واشنطن – في أول مناسبة يخذل فيها الجمهوريون الرئيس دونالد ترامب في مجلس الشيوخ الأميركي، اضطر نائب الرئيس مايك بنس الثلاثاء الماضي إلى التدخل لترجيح كفة تثبيت وزيرة التربية الجديدة بيتسي ديفوس في منصبها بعد تعادل أصوات أعضاء المجلس (50-50) في ظل انقسام كبير بين مؤيدي تعيينها الذين يعتبرونها مناسبة لإجراء إصلاح تربوي شامل، وبين معارضيها الذين يعتبرونها معادية لنظام المدارس العامة.
وتوجه بنس إلى مبنى الكابيتول للتصويت كما ينص الدستور في حال تعادلت الأصوات، حيث وافق خمسون سناتوراً على تعيين ديفوس في حين اعترض عليها خمسون آخرون، علماً بأن عضوين جمهوريين، من أصل 52، انضما إلى الديمقراطيين في محاولة لتعطيل التعيين.
والمرة الأخيرة التي رفض فيها مجلس الشيوخ تعيين مسؤول في الإدارة الأميركية تعود إلى العام 1989، فيما أكد مسؤولون في مجلس الشيوخ إنها المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي يصوت فيها نائب الرئيس من أجل تثبيت مرشح وزاري من قبل رئيس الولايات المتحدة.
وديفوس هي امرأة تنحدر من عائلة ثرية في غرب ميشيغن، وقد قامت طوال العقد المنصرم بدعم وتطوير المدارس المشتركة (تشارتر) تحت شعار توفير خيارات متعددة للأهالي بدل الالتزام بنظام التعليم العام.
وكان زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر اعتبر في وقت سابق أنّ ديفوس تعدُّ «الأقل كفاءة في حكومة قليلة الكفاءة، إلى حدٍ تاريخيٍ»، وذلك خلال جلسة سعى فيها المشرعون الديمقراطيون لعرقلة تعيينها بالقاء خطابات متواصلة استمرت 24 ساعة.
أما المشرعون الجمهوريون الذين دعموا ديفوس، أكدوا أن وصول هذه الوزيرة الدخيلة على العمل الحكومي يشكل فرصة لإصلاح نظام التعليم العام الذي يعاني من قصور حاد مقارنة بدول متطورة أخرى. وفي أول تعليق لها منذ تثبيتها، طالبت ديفوس موظفي وزارة التربية بإيجاد أرضية مشتركة للعمل كفريق واحد بوضع «مصلحة الطلاب أولاً».
من ميشيغن
والوزيرة المعينة هي زوجة الملياردير ديك ديفوس صاحب شركة «أمواي» للنقل ومقرها غراند رابيدز، وقد ترشح سابقاً لحاكمية ولاية ميشيغن عن الحزب الجمهوري حيث خسر أمام الديمقراطية جنيفر غرانهولم عام 2006 ولا يزال يتمتع بنفوذ سياسي كبير في غرب الولاية ويعد من كبار مقدمي الأموال للحزب الجمهوري في ميشيغن، وقد موّل هو وزوجته الكثير من المرشحين ودفعا في الوقت نفسه مشروعهما لإصلاح النظام المدرسي. وتولت بيتسي ديفوس رئاسة الفرع المحلي للحزب الجمهوري.
مدارس التشارتر
وتشكّل ولاية ميشيغن مختبراً لإنشاء المدارس المعروفة بـ«مدارس التشارتر» (المشتركة)، وهي مدارس خاصة مدعومة جزئياً من الحكومة، وتقدم للتلاميذ بحسب مؤيديها «خياراً بديلاً» للمدارس العامة التي يحاربها المحافظون بسبب نفوذ النقابات فيها وعدم إمكانية تسريح المعلمين السيئين.
وعلى المستوى الوطني، أسست بيتسي ديفوس عام 2010 «جمعية الطفل الأميركية» بهدف مواكبة هذه الحركة من أجل «مدارس التشارتر».
وأثناء استجوابها في مجلس الشيوخ، رفضت الوزيرة المعيّنة رداً على سؤال ديمقراطية عضو في مجلس الشيوخ، بأن تتعهد بشكل واضح بـ«عدم خصخصة المدارس العامة ولا اقتطاع سنتاً واحداً من ميزانية التربية العامة». وقالت: «ليست كل المدارس مفيدة للتلاميذ الذين يتم توجيههم إليها»، مشددة على عزمها إعطاء «خيار» للأهل.
وتدعم ديفوس أيضاً الحركة المطالبة بـ«التعليم المنزلي»، وهو خيار يفضله العديد من المحافظين المسيحيين على المدارس العلمانية. وقالت «إنني على قناعة راسخة بأنه يفترض أن يمتلك الأهل إمكانية اختيار أفضل بيئة تربوية لأولادهم».
والجدير بالذكر أن وزارة التربية الفدرالية لا يمكنها أن تتدخل بشكل مباشر في النظام التعليمي الذي هو من صلاحيات الولايات والمجالس التعليمية المحلية. غير أن وزير التربية الأميركي يشرف على ميزانية سنوية قدرها 68 مليار دولار، مهمتها تنفيذ القوانين الفدرالية.
عرقلة ومماطلة
رغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على تنصيبه، لم تكتمل التعيينات في إدارة ترامب، والسبب الرئيسي يكمن في العراقيل التي يضعها الديمقراطيون في طريق الرئيس الجديد.
ومنذ تنصيب ترامب، يستخدم الديمقراطيون في مجلس الشيوخ كل الوسائل لتأخير تثبيت أعضاء إدارة ترامب، من مقاطعة الجلسات إلى طلب الحصول على معلومات إضافية، وتحديد مهل إجرائية، وكل وسائل المماطلة الممكنة… وتعتبر هذه العرقلة استثنائية ومخالفة للأعراف، لكنها تعكس حجم المعارضة الواسعة لوصول ترامب إلى سدة الحكم.
ومن أصل 15 وزيراً في إدارة ترامب، لم يثبت مجلس الشيوخ (حتى صدور هذا العدد)، سوى ستة وزراء (الدفاع، والأمن الداخلي، والخارجية، والنقل، والتربية، والعدل).
وفي مقارنة مع الرئيس السابق كان مجلس الشيوخ ثبّت 12 عضواً في إدارة باراك أوباما، في العام 2009، بعد مرور أسبوعين على تسلّمه الحكم، وجميع أعضاء إدارة جورج بوش الابن، في العام 2001.
وثبّت المجلس، أيضاً، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي)، والمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، اللذين يصنّفان على المستوى نفسه من أعضاء الحكومة.
وبرّر زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، أبرز معارضي ترامب، ذلك بالقول: «لم أرَ من قبل إدارة تضم هذا العدد الكبير من رجال المصارف وأصحاب الثروات الطائلة، مع هذا التضارب الكبير في المصالح والخبرة القليلة في المجالات التي سيتسلمونها».
Leave a Reply