من عظماء الرجال في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، الزعيم أبراهام لينكولن. عندما كانت أميركا منغلقة على نفسها، كان ضمن من خاضوا الحرب الأهلية دفاعاً عن قضية إنسانية تدعو إلى رفض استعباد الأفارقة السود.
وتعظيماً لولادته في شهر شباط، خصصت أميركا يوم الاثنين الثالث منه، يوماً رسمياً لرؤسائها العظام الروّاد في تاريخها. وفي هذه المناسبة، تنشط وسائل الإعلام الأميركية في الحديث عن الوجه الآخر لأولئك الروّاد الذين يفتقدهم العالم والولايات المتحدة هذه الأيام، بلا أدنى شك.
عندما كان أبراهام لينكولن محامياً ناشئاً، أراد أحد الأثرياء البيض أن يقاضي رجلاً فقيراً من السود على دينٍ قدره دولاران ونصف، فقط للانتقام منه. أنكر الفقير الدين ورفض دفعه. طلب الثري من لينكولن المحامي أن يترافع عنه، لكنه لم يكن ميالاً لتولي هذه القضية، فهي «لم تكن حرزانة» لصرف الوقت والجهد مقابل مبلغ مالي زهيد، ثم ما لبث أن قبل القضية بشرط أن يدفع الثري أتعابه عنها عشرة دولارات مقدماً. ووافق الثري المتغطرس لأنه أراد أن يمرِّغ أنف خصمه بالتراب انتقاماً، ودفع الثري الدولارات العشرة.
فماذا فعل لينكولن؟ ذهب إلى المُدَّعى عليه الفقير الأسود وأعطاه خمسة دولارات مشترطاً عليه أن يدفع دينه فوراً ويستبقي الباقي لنفسه. هكذا ربح لينكولن خمسة دولارات وربح الفقير دولارين ونصف، وأرضى غرور المدَّعي الثري.
وعندما رشّح الجمهوري لينكولن نفسه لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي ضد الديمقراطي ستيفن دوغلاس، نظَّم المرشحان سلسلة من الحفلات الانتخابية يظهران فيها معاً. وقد اشتهرت باسم مناقشات لينكولن–دوغلاس. وقد حاول الأخير بمرارة أن يثبت كيف كان لينكولن يعمل في شبابه بائعاً للويسكي في إحدى الحانات. بكل هدوء نهض لينكولن خلال تلك المناقشة وقال: إن ما ذكره مستر دوغلاس صحيح ولا أنكره، ولكني أحب أن أذكِّره بأنه كان في تلك الأيام من أفضل الزبائن عندي، وأستطيع الآن أن أقول أيضاً إنني ابتعدت عن تلك الحانة بينما لا يزال هو زبوناً فيها إلى اليوم!
أما خلال سنوات الحرب الفظيعة، بين الجنوب والشمال، فقد كان يجد في المرح تخفيفاً عن الألم: «لو لم أكن أضحك رغم الضغوط حولي ليل نهار لكان الجنون مصيري، وإنني أضحك حتى لا أبكي»، وأيضاً كان يجد سعادته في مقابلة أي إنسان يحمل التماساً لإنقاذ حياة إنسان آخر.
ومما يذكر عنه أيضاً أنه يحب سماع قصة عن سيدتين من أعضاء جماعة «الكويكرز» الدينية المتشددة عندما تقارنان بينه وبين المرشح الآخر، جيفرسون دايفيس، زعيم ثوار الجنوب، قالت إحداهن: «أعتقد أن جيفرسون سوف ينجح». فسألتها الثانية وما البرهان على ذلك؟ أجابت: «لأن جيفرسون رجل حريص على الصلاة». فردت الأولى قائلة: «ولكن لينكولن يصلِّي أيضاً»، عندها قالت الثانية: «أجل، لكن الله سوف يعتقد أن لينكولن يمزح»!
غير أن الأيام أثبتت أن لينكولن لم يكن يمزح ليصبح من عظماء رؤساء الولايات المتحدة الأميركية. ولكن عشاق العبودية وأعداء الحرية لم يمهلوه.. وقتلوه أثناء مشاهدته إحدى المسرحيات الهزلية. وهكذا هي الحياة من أبراهام لينكولن إلى دونالد ترامب.
Leave a Reply