ديترويت، هامترامك
أقرّ قاضٍ في محكمة ديترويت الفدرالية، الثلاثاء الماضي، بدستورية مرسوم بلدية هامترامك الصادر عام 2023، حول تقييد نصب الأعلام والرايات ضمن الممتلكات العامة، في قرار يمهّد الطريق أمام المدينة للمطالبة بإسقاط دعوى قضائية تتهمها بالتحيّز ضد المثليين والمتحولين جنسياً.
وأوضح القاضي ديفيد لوسون بأن السياسات التي أقرتها هامترامك في عام 2023 تتسم بـ«الحيادية»، كما أنها «لا تنتهك التعديل الأول من الدستور الأميركي الذي يكفل حرية التعبير»، موضحاً في حيثيات الحكم الصادر في 15 تموز (يوليو) الجاري، بأن ساريات الأعلام العمومية ليست «منتدى للتعبير العام، بل منصة خاضعة لخطاب الحكومة».
ومن شأن قرار القاضي، أن يفسح الطريق أمام مدينة هامترامك للمطالبة بإسقاط دعوى تتهمها باستهداف أعلام المثليين والمتحولين جنسياً، وهو ما اعتبره مسؤولو هامترامك «نصراً تاريخياً» لقيادة المدينة التي دافعت بحزم عن حقها في تنظيم استخدام أملاكها العامة بما يحفظ الحياد السياسي ويجنب الانقسامات المجتمعية.
وزعمت الدعوى التي رفعها العضوان السابقان في «لجنة العلاقات الإنسانية بمدينة هامترامك»، روس غوردون وكاثي ستاكبول، بأن حكومة هامترامك قد خالفت القوانين الفدرالية وقوانين ولاية ميشيغن، وكذلك التعديل الأول في الدستور الأميركي الذي يضمن حرية التعبير، عندما أقرّ مجلس المدينة في حزيران (يونيو) عام 2023 مرسوماً إدارياً بإجماع أعضاء المجلس البلدي، وكلهم من المسلمين، بحظر الأعلام ذات الطابع السياسي أو العرقي أو الديني فوق الممتلكات العامة.
وبررت البلدية قرارها الذي أثار جدلاً واسعاً تعدّت أصداؤه ولاية ميشيغن، وعموم الولايات المتحدة، بالحفاظ على «حيادية» المدينة الأكثر تنوعاً عرقياً وإثنياً في ولاية البحيرات العظمى، عبر السماح فقط بنصب العلم الأميركي وعلم ولاية ميشيغن وعلم مدينة هامترامك وعلم أسرى الحرب، إلى جانب أعلام الدول التي يتحدر منها سكان هامترامك، مما يعني ضمنياً حظر «أعلام الألوان» التي أسهمت في عديد المناسبات بتوتير العلاقات بين مجتمع المثليين والمتحولين جنسياً وبين باقي الشرائح الاجتماعية ذات الميول المحافظة.
وجاءت الدعوى في أعقاب طرد غوردون وستاكبول من «لجنة العلاقات الإنسانية بمدينة هامترامك» بسبب تحديهما لقرار المدينة وقيامهما برفع رايات «ألوان الطيف» على سارية عمومية في شارع جوزيف كامبو الرئيسي في المدينة التي يشكل المسلمون المتحدرون من أصول يمنية وبنغالية أغلبية سكانها البالغ عددهم زهاء 27 ألف نسمة.
وطالبت الدعوى المؤلفة من 223 صفحة حكومة هامترامك بإلغاء القرار المتعلق بنوع الأعلام المسموح نصبها ضمن الممتلكات العمومية، كما طالبت بإعادة غوردون وستاكبول إلى منصبيهما، رغم أن المناصب في «لجنة العلاقات الإنسانية بمدينة هامترامك» تطوعية، وغير مدفوعة الأجر.
القاضي لوسون رفض بشكل صريح، الادعاءات التي قدمها المدعيان، غوردون وستاكبول، بأن سياسة الحظر كانت موجهة خصيصاً ضد مجتمع المثليين والمتحولين جنسياً أو أنها نشأت بدوافع دينية أو تمييزية، مؤكداً بأنه لا دليل قانونياً أو واقعياً يدعم تلك المزاعم. وقال إن قرار مجلس مدينة هامترامك بـ«حظر رفع أي علم باستثناء أعلام الدول (التي يتحدر منها السكان المهاجرون) والولايات وعلم المدينة هو إجراء قانوني يتوافق مع المبادئ الدستورية، ولا يحمل في طياته أي تمييز أو عداء تجاه أي فئة اجتماعية».
وأضاف لوسون بأن السماح برفع أعلام تمثل هويات أو مواقف سياسية واجتماعية مختلفة قد يؤدي إلى إثارة جدل سياسي مستمر داخل المدينة، ويفتح الباب أمام مطالب متضاربة من مجموعات متنوعة، وهو ما سعت المدينة لتجنبه عبر اعتماد سياسة موحدة ومنظمة للأعلام.
ولفت لوسون إلى أن القوانين المعمول بها تخوّل السلطات المحلية فرض قيود معقولة على نوعية الرسائل التي يمكن عرضها، طالما أن هذه القيود لا تستهدف فئة معينة أو رأياً محدداً، موجهاً انتقاداً ضمنياً للمساعي التي بذلها بعض السياسيين المحليين السابقين الداعمين للدعوى، حيث رأى القاضي أن محاولة استخدام المحاكم للطعن في سياسات مجلس منتخب ديمقراطياً يمثل اختلالاً في توازن السلطات، ويعتمد على أسس قانونية ضعيفة.
أما بخصوص الاتهامات التي تزعم بأن القرار مدفوع بمواقف دينية، «خاصة وأن جميع أعضاء المجلس من المسلمين الذي أدلى بعضهم بتصريحات تنتقد المثلية»، فقد رفض القاضي لوسون هذه الحجة، موضحاً أن «النية الذاتية للمشرعين لا تؤثر في مدى دستورية القوانين»، مضيفاً: «من المستحيل عملياً تحديد نية جماعية لهيئة تشريعية، لذا فإن الدستور لا ينظر إلى الدوافع، بل إلى النتائج والتأثيرات».
وخلص حكم القاضي إلى أن المرسوم لا يتضمن في نصه أي مضمون ديني أو تمييزي، بل إنه يسعى إلى الحفاظ على الحيادية العامة وتفادي الجدل المجتمعي، كما رفض لوسون النظر في حجة المدّعيَين المتعلقة بانتهاك «بند الحماية المتساوية»، معتبراً أن هذه النقطة لم تُعرض بشكل قانوني كافٍ في ملف الدعوى.
انتصار عظيم!
في منشور على صفحته بموقع «فيسبوك»، وصف رئيس بلدية هامترامك آمر غالب قرار المحكمة الفدرالية بـ«الانتصار العظيم»، وقال: «في القضية التي وقفت فيها الدولة العميقة بكل ثقلها ضد رئيس البلدية ومجلس المدينة.. اليوم تخسر الرهان»، مضيفاً: «لقد أثبتت الأيام أن عمدتكم كان في الجانب المشرق من التاريخ، في ظل دولة يحكمها النظام والقانون والقضاء العادل».
وأردف متابعاً: «سننتصر في القضايا الأخرى ضد الكذب والخداع والتزييف المفتعل من مراكز النفوذ والدولة العميقة في المدينة وخارجها، ثقوا بقيادتكم ولا تنخدعوا بالإعلام الزائف الذي يعمل على تشويه كل الإنجازات في مدينتنا».
وفي منشور آخر، نقل رئيس البلدية اليمني الأصل تعليق محامي المدينة عدي مروة على القرار الجديد، جاء فيه: «في انتصار تاريخي لرئيس البلدية غالب وحكومة المدينة، رفضت المحكمة الفدرالية جملة وتفصيلاً كل الادعاءات التي وجهتها مراكز النفوذ السابقة والخصوم السياسيون في الدعوى القضائية التي رفعت ضد رئيس البلدية آمر غالب وأعضاء المجلس البلدي بخصوص منع رفع أعلام المثليين وغيرها من أعلام الجماعات المختلفة في ممتلكات المدينة والأماكن العامة».
وأضاف: «لقد أقرت المحكمة بمنطقية وعدالة وقانونية القرار الذي اتخذه غالب والمجلس البلدي قبل عامين، بعدم رفع أعلام تخص جماعات معينة في الأماكن العامة وفي ممتلكات المدينة»، لافتاً إلى أن القرار الذي أصدره لوسون يؤكد التزام حكومة هامترامك بعدم التحيز ضد أية فئة.
وقال مروة –بحسب منشور غالب– إن «قرار المحكمة يمثل انتصاراً كبيراً لرئيس البلدية والمجلس البلدي في الصراع الذي بدأته مراكز النفوذ السابقة مدعومة من سلطات عليا ورؤوس أموال كبيرة ضد غالب منذ توليه المنصب قبل ثلاث سنوات»، مختتماً بالتأكيد على أن الوقت قد حان «للمطالبة برد الاعتبار والاعتذار لرئيس البلدية وحكومة المدينة والتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية والنفسية التي لحقت بهم من جراء الهجوم الإعلامي والقضائي والسياسي غير المبرر، فضلاً عما سببه ذلك من خسائر وإرباكات وانقسامات وفوضى داخل المدينة».
Leave a Reply