قلوبنا تشرئب إليك وألسنتنا تلهج بإسمك وعقولنا تسمو بذكراك ودموعنا تسيل مدراراً لا ينضب حباً لك وحزناً عليك يا أبا عبدالله، يا غريب كربلاء ويا فلذة أعظم خلق الله أجمعين، خاتم النبيين وحبيب رب العالمين أبا القاسم محمد (ص).
السلام عليك سيدي يا أبا عبدلله الحسين وعلى آل بيتك وعلى أصحابك وعلى انصارك، وعظم الله لنا الأجر بمصابك المبرح الأليم الذي إفتديت من خلاله دين محمد الأمين وأحدثت ثورةً دائمةً لا تهدأ ولا تستكين في سبيل إحقاق ألحق وإيصاله إلى مبتغاه وتخليص الدين الاسلامي العظيم من براثن الردة والظلامية والجاهلية والملكية الوراثية والشجرة الملعونة والبذرة النجسة التي ارادت أن تلعب بالملك فلم تؤمن بالله ولا بوحيه.
إن في قلوب الموالين لاهل البيت نار إيمانٍ متوقدة وحرارة لا تنطفىء وشعلة لا تخبو. فعدا عن “ثورة التوابين” وثورة “المختار الثقفي”، رضوان الله عليه، وثورة زيد بن علي وغيرها من الإنتفاضات ضدحكم بني أمية المجرم المغتصب، امتدت ثورة الإمام الحسين إلى كل العصور فكان، عليه السلام، نعمةً للبشرية جمعاء.
من منا لا يذكر كيف استعرت الثورة ضد بني صهيون عام ١٩٨٣ بعد إحتلال إسرائيل للجنوب عندما تم إحياء عاشوراء في مدينة النبطية وحاول جيب إسرائيلي تدنيس المناسبة بوجوده وسط الجموع الحسينية؟ لقد لقن هؤلاء الجنوبيون من أنصارالحسين، إسرائيل درساً بليغاً وطردوا جنودها شر طردة من المدينة في إنتفاضة حيدرية شعبية عارمة جعلت إسرائيل تقيم حواجز بحثاً عن المحرض … حيدر!
إلا أن الإمام الحسين ليس للشيعة فحسب أو لفئةٍ دون أخرى، كما أنه ليس ضد إسرائيل فقط. أنه قيمةٌ كونية شاملة وليست إسلامية محدودة بالزمان والمكان. ذلك أن التشيع، كما قال الإمام موسى الصدر رد الله غربته، حركة فكرية متحركة في إمتداد الزمان وليست مذهباً؛ انها تعني رفض الظلم ولو كان شيعياً!
فالامام الحسين هو بمثابة بركان للحياة الإنسانية، به تتجدد التربة المجتمعية وتتغربل وتتطهرمن الزوان والشوائب وهذا البركان الهادر هو متنفس البشرية الذي يمنعها من الإحتقان والإنفجار. البركان الحسيني هذا ينفض الأرض كل عامٍ حتى لا تصبح أرضاً قاحلةً وبلقعاً يابساً معدومة الخير والحياة. الإمام الحسين (ع) هو صنو الإستقامة الإنسانية الطيبة التي جبلت مع الانسان بالفطرة والسجية، وتوأم النزعة الإيثارية الخلقية من جانب الإنسان، فإذا نما هذا الجانب كان المرء من الفائزين والعكس صحيح. ذلك أن غرسة آل بيت محمد عليهم السلام موجودة في نفس كل إنسان وهي بمثابة مفاعل نووي من النور كأنه كوكبٌ دريٌ يوقد من شجرةٍ مباركة، والشقي الشقي هو من أطفأ هذا المفاعل النووي الروحي بارادته والرابح الفعلي هو من أضرم نار هذا النور الطاهر. والإمام الحسين (ع) هو دليل هذا النور وعينه.
على مر الزمن إحتاجت حركة التاريخ إلى من يسعفها بالنجده من السقوط المريع في براثن الحاضر الجغرافي والآنية الجامدة، فجاء للفرنسيين نابوليون وللروس ستالين، وللأميركيين جورج واشنطن لكن عصورهم انتهت بموتهم كما كانت هناك حضارات سادت ثم بادت. أما الإمام الحسين فإنه بقي رجل كل العصور والحضارات في التضحية والوفاء والتفاني والاخلاق والقيم والصبر والعطاء والبسالة والبطولة والأدب الرفيع والعفو والرحمة. لقد كان قربان الإسلام المحمدي الأصيل.
قال لي أحدهم لماذا البكاء على الحسين بعد كل هذه السنوات فالرجل مات رحمه الله فدعوه بسلام!
ما أغرب هذا المنطق الأعوج! إنه نفس منطق الذين ما أن توفي أعظم خلق الله محمد، تسارعوا إلى سقيفة بني ساعدة لتنصيب خليفة له والرسول لم يدفن بعد وأن كان سابقاً قد أوصى بمن يخلفه. وهذا المنطق هو أشبه بترهات مفتي السعودية الذي بق بحصة الباطل متقيئاً بكلام من نوع أن بيعة يزيد كانت شرعية وأن الحسين أخطأ عندما ثار عليه!
ثم اننا نبكي الحسين لأنه لم يمت بحادث إصطدام سيارة، ودموعنا التي تسيل بكل فخرٍ وإعتزاز من مآقينا هي مفتاح العاطفة المتجددة والمشاعر اللاهبة التي تشعر الانسان بتمايزه عن باقي المخلوقات فتجيش في صدره الأحاسيس والرحمة والآدمية. وعلى سبيل المثال أنظر إلى الشارع العربي الخامل المستكين الخانع أمام حكامه الموبقين، كيف توقفت اليوم أحاسيسه وتجمد تعاطفه مع قضية العرب الأولى ومع أطفال غزة ولبنان وباقي المدنيين العزل ولم يعد يذرف دمعةً واحدةً كما كان يفعل من قبل، أيام الأصالة والمروءه والنخوة العربية. لم تعد تتحرك ضمائر هؤلاء الناس أمام انهار الدماء والأهوال التي ترتكبها إسرائيل ضد البشر والحجر، كما تدمر عنفوانهم وشرفهم وكرامتهم “لعبة” كرة قدم. فمن يهتم اليوم بأطفال غزة ولبنان وكل العرب وبهموم الممانعة والصمود والتصدي إلا البكائين من أبناء الحسين الذين يحملون ذاك المفاعل النووي النوراني في قلوبهم؟
نقسم بالله العظيم بأن نحفظ هبة الله ونعمته التحررية من ربق المادة والجمود وأن نحافظ على ذكرى الحسين، بركان البشرية المنير إبن البشير النذير، وأن نبقى نبكي ونندب ونلطم على الإمام الحسين إلى أبد الآبدين. إنه لقسمٌ عظيم.
Leave a Reply