ديترويت
التفاؤل الحذر وانعدام الثقة بإسرائيل، شكّلا السمة الأساسية لردود فعل المجتمع العربي الأميركي بمنطقة ديترويت الكبرى حول اتفاقية وقف إطلاق النار في قطاع غزة التي بدأت أولى مراحلها بتبادل الأسرى بين دولة الاحتلال وحركة «حماس»، بالتزامن مع توجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة للاحتفال بتوقيع الاتفاق، مطلع الأسبوع الماضي.
وكانت الاتفاقية التي وقعها زعماء مصر وقطر وتركيا والتي باتت تُعرف باسم «خطة ترامب للسلام في غزة»، قد نصت على وقف إطلاق النار فوراً بين إسرائيل و«حماس»، وإطلاق سراح الأسرى والرهائن، وفتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية، وبدء تنفيذ انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية، تمهيداً لتشكيل قوة دولية لمراقبة تنفيذ الاتفاق، ونزع سلاح المقاومة، وإعادة إعمار القطاع.
وفي السياق، وصف رئيس «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك)، أسامة السبلاني، الاتفاق بـ«الضبابي» الذي يسعى إلى إخراج دولة الاحتلال من المأزق التاريخي والأخلاقي الذي علقت فيه زهاء عامين كاملين من جرائم الإبادة المتواصلة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 70 ألف فلسطيني وتشريد معظم سكان القطاع، ناهيك عن الدمار الشامل في البنى العمرانية والصحية والاقتصادية.
وأعرب السبلاني عن خيبة أمله العميقة من فشل الدبلوماسية العالمية، بما فيها الدبلوماسية الأميركية، بتأخر وقف الحرب الوحشية في القطاع المحاصر برغم التضامن الشعبي والطلابي غير المسبوق حول العالم مع الحقوق الفلسطينية، لافتاً إلى أن إسرائيل المعروفة بتنصلها من المعاهدات والمواثيق الدولية لن تلتزم بهذا الاتفاق الذي «يساوي بين الضحية والجلاد»، والذي يتطلع في أحد مساعيه إلى تبرئة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من جرائمه المشينة بحق الفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين والسوريين خلال العامين الماضيين.
وقال السبلاني: «لقد وقّعت إسرائيل على اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان برعاية الولايات المتحدة، ولكن لا يمر يوم بدون أن تجدد اعتداءاتها على المدنيين اللبنانيين في الجنوب والبقاع وباقي المناطق اللبنانية الأخرى»، متسائلاً: «أهذا هو السلام الذي يطمح الرئيس الأميركي إلى إحلاله في قطاع غزة الذي تم تحويله إلى أكوام من الخراب والمآسي الإنسانية غير المسبوقة؟»، وأضاف: «أين هي حقوق الضحايا؟ هل هذا هو السلام الذي وعدنا به ترامب؟».
كما أبدى السبلاني أسفه لدعوات ترامب في الكنيست الإسرائيلي إلى العفو عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه اتهامات جنائية في إسرائيل منذ عام 2019، متسائلاً: «ماذا عن الجرائم التي ارتكبها نتنياهو بحق الفلطسينيين؟ ماذا عن قتل عشرات آلاف الأطفال والنساء والأبرياء، هل دماء هؤلاء الضحايا بلا ثمن؟».
وعلى غرار السبلاني، حذّر المدير التنفيذي لـ«المجلس الأميركي لحقوق الإنسان» عماد حمد من مراوغات «مجرم الحرب بنيامين نتنياهو»، المعروف بنقض الاتفاقيات والمواثيق التي أبرمتها الدولة العبرية في وقت سابق مع لبنان وسوريا، مما «يجعل تفاؤلنا بهذا الاتفاق يتراجع إلى أدنى الحدود»، بحسب تعبيره، مستدركاً: «لكن الأهم في هذه اللحظة المؤلمة من تاريخ شعبنا الفلسطيني، هو وقف الحرب لتخفيف المعاناة على سكان القطاع الذين تقطعت بهم السبل خلال العامين المنصرمين بعدما فشل العالم في حمايتهم من رصاص الإسرائيليين حتى بالقرب من المراكز الإغاثية».
ولفت حمد الذي يتحدر من أصول فلسطينية إلى محاولات إسرائيل المستمرة في قضم المزيد من الأراضي في الضفة الغربية بالتوزاي مع حربها الوحشية على قطاع غزة، معرباً عن خشيته من أن «تتفرغ دولة الاحتلال لمواصلة سياساتها العدوانية داخل وخارج فلسطين»، ومستبعداً أن تنخرط إسرائيل «في عملية سلام حقيقية في الأراضي المحتلة» كما تنص خطة ترامب.
وأوضح حمد بأن ترامب نجح في نهاية المطاف بإجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مبدياً توجسه من الرئيس الأميركي، «المعروف أيضاً بتقلباته على شاكلة مجرم الحرب نتنياهو»، وقال: «إن ترامب ونتنياهو شخصيتان متكاملتان ومتناقضتان في الوقت نفسه، فبينما يسعى الأول إلى تحقيق هوسه بنيل جائزة نوبل للسلام، يسعى الأخير إلى تحقيق الوعود التوراتية بإقامة إسرائيل الكبرى على حساب الحقوق الأساسية لشعوب المنطقة»، مضيفاً بالقول «نريد أن نصدق أن هذه فرصة حقيقية للسلام في المنطقة، لكننا لسنا متأكدين مما إذا كان هذا الأمر سيتحقق في حياتنا».
«الغدر» هو صفة إسرائيل الأساسية، أوضح رئيس منظمة «أطباء ضد الإبادة» الدكتور نضال جبور، مستهجناً سلوك الولايات المتحدة في «إحلال سلام يقوم على فرض الوصاية على الشعب الفلسطيني وحرمانه من المشاركة في تقرير مصيره الوطني»، واصفاً اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بـ«نوع جديد من الاستعمار». وقال: «إن اتفاقية السلام المزعومة، التي أبرمت بمشاركة بعض الدول العربية تمثل طوق نجاة لدولة الاحتلال من خلال عملية سلام شكلية على حساب الفلسطينيين لتحسين صورة إسرائيل المحاصرة شعبياً ولإنقاذها من المحاسبة القانونية والعدالة الدولية».
وأوضح الطبيب الفلسطيني الأصل، بأن إسرائيل لم تتأخر في التنصل من التزاماتها بموجب الاتفاق الجديد إذ سارعت منذ الأيام الأولى إلى الإخلال ببنود الاتفاق عندما «قامت بتقليص عدد شاحنات الإغاثة من 600 إلى مئة شاحنة يومياً»، متعامية عن الأوضاع الكارثية التي تتطلب إدخال مساعدات فورية ضخمة لإعانة السكان على العودة إلى الحياة الطبيعية.
ولفت جبور إلى أن دولة الاحتلال ماتزال تماطل في فتح معبر رفح ليس فقط أمام إدخال المساعدات، وإنما أيضاً لمنع خروج الحالات الإسعافية، وقال إن منظمة «أطباء ضد الإبادة» أحصت بالتعاون مع منظمات صحية وإنسانية ما يزيد عن 17 ألف حالة طبية داخل القطاع تستوجب العلاج السريع في الخارج.
وأشار جبور إلى أن المنظمة الطبية التي تضم مئات الأطباء حول العالم، تواجه مشاكل حقيقية تحول دون إسهامها في ترميم البنى الصحية في غزة، ومن بينها إقامة مشفى ميداني داخل «مستشفى الشفاء في مدينة غزة» لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الجرحى والمصابين، وقال: «لقد جمعت منظمتنا مليون دولار لإقامة المشفى الميداني ولكن إسرائيل لم تسمح لنا حتى الآن بالبدء بإنشائه».
واستدرك جبور بالتأكيد على أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة أشاع أجواء من الارتياح في أوساط الفلسطينيين «بعد عامين من جرائم التطهير العرقي»، وقال: «هذا خبر سار بلا أدنى شك، ولكن الاطلاع على حجم الكارثة الإنسانية التي خلفتها آلة الحرب الإسرائيلية في القطاع تضعنا أمام مسؤوليات مستدامة لمساعدة السكان الذين فقدوا بيوتهم وأحبائهم ومصادر أرزاقهم»، معرباً عن أمله في أن تنجح المساعي الدولية بإعادة الحياة الطبيعية لأهالي القطاع المنكوب في أقرب وقت.
مدير فرع «مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية» (كير) في ميشيغن، دواد وليد، عبّر عن أمله في أن «يصمد اتفاق السلام وأن ينعم سكان القطاع بالأمن والرخاء»، منتقداً افتقار خطة ترامب إلى رؤية تُمكّن الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير.
وقال: «بينما يعود سكان غزة، الذين عانوا من الألم والعذاب الذي لم يشهده أحد قط، إلى أنقاض منازلهم، من دون أن يتلقوا أي وعد بحقهم في تقرير مصيرهم، فلا توجد إمكانية لتحقيق سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط».
وأضاف: «السبب الجذري وراء العنف والتوتر في الشرق الأوسط هو الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وهذا في حد ذاته ما يحفز أعمال التطرف العنيف، وما لم تتوقف الحكومة الإسرائيلية عن احتلالها غير القانوني لأراضي الفلسطينيين، واعتداءاتها على الشعبين اللبناني والسوري أيضاً، فلن يكون هناك سلام طويل الأمد في تلك المنطقة».
في المقلب الآخر، استقبلت الجالية اليهودية في ميشيغن بمشاعر الفرح والترقب أنباء اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس»، وأخبار إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، وفي هذه المناسبة أقيمت مراسم احتفالية في «كنيس شير شالوم» ببلدة وست بلومفيلد. وقال الحاخام مايك موسكوفيتز: «لقد صلينا وأملنا أن يأتي هذا اليوم، وقسم منا لم يصدق أنه تحقق فعلاً»، معرباً عن أمله في استعادة ما تبقى من جثامين الرهائن داخل القطاع، في إشارة إلى صعوبة العثور على جثث القتلى تحت الركام.
من جانبه، رحّب فرع «رابطة مكافحة التشهير» في ميشيغن، بالاتفاق، وقالت إليسا شمير، المديرة الإقليمية للرابطة اليهودية: «إن مشاهدة مقاطع الفيديو والصور التي تُظهر لمّ شمل الرهائن مع أحبائهم هي لحظة ينتظرها شعب إسرائيل واليهود حول العالم بفارغ الصبر منذ عامين». وأضافت: «في الوقت نفسه، ننتظر بفارغ الصبر أيضاً عودة جثث جميع الرهائن من غزة، ونشارك عائلات الرهائن القتلى حزنهم وألمهم وهم يستعدون لوداع أحبائهم».
والجدير بالذكر أن منطقة ديترويت الكبرى، وتحديداً ديربورن، شهدت عشرات التظاهرات والفعاليات الاحتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي على غزة خلال سنتي الحرب.
Leave a Reply