراج أخذت تستهوي الرجال والنساء بمختلف مستوياتهم الفكرية والاجتماعية، وجميعهم يرغبون في التوقف عند محطات الزمن المقبلة ليكتشفوا ما يحمل إليهم العام الجديد من أوضاع ومستجدات، وعلم التنجيم يختلف عن علم الفلك لكن الكثيرين يخلطون بينهما، ذلك أن علم الفلك يختص بعمليات الرصد والمسح السماوي والقياسات والحسابات المتصلة بها، فيما علم التنجيم المستند إلى الأبراج فيهتم بتأثير الكواكب على حظ الإنسان، وإن المنجم هو من يدعي معرفته بحظوظ الناس ومآلاتهم ومصير حياتهم، فكم من البشر وخاصة الفتيات المقبلات على الزواج يربطن مصيرهن بما يسمعنه من المنجمات اللواتي يظهرن على شاشة التلفاز.
هذا الكم الهائل من البرامج التلفزيونية المتزايدة لظاهرة المنجمين تلفت الانتباه، إلى جانب ما تخصصه الصحف والمجلات من حقل يتعلق بذلك حيث يترقبها متابعوها بكل شغف. أما في البرامج التلفزيونية المتعلقة بالتنجيم والأبراج فقد أصبح هناك ضيوف عرافات يظهرن أمام مقدم البرنامج ثم يتواصل سيل الأسئلة من قبل المتابعين وهم يستفسرون عن مصيرهم ومعرفة مستقبلهم ومديات فرصهم في العمل أو الزواج أو السفر فتأتيهم الإجابة وكأنها حاسمة وقاطعة، كما أن المنجمين كأنهم اكتشفوا أسرار الكون وملكوا مفاتيحه بين أيديهم.
المتزوجة المتصلة تأمل في أن تتأكد من أن ليست هناك شريكة لها بزوجها (وكأن هناك زوج بدون عشيقه). المنجمات يركزن دائما على الأخبار السارة نوعاً ما أما المنجمون فواقعيون أكثر!.
الأبراج لها مفعول السحر في نفوس الناس، خصوصاً في ربيع العمر، إذ يصب شغفهم في معرفة مستقبلهم وتوقع حصول الجديد في أي شأن كنوع من التفاؤل، بينما في مواقف الحياة الحرجة والصعبة يزداد اهتمام الأشخاص بالتوقعات سواء فيما يتعلق بالأمور الشخصية أو العامة التي تجري على ظهر كوكبنا.
هناك شريحة واسعة من الناس تتجه نحو الاهتمام بالأبراج لدرجة التقيد بها، خاصة الأبراج اليومية والشهرية التي يطالعنا بها العرافون، فيسلّم الكثيرون بما كتب لهم دون تفكير وكأنه كلام منزل من الوحي، وذلك إن دلّ على شيء فإنما يدل على ضعف الإيمان، بالإضافة إلى ما يسبقه من حقيقة الضحك على عقول السذّج من الناس، بينما في حقيقة الواقع إن مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا الله سبحانه، وكل من يدعي غير ذلك فهو غارق في الوهم والضلال.
امسكوا على عقولكم ولا تدعوا وقتكم نهب المضيعة في الارتكان إلى مثل هؤلاء الدجالين، إذ ليس هناك شيء يحدث في العالم إلا بعلم الله ومشيئته وقضائه وقدره، ولقد صدق الرسول وكذب المنجمون.
Leave a Reply