عماد مرمل – «صدى الوطن»
يحرص الرئيس ميشال عون على التأكيد أن الحكومة الاولى في عهده ليست الحكومة التي تشبهه، وإن كانت مراسيمها تحمل توقيعه. بهذا المعنى، يبدو الجنرال وكأنه مضطر خلال الفترة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقبلة، الى تصريف أعمال الجمهورية، في انتظار أن تسمح صناديق الاقتراع بإعادة تكوين السلطة على أساس مجلس نيابي جديد، يصحح التمثيل الشعبي، ويضخ دماً جديداً في عروق الدولة المتيبّسة.
من الواضح أن عون لا يراهن كثيراً على الحكومة الجديدة، ولا يحمّلها أكثر مما تحتمل. بالنسبة إليه، لن تستطيع أن تصنع المعجزات وهي المحكومة بتوازنات المرحلة الماضية، بكل موروثاتها وتعقيداتها التي يختصرها المجلس الحالي، الممدد له، والذي يُفترض أن تنتهي ولايته في شهر أيار المقبل، ما لم يخترع «سحرة» النظام أسباباً، والأصح أوهاماً، تبرر التمديد مرة أخرى.
أقصى ما يطمح اليه الجنرال ومعه اللبنانيون هو أن تتمكن هذه الحكومة من وضع قانون انتخاب عادل، يعكس الارادة الشعبية بأفضل طريقة ممكنة، ويطلق الدينامية المفقودة في مؤسسات السلطة، من خلال تجديد الطبقة السياسية التي ستواكب العهد على مدى ست سنوات.
صحيح، أن هناك الكثير من الملفات الحيوية العالقة التي تحتاج الى معالجة سريعة، على المستويين الاقتصادي والخدماتي، كونها تقع على تماس مباشر مع المواطنين، لكن الواقعية تقتضي الاعتراف بأنه لا يمكن إيجاد حلول جذرية لهذه الملفات المزمنة والمتراكمة بواسطة «عدة شغل» قديمة ثبت عدم جدواها في التصدي لهموم الناس. وليس أدل على ذلك من أن الحكومات المتعاقبة أخفقت في مواجهة أزمات الكهرباء والمياه والبطالة والسير والفساد، بل أن الرئيس تمام سلام ذهب بعيدا في صراحته، واعترف أن حكومته كانت الاشد سوءاً والأكثر فساداً.
ولأن رئيس الجمهورية ملزم بالبناء على معادلات المجلس النيابي الحالي، فإن هامش «الاصلاح والتغيير» الذي يستطيع أن يتحرك بين حديه، قبل الانتخابات النيابية، هو ضيق جداً، وبالتالي لا يسمح برفع سقف التوقعات كثيراً، خصوصاً أن تشكيل الحكومة انطلق من القواعد ذاتها التي كانت تُعتمد سابقا في التأليف، وهي المحاصصة والمساومة والأنانيات والمحسوبيات.
الوقت يضيق
ولكن.. هل ستقبل الطبقة السياسية بانتاج قانون انتخاب عصري وعادل، تكون النسبية ركيزة له، مع ما يعنيه ذلك من تراجع في نفوذها ومكاسبها وصعود لقوى أخرى، عانت طويلاً من التهميش بفعل النظام الأكثري الذي أطلق العنان للمحادل والبوسطات على حساب التنوع في التمثيل؟
ما هو أكيد حتى الآن، أن الوقت يداهم الطامحين الى قانون يلبي الحد الأدنى من طموحات اللبنانيين، لاسيما أن موعد الانتخابات هو من حيث المبدأ في أيار المقبل، ما يعني أن الفسحة الزمنية تضيق يوماً بعد يوم أمام المراحل الإلزامية التي تسبق حُكماً الاستحقاق المرتقب، من انجاز المفاوضات الصعبة للتوفيق بين حسابات الاطراف المتباينة، مروراً بوضع الحكومة مشروع القانون، وصولاً الى إحالته الى مجلس النواب لدرسه وإقراره، ومن ثم تكييف الموظفين المعنيين وكوادر الأحزاب والناخبين مع النظام الانتخابي الجديد، خصوصاً إذا أتى مركباً، بحيث يجمع بين الأكثري والنسبي، كما هو متداول.
ولا تستبعد بعض الأوساط السياسية أن يتم في هذه الحال اللجوء الى التمديد التقني لمجلس النواب، بضعة اشهر، من أجل استكمال التحضيرات اللوجستية والتقنية لتطبيق القانون الجديد وتجهيز الارضية الضرورية له، على أن تُدرج مدة التمديد في مادة واضحة ضمن القانون.
وبرغم أن معظم الاطراف الداخلية تنادي علناً بضرورة إقرار قانون انتخاب متطور، يُحسّن «نسل» التمثيل النيابي، إلا أن هناك شعوراً سائداً لدى شريحة واسعة من اللبنانيين بأن الطبقة السياسية الحالية لن تملك شجاعة الخضوع الى اختبار ديمقراطي نزيه ومنصف قد تؤدي نتائجه الى تحجيمها، وهي في الوقت ذاته لا تجرؤ على التمديد مجدداً للمجلس الراهن، خشية من الانعكاسات المحتملة على الشارع، إضافة الى أن الرئيس عون الذي كان من أشد المعارضين للتمديد النيابي وتقدم بطعن ضده أمام المجلس الدستوري في أيام رئاسته لتكتل التغيير والاصلاح، لن يقبل بإعادة استنساخ هذا الخيار المضاد للديمقراطية، مع انطلاقة عهده، لئلا تكون البداية هي.. النهاية.
وعليه، تتفاقم الخشية من الاحتكام مجدداً الى قانون الستين، بعد تغطية بعض «تجاعيده» بحقن من الـ«بوتوكس»، وذلك باعتباره النافذ دستورياً في ظل غياب أي بديل آخر، الأمر الذي من شأنه أن يعيد انتاج الطاقم السياسي الحالي، مع بعض التعديلات التي ستفرضها التحالفات المستحدثة، وأهمها التحالف بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والذي سينعكس بشكل أساسي على توزّع المقاعد المسيحية.
بمعنى آخر، فإن إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين سيشكل ضربة لكل الطموحات الاصلاحية التي افترض الكثيرون من اللبنانيين أن عون يستطيع تحقيقها من موقع رئاسة الجمهورية، إذ أن أي مشروع تغييري مناهض للفساد وناهض بالدولة، لا يمكن أن يترجم الى فعل، من دون أن تكون له بيئة حاضنة في المجلس النيابي وفي الحكومة التي يفرزها المجلس، لاسيما أن صلاحيات رئيس الجمهورية بموجب اتفاق الطائف لا تسمح له بأن يحقق الكثير لوحده، بل يحتاج الى شركاء.
Leave a Reply