ها نحن قد دخلنا في شهر رمضان المبارك أعاده الله عليكم بالخير واليُمن والبركة، ويسّر لعلمائنا الأفاضل سبل الاتفاق على موعد مشترك وموحد للبدء بالصيام، والاحتفال بالعيد، وقد بات حتى الأفراد ضمن العائلة الواحدة يختلفون على موعد الإفطار.
إذا نظرنا ملياً إلى الصوم، فسنجده لا يقتصر على الطعام والشراب، بل إنه ينسحب على الصوم عن كل ما يغضب الله عز وجل، وذلك بما يتيحه لنا من الدرس البليغ في التعوّد على الصبر والاحتمال، فهو المناسبة التي تحمل قداستها في كسر شهوات النفس وصون اللسان وغض الطرف وصيانة السماع وبقية الجوارح، فيجب على المسلم أن يمتنع عن السباب والشتم وسوء التعامل مع الآخرين والابتعاد عن اقتراف الظلم جنباً إلى جنب الامتناع عن تناول الطعام والشراب ليتخذ ذلك سجية بعد الانتهاء من صيام الشهر الفضيل، فشهر رمضان هو الفرصة العظيمة لترويض الانسان على تجنب المعاصي وكف الأذى عن الغير وتطهير النفوس من الضغائن وتنقيتها من الأحقاد والخصومات طمعاً بالأجر والمغفرة والرضوان، فيسامح من أخطأ بحقه، مثلما يعتذر لمن تسبب لهم بالأذى فتصفو النفوس وتزول الأحقاد وتسود المحبة بين الناس.
شهر رمضان هو أحد أركان العبادات لدينا نحن المسلمين، وفيه أنزل القرآن الكريم على قلب محمد (ص)، وفيه خصّ الله عبادَه الصائمين بليلة القدر التي تُغفر فيها الذنوب وتتنزل الملائكة لتستغفر للصائمين، كما يتميز هذا الشهر الفضيل عن باقي الشهور حسبما وردنا عن المصادر الموثوقة عن الرسول الكريم (ص) بأن أبواب السماء تُفتح فيه إلى الجنة وتُغلق أبواب جهنم، كما ينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أدبر، كذلك على الله للصائمين العتق من النار خلال الشهر الفضيل.
وكما رصدنا فيما سبق ظاهرة تدعو إلى الأسف حقاً، مثل ازدياد نسبة المجاهرين بالإفطار دون حياء أو احترام لمشاعر الصائمين، وكأنّ أمثال هؤلاء لم يقرأوا الآية الكريمة التي تقول: {يا أيّها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصيامُ كما كُتِبَ على الذين مِن قبلِكم لعلّكم تتّقون* أيّاماً معدوداتٍ فمَن كان منكم مريضاً أو على سفَرٍ فعِدّةٌ من أيّامٍ أخَر} البقرة 183–184، وفي آية أخرى: {شهرُ رمضانَ الذي أنزِلَ فيه القرآنُ هدىً للناسِ وبيّناتٍ من الهدى والفُرقان فَمَن شَهِدَ منكم الشهرَ فليصُمْهُ ومَن كانَ مريضاً أو على سفَرٍ فعِدّةٌ مِن أيّامٍ أخَر يُريدُ اللهُ بكم اليُسرَ ولا يريدُ بكمُ العُسْر} البقرة 185.
إنّ سنة كاملة تمرّ ونحن نأكل ونشرب ما طاب لنا من الطيّبات، أليس من حقّ الله علينا أن نعطيه شهراً منها وهو خالقنا وإليه المصير؟ وبالصوم نتقرّب إليه وننعم برضائه وبجنته التي وعدَ بها المؤمنين.
ثمّ ألا تستحقّ معدتنا أن نعطيها الراحة لتنظيفها واسترخائها، وكم سمعنا وقرأنا عن منافع الصوم للمعدة والجسم عموماً، ولمن يجهل الفوائد الصحية المذهلة للصيام فأودّ أن أثبتها له بإيجاز، كممارسة صحية فعالة:
يساعد الصوم في التخلص من السموم وإفرازها خارج الجسم، ويساعد على معالجة التهابات المعدة، كما يساعد على تنظيم نسبة السكر في الدم، ويعزز الجهاز المناعي وخفض تخزين الدهون وزيادة حرقها مما يسهم في خسارة الوزن، وعند تناول الفواكه قبل أو بعد وجبة الإفطار فإنه يساعد على تعزيز المحتوى الغذائي للجسم من الفيتامينات والمعادن، كما أكد بعض الباحثين أن الصيام يساعد في التغلب على مشكلات الإدمان للنيكوتين والكافيين وغيرها، بالإضافة إلى أنه يضمن راحة الجهاز الهضمي، ولأنه يسهم في خفض مخاطر الإصابة بتصلب الشرايين بفعل خفض معدلات الهرمونات كالأدرينالين فهو بذلك يساعد على خفض مستويات ضغط الدم، ومن جانب آخر لوحظ أن الصيام يساعد على خفض الشهية نحو تناول الأطعمة الجاهزة، والإتجاه نحو الأطعمة الصحية المعدّة منزلياً.
إنه شهر عظيم تفيض البركة من كل جوانب أيامه، نهاره صيام وليله قيام، وذكر لله سبحانه، لما يجمع بين ما يريح الجسم وما يحمي القلب والروح والردع عن المنكرات والدفع لأعمال الخير ومساعدة الفقراء، أعاده الله عليكم بكل الخير والبركة كما على جميع الأمة الإسلامية والعالم، وأختتم بأن استميحكم العذر قرائي الأعزاء بانقطاعي عنكم حيث سأتفرغ في هذا الشهر الكريم للعبادة والدعاء للجميع بحسن العاقبة والحياة الرافلة بالعز والموفقية والسلام.
Leave a Reply