مريم شهاب
نشطت مواقع التواصل الاجتماعي باحتفالات وتنويهات روادها بحلول شهر آذار، شهر المرأة العالمي. كأن المرأة منسية طوال شهور السنة، والواجب تذكرها في شهر واحد فقط، بينما واجبات المرأة قائمة كل يوم وكل ساعة.
مثل الكثيرين، قرأت، ولعدة مرّات عذابات طه حسين، الرجل الضرير في أيامه، في محاولاته لاختراق الحياة الأدبية والفكرية، في مصر وفي فرنسا، وإصراره على مقارعة الكبار الذين كانوا يشعُّون حول العالم خلال تلك العقود الذهبية، التي سميّت بالإجماع، عصر النهضة، وكان بحق هو عميدها.
كان حجة في اللغة العربية وحجة في اللغة الفرنسية، كان ذلك البصير عملاقاً عندما كتب أطروحته لنيل الدكتوراه في جامعة «السوربون» المرموقة، عن ابن خلدون.
كان مكتبة لا كاتباً، خصوصاً في الرواية والسيرة الذاتية، بعيداً عن الأسلوب الذي كتب به جيله. المفارقة أن زوجته فرنسية، هي من ساعدته في دأبه اليومي على بلوغ العمق اللغوي. العنصر الدرامي في حياته لم يكن الطفولة الصعبة التي حدثنا عنها في «الأيام»، بل في مرحلة التعرُّف على الصديقة الفرنسية التي أُغرمت بطالب عربي أعمى وتزوجت منه، تاركة حياة الرفاهية المريحة في باريس للعيش معه في القاهرة، سنداً وعوناً وعيوناً له كان يرى من خلالها الدنيا.
هو أمر محيِّر بدون شك، فالرجولة العربية لا تسمح بالبوح بالمشاعر الصغيرة تلك التي تنشأ منها أهم الأشياء وأخطرها: الزواج. كيف اختار طه حسين زوجتة؟ بأيّة حاسة، وعلى أي معطيات بنى قرار العمر؟ كيف درس طباعها؟ بل كيف أدرك الجوانب الأخرى كالخصال والعادات والجوانب الغامضة في كل امرأة؟
سوزان حسين كانت أكثر بساطة ومباشرة من كاتبنا العظيم، الذي سافر طالباً أعمى إلى باريس وعاد عميداً للأدب العربي. الطالب الذي كانت معرفته باللغة اللاتينية متواضعة جداً ولكنه أتقنها بطلاقة في أقل من أربع سنوات وحصل على إجازة ودبلوم في الدراسات العليا، وأنجز أطروحة دكتوراه في الثقافات القديمة.
سوزان حسين، المرأة الأجنبية، لم تكن تلبس الحجاب ولم تكن تصلي الصلوات الخمس ولم تكن تلبس العباءة ولم تتجنب الاختلاط بالرجال، لكنها كانت إنسانة. «كانت الملك القائم الذي حنَّ عليه فبدّله من البؤس نعيماً ومن اليأس أملاً ومن الفقر غِنى ومن الشقاء سعادة وصفواً»، هكذا وصفها حسين في آخر الجزء الأول من «الأيام» في رسالة كتبها لابنته.
سوزان طه حسين امرأة عظيمة لرجلٍ عظيم، فهل معقول أن تكون من حطب النار؟ سؤال أوجهه إلى أولي الفقه والدين!
Leave a Reply