يبدو أن مفاعيل التحالف الاستراتيجي بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» لم تسرِ حتى الآن على قانون الانتخاب، الذي اختلفت المقاربة في شأنه بين الحليفين، في ظل تمسك «الحزب» باعتماد النسبية الكاملة على أساس لبنان دائرة واحدة أو دوائر عدة، بينما لا يتحمس «التيار» لهذا الطرح ويفضل عليه القانون المختلط الذي يجمع بين النسبية والنظام الاكثري في وعاء واحد.
وقد أتى المشروع الاخير لوزير الخارجية جبران باسيل، تحت مظلة «المختلط»، ليعكس بوضوح، التباين الانتخابي بين «التيار» و«الحزب» الذي رفض عبر «الدبلوماسية الناعمة» الصيغة المطروحة واقترح أن يجري تعديلها بطريقة تؤدي عمليا إلى انتاج قانون جديد، بعدما تبين له أن ما طرحه باسيل لا يراعي مصالح حلفاء «الحزب»، وفي طليعتهم رئيس «المردة» النائب سليمان فرنجية إلى جانب شخصيات سنية ودرزية، بينما يصر رئيس «التيار الوطني الحر» على مشروعه باعتباره يسمح للمسيحيين بايصال قرابة 58 نائباً بأصواتهم الصافية إلى مجلس النواب، مع انفتاحه على القبول بتعديلات، لا تبدل في جوهر طرحه وركائزه.
وبرغم أن «حزب الله» يستطيع، كقوة شيعية، أن يتكيف مع أي قانون انتخابي، إلا أنه يتجاوز في موقفه حدود حساباته الحزبية، ليطل على المساحة الأوسع، وبالتالي فهو لا يبدي أي استعداد للمهادنة فيما يخص أحجام حلفائه وحقهم في أن يكون لهم تمثيلهم في المجلس النيابي، منطلقاً من الحيثيات التي يمثلها هؤلاء في بيئاتهم، ومن حاجته إلى وجود عمق حيوي له في السلطة التشريعية عبرهم.
نصيحة
تنصح شخصية سياسية في «8 آذار»، ومقربة من «حزب الله»، بأن يقارب «التيار الوطني الحر» قانون الانتخاب من زاوية مغايرة لتلك التي ينطلق منها في المشاريع التي يقترحها والنقاشات التي يشارك فيها، لافتة إلى أن المعيار الطائفي المعتمد كركيزة لبعض الطروحات يشكل أصل المشكلة وليس مقياس المعالجة المفترضة، لأن انتخاب كل طائفة لنوابها حصراً، كما هو مقترح في الشق الأكثري من اقتراح باسيل، لا يمكن أن يكون هو الحل الجذري والحقيقي لإشكالية التراجع في عدد المسيحيين.
وتشير هذه الشخصية إلى أن الخلل المتفاقم في التوازن العددي بين المسلمين والمسيحيين لا يُعالج بالتصويت الطائفي وفق فلسفة القانون الأرثوذكسي الذي يحاول شراء الوقت وتقطيع المراحل.
وتلفت الشخصية ذاتها الانتباه إلى أن الواقع الديموغرافي المعروف لا يُواجه بالتقوقع المسيحي في المربعات الطائفية والمذهبية وإنما بالتمدد الايجابي نحو البيئات الأخرى، مشيرة إلى أن الزعيم المسيحي الوطني قادر على التعويض عن الخلل الديموغرافي بالانفتاح على المكونات اللبنانية واستمالة شرائح فيها.
وتلاحظ تلك الشخصية أن الخطاب الاصلاحي والتغييري الذي اعتمده العماد ميشال عون عند عودته إلى لبنان نجح في اختراق الأوساط الإسلامية وتمكن من عبور خطوط التماس الطائفية، حتى أصبح له أنصار في صفوف الطوائف الإسلامية، الأمر الذي أكسبه بُعداً وطنياً يتجاوز حدود البيئة المسيحية.
ترى الشخصية إياها أنه يُفترض بـ«التيار الوطني الحر» أن يبني على هذا الخطاب بدلاً من أن يبالغ في ابراز الحساسية أو الخصوصية المسيحية على حساب الرصيد الوطني الذي استطاع أن يصنعه تحت شعار بناء الدولة ومكافحة الفساد، مشيرة إلى أنه كان بمقدور «التيار» لو تمسك بالادبيات العابرة للطوائف أن يأتي بعدد من النواب بأصوات شيعية وسنية ودرزية، بدل الاكتفاء بالأصوات المسيحية والذي يدفعه إلى الانغلاق.
وتحذر الشخصية، المُشارِكة في مفاوضات قانون الانتخاب، من أن لعبة الأرقام خاسرة بالنسبة إلى المسيحيين على المدى الطويل، ويجب استبدالها بحكمة سياسية تعطل مفعول التفاوت بين الأعداد وبالتالي تستبدل الرقم بضمانات وطنية متبادلة، من شأنها أن تشكل حماية للجميع.
تمسك بالنسبية
تلفت تلك الشخصية الانتباه إلى أن مقولة أن النسبية الكاملة تساوي الديمقراطية العددية التي من شأنها أن «تجرف» حقوق المسيحيين ليست صحيحة، لان الحقائق الموضوعية تفيد بأن المسلمين ليسوا كتلة واحدة بل هناك انقسامات بينهم، في حين أنه يجري تقديم المسيحيين عبر بعض الطروحات الانتخابية المقدمة باعتبارهم كتلة واحدة، وهذه نقطة قوة لهم.
وتعتبر الشخصية البارزة في «8 آذار» أن واحدة من أهم مفاعيل النسبية أنها تضع حدوداً للقدرة على استخدام الأرقام وتوظيفها في تحقيق غلبة أو أرجحية معينة، منبهة إلى أن النظام الاكثري هو أشد خطورة من النسبية على القلقين من الطغيان العددي، لأنه يسمح لأي قوة لديها أغلبية بسيطة بان تحصل من خلال 51 بالمئة من الأصوات، على كل المقاعد.
وتؤكد هذه الشخصية أن النظام النسبي الشامل سيؤدي إلى تراجع حصة الثنائي أمل–حزب الله ما نسبته أربعة إلى خمسة مقاعد، بينما من الصعب أن يحصل ذلك مع «الاكثري» أو «المختلط». وتوضح الشخصية أن ما يهم الثنائي الشيعي بالدرجة الأولى هو ضمان حق حلفائه السنة والشيعة والدروز في الحصول على فرصة لترجمة أحجامهم الموضوعية، نيابياً.
Leave a Reply