نبيل هيثم
لو قدر للمجموعات الارهابية من تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» أن تسود في بلدة عرسال اللبنانية، لكانت الاعلام السود ترفرف في الارجاء اللبنانية.
لقد نجا لبنان من ان تقضمه تلك المجموعات، وتعلن بعض مناطقه امارات تفرض فيها شريعتها، وساعتئذ على لبنان السلام.
عرسال، تلك البلدة التي ارتبط اسمها بتوترات كثيرة شهدتها الساحة اللبنانية نظرا لاحتضانها خليطا من المجموعات المسلحة المعادية للنظام السوري والتي ناصبت «حزب الله» العداء، بحجة تدخله في الحرب السورية، شكلت خلال الاسبوع الماضي نافذة الداعشية الى لبنان، وكادت ان تلتف على خناق لبنان .. كل لبنان.
تلك المجموعات الارهابية دخلت من نافذة عرسال، واستباحتها ورفعت راياتها السود فيها وكادت تفرض لغة الدم والذبح وقطع الرؤوس. كان المخطط المرسوم ان تجعل تلك المجموعات من عرسال منطلقا لفتنة سنية شيعية طاحنة تبدأ ما بينها وبين محيطها الشيعي، وتمتد الى كل لبنان، لكن الجيش اللبناني كسر هذا المخطط واطفأ نار الفتنة في ملحمة خاضها العسكريون الذين استبسلوا واحبطوا بدمائهم «الغزوة الداعشية» لعرسال.
لقد سقط شهداء وجرحى للجيش، وخطفت المجموعات المسلحة 36 عسكريا ( 19 جنديا و17 عنصرا من قوى الامن الداخلي)، وحيال هذا الامر مسؤولية الحكومة اللبنانية والجيش مشتركة في استرداد الجنود.
«صدى الوطن» التقت قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، وحاورته حول الوضع في عرسال، على النحو الآتي:
– ماذا حصل فـي عرسال ؟
استطيع ان اقول ان لبنان نجا من كارثة في عرسال.
– كيف ؟
كان هناك مخطط شديد الخطورة على لبنان وكل ابنائه، ولو قيض لهذا المخطط ان ينجح لكان انهار لبنان وتخلخل كيانه. كانت المجموعات الارهابية تسعى لان تجعل من لبنان عراقا آخر وسوريا اخرى عبر اثارة الفتنة المذهبية ما بين السنة والشيعة، لكن الجيش ضرب تلك المجموعات وأحبط مخططهم. ولست ابالغ ان قلت اننا كسرناهم وغيرنا مجرى التاريخ.
– هل تعتقد ان المسألة انتهت عند هذا الحد؟
كما قلت، ما حققه الجيش اللبناني في معركة عرسال كبير جدا واكبر من ان يوصف، واعتقد ان كل اللبنانيين يدركون اهمية هذا الانجاز، ولكن في الوقت ذاته، لا اقول ان القصة انتهت، بل ان الخطر يبقى قائما، طالما ان تلك المجموعات ما زالت موجودة في الجرود، ويمكن ان تفكر بعمليات عدوانية في اي وقت. ومن جهتنا نحن في اعلى جهوزيتنا لمواجهتها ومنعها من تحقيق ما تريده في لبنان أي إحداث الفتنة بين اهله.
– ماذا كان مخطط الارهابيين؟
كان هدفهم تحويل عرسال الى رأس حربة ينطلقون منها لمهاجمة القرى الشيعية المجاورة لها، وذلك بهدف اثارة عاصفة مذهبية تدمر نارها كل لبنان، وتبعا لذلك، لكانت الفتنة الموجودة في العراق حاليا، قد انتقلت الى لبنان، فماذا يبقى من هذا البلد ساعتئذ؟.
– هناك من يحمل الجيش مسؤولية بدء المعركة فـي عرسال؟
ابداً، هذا الكلام غير صحيح على الاطلاق، لقد كان الهجوم على مراكز الجيش اللبناني مخططا مسبقا من قبل المجموعات الارهابية، وليس صحيحا ابدا ان توقيف المسؤول في احدى المجموعات الارهابية عماد جمعة هو الذي اطلق شرارة الهجوم والقتال، كان السبب باندلاع المعارك، فلقد القى العسكريون القبض عليه حينما كان يقوم بالترتيبات النهائية لبدء الهجوم، علما ان اعترافاته قادتنا الى توقيف عدد من الارهابيين في اماكن مختلفة من لبنان.
– يعني .. ان توقيف جمعة ليس السبب؟
ليس السبب، مجرد ان القينا القبض عليه شنت المجموعات الارهابية هجوما شاملا على كل مراكز الجيش في محيط عرسال، وكنا في هذا الوقت قد بدأنا التحقيق معه وادلى سريعا باعترافات خطيرة عن التحضير لعملية عسكرية واسعة النطاق في المنطقة، تستهدف مراكز الجيش في منطقة عرسال، وبعض القرى الشيعية القريبة من البلدة وتحديدا بلدة اللبوة، كما اشار في اعترافاته إلى تحركات مشابهة في منطقة عكار نزولا حتى البحر وكذلك في مناطق لبنانية اخرى.
– اين العسكريون المفقودون؟
عندما هاجمت تلك المجموعات مراكز الجيش, استخدمت مختلف انواع الاسلحة من مدفعية الهاون والرشاشات الثقيلة والقذائف الصاروخية وصواريخ «الكورنيت». وخاض الجنود معركة قاسية مع المسلحين، فسقط عدد من الشهداء والجرحى وفقد عسكريون، نعتقد ان المسلحين اقتادوهم الى احدى المغاور في الجرود على بعد بضعة كيلومترات من عرسال.
– هل ساعدكم «حزب الله» فـي استرداد المراكز من المجموعات الارهابية؟
ابدا, هذا الكلام ليس صحيحا، «حزب الله» لم يتدخل في هذه المعركة، سواءً بشكل مباشر او غير مباشر، لقد كان الجيش اللبناني هو المسؤول الوحيد في ارض المعركة، وقد قام الفوج المجوقل في الجيش بعمل جبار، وخاض معركة شرسة مع الارهابيين ودحرهم واسترد المراكز كلها واوقع خسائر كبيرة جدا في صفوف المسلحين تزيد عن 150 قتيلا و250 جريحا.
– كيف ستستردون العسكريين؟
هذه المسألة هي قضيتنا الاولى التي تعلو على كل الاولويات، فكما نحن اوفياء وامينون على دماء شهداء الجيش، وعلى كل جندي اصيب في ارض المعركة، فإن الجيش امين على قضية الجنود المفقودين، ولا ندخر جهدا ايا كان في سبيل استردادهم، ولا مساومة عليهم ولا على دماء الشهداء والجرحى العسكريين مهما كان الثمن ولا يمكن لهذه المسألة ان تطوى او تؤجل.
– والآن ماذا بعد؟
المعركة لم تنته، ومعركة الجيش مفتوحة مع الارهاب، وقرارنا الا نسمح له بأن يطأ ارض لبنان,, الآن استعدنا المراكز وحصناها وتحررت عرسال من الارهابيين، والجيش اصبح فيها وخلافا لكل ما يقال لم يحصل اي اتفاق مع المجموعات المسلحة لمغادرة عرسال خاصة واننا وجهنا اليهم ضربات عنيفة واسقطنا فيهم عددا كبيرا من القتلى اثناء انسحابهم. لقد دخل الجيش في كل اماكن انتشاره في جهوزية تامة تحسبا لأي طارىء في اي مكان في لبنان.
– طالما ان الجيش فـي استنفار عام، فهل يملك السلاح اللازم للمواجهة؟
الجيش في حاجة الى التسليح وتطوير قدراته بشكل دائم، ولكن هذا الوضع الطارىء يتطلب ان تتوفر للجيش قدرات وامكانات اضافية، ليس على صعيد الذخائر فحسب، بل الطائرات الحربية والمروحيات القتالية التي من شأنها ان تساند المشاة خلال العمليات العسكرية.
– الا تكفي هبة الثلاث مليارات دولار من السعودية لتسليح الجيش من فرنسا؟
ما زلنا ننتظر ان يصلنا السلاح.
– لماذا التأخير ؟
لست اعلم، ونحن انجزنا كل المطلوب منا واعددنا لوائح باحتياجات الجيش.
– وماذا عن المليار دولار التي جاء بها سعد الحريري من السعودية؟
للجيش حصته منها، وهي ضرورية لتنمية قدرات المؤسسة العسكرية.
– هناك من يضع لمعركة عرسال عنوانا له علاقة بالانتخابات الرئاسية فـي لبنان؟
المجموعات الارهابيبة كانت تحضر لكارثة على البلد، لكن الجيش كسر هدفها وقطع الطريق على محاولة تغيير وجه لبنان، بل ربما محو لبنان عن الخريطة كدولة. وهذا الكلام قلته في مجلس الوزراء بأنه لو انهزم الجيش امام المجموعات المسلحة في عرسال لكانت الفتنة السنية الشيعية قد اشتعلت في لبنان، ولوصل المسلحون الى اللبوة ولارتكبوا المجازر فيها، ولكانوا دخلوا الى عكار ومنها وصلوا الى البحر واعلنوا دولتهم، وهنا الكارثة. ولو انتصرت تلك المجموعات على الجيش فلن تكون هناك لا رئاسة جمهورية ولا رئاسة مجلس نواب ولا رئاسة حكومة , بل لكان لبنان بلا معالم لا سياسية ولا غير سياسية ولدخل في المجهول، وما قام به الجيش انه حافظ على بقاء لبنان وافشل اخطر مخطط يتعرض له بمحاولة تفتيته بالفتنة.
– هل انت خائف من الايام المقبلة ؟
لم نعتد الخوف، وهمنا هو لبنان والحفاظ عليه، وما دام الشعب مع الدولة ومع الجيش فلا يوجد اي خوف بل العكس انا مطمئن، صحيح أن الخطر يبقى قائما طالما ان الازمة مستمرة في سوريا وطالما ان هؤلاء الارهابيين ما يزالون في الجرد، ولذلك حربنا على الارهاب مستمرة ولن تتوقف، نحن نتعامل مع عدو غادر، يتهدّد كل اللبنانين، والرهان يبقى دائما على القوى المعتدلة في المجتمع اللبناني، وعلى التفاف كل السياسيين حول الجيش وحول لبنان الذي هو فوق الجميع.
– بماذا ترد على الاصوات التي وجهت انتقادات للجيش خلال معركة عرسال؟
الجيش قوي, محصّن، معنوياته عالية، لا يبحث عن اثمان لتضحياته وبالتالي لا يتأثر بأية حملة سياسية.
– ماذا تقول اخيرا؟
الارهاب حاول اغتيال لبنان هذا هو المخطط، وما يجب ان يكون معلوما ان الجيش خاض في عرسال معركة لبنان، كل لبنان وانتصر فيها ولو نجح مخططهم لا سمح الله، فهل كانت ستبقى دولة في لبنان؟، بل هل كان سيبقى لبنان؟، لقد خاض الجيش معركة بقاء لبنان والحفاظ على كيان لبنان .. وانتصر.
Leave a Reply