عندما تُرتكب أية جريمة قتل فـي الولايات المتحدة ترتعد فرائص العرب والمسلمين الأميركيين وتنحبس أنفاسهم خوفا من أن يكون القاتل عربياً أو مسلماً، لأنه فـي مثل هذه الحالة فإن الإعلام الأميركي لن يوفر فرصة لتسعير خطاب الكراهية والتمييز، ودائما تحت عناوين التخويف من الإرهاب.
وفـي حالة هجوم مدينة سان برناردينو بولاية كاليفورنيا الذي أودى بحياة 14 شخصاً وقعت «الكارثة» التي كان يتحسب لها عرب ومسلمو أميركا بعد كل حادث قتل جماعي فـي البلاد خشية أن يكون منفذ الهجوم مسلماً.
فالإعلام الأميركي الذي غطى الهجوم المسلح فـي ولاية كولورادو الذي أودى بحياة أربعة أشخاص بوصفه جريمة جنائية ارتكبها قاتل مهووس دينيا، فـيما تناولت معظم وسائل الإعلام جريمة كاليفورنيا من زاوية أخرى، زاوية الإرهاب، لمجرد أن اسم الجاني ذو دلالات إسلامية (سيد فاروق)، حيث نشط الإعلاميون وبعض السياسيين بلا كلل أو ملل على إسباغ صفة الإرهاب على العرب والمسلمين، ليس فقط هؤلاء الذين يعيشون فـي بلدانهم الأصلية فـي العالمين العربي والإسلامي، وإنما أيضاً على عرب ومسلمي أميركا الذين أصبحوا فـي دائرة الاتهام أكثر من أي وقت آخر، لاسيما بعد هجمات باريس الإرهابية.
وفـي هذا السياق، ليس مستغرباً -وإن كان صادماً- العنوان الذي خرجت به صحيفة «نيويورك بوست» على خلفـية تغطيتها لجريمة سان برناردينو تحت عنوان عريض: قتلة مسلمون!
إن المحاولات الدؤوبة المتبعة من قبل معظم وسائل الإعلام الأميركية وبعض السياسيين الأميركيين، لا يتمثل خطرها فـي إشاعة وتعميق ثقافة الكراهية والتعصب ضد العرب والمسلمين، وإنما فـي كونها تخلق أعذارا ومبررات لتقاعس الحكومة الأميركية عن الاضطلاع بواجباتها الأخلاقية والسياسية حيال الكوارث والمآسي الإنسانية فـي منطقة الشرق الأوسط، رغم كونها لاعباً أساسياً فـي خلق تلك الأزمات.
لقد شكلت هجمات باريس الإرهابية، الشهر الماضي، سبباً واضحاً -ويكاد يكون وحيداً- فـي إعادة رسم السياسات المتعلقة باستقبال اللاجئين السوريين وإعادة توطينهم على الأراضي الأميركية بدعوى المخاوف والهواجس الأمنية والتهديدات المحتملة التي يمكن أن يشكلها القادمون الجدد على أمن المواطنين الأميركيين. ومايزال أكثر من 30 حاكماً من حكام الولايات المتحدة متصلبين بشأن قبول الهاربين من جحيم الحرب فـي سوريا رغم التطمينات التي تقدمها لهم الحكومة الفدرالية بشأن الإجراءات المتبعة فـي عملية التدقيق الأمني.
ومن المتوقع أن يؤدي اعتداء كاليفورنيا إلى تشديد الإجراءات الأمنية على العرب والمسلمين، كما أن بعض المعلومات التي حصلت عليها «صدى الوطن»، تشير إلى أن السلطات الأميركية تعمل على تشديد اجراءات منح تأشيرات الدخول للأجانب الذين زاروا بلداناً معينة (سوريا، العراق، إيران، السودان)، إضافة الى فرض تأشيرات الدخول على مواطني البلدان المعفـية من الفـيزا مثل دول الاتحاد الأوروبي.
أما من الناحية النظرية، وفـيما يتعلق بظاهرة «الإرهاب» فـيبدو أن الأميركيين -من ساسة ومنظرين وإعلاميين- غير معنيين بتعريفها تعريفا أكاديميا يمكّن المراقبين من تصنيفها بشكل علمي دقيق، ذلك أن الأميركيين يعتمدون -وبشكل يدعو إلى الريبة والسخرية- على عقيدة الجاني ولون بشرته كعامل حاسم لتحديد طبيعة جرائم القتل الجماعي، وتحديد ما إذا كانت جريمة ما جنائية أم إرهابية. فإذا كان القاتل مسلما أو أسمر البشرة فالجريمة إرهابية وإن كان القاتل مسيحيا أو أبيض البشرة فالجريمة هي مجرد حادثة جنائية ارتكبها أحدهم.
فعلا، ما هو تعريف الإرهاب؟ لقد عرفت الحكومة الفدرالية الإرهاب بأنه العنف الذي يهدف إلى التأثير على السياسات الحكومية بالإكراه عن طريق مهاجمة المدنيين وترويعهم. ولكن لماذا نجا الأميركي الأبيض جو ستاك من تهمة الإرهاب بالرغم من أنه قام بتفجير طائرته الصغيرة فـي مبنى مصلحة الضرائب فـي مدينة أستون بولاية تكساس بدوافع سياسية قبل أكثر من عقد من الزمن؟
وفـي أعقاب حادثة كاليفورنيا، رفع أميركيون بينهم أساتذة أكاديميون منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تثبت أن تعريفهم للإرهاب يرتبط بلون ومعتقد الجناة، فقد غرّد أستاذ للعلوم السياسية فـي «جامعة سانتا كلارا» بالقول: نريد أن نعرف لون بشرة المشتبه بهم قريبا حتى نتمكن من تحديد ما اذا كان مطلقو النار فـي سان برناردينو إرهابيين أم لا.
كما نشر متصفح آخر، بعد فترة وجيزة من الإفراج عن اسم المشتبه به للإعلام، صورة للقرآن الكريم وكتب تحتها تعليقا يقول: «تم العثور عن الدافع».
أما نحن.. فلم نتمكن حتى الآن من العثور عن الدوافع التي تربط بين الإرهاب والإسلام باعتبارهما توأمان سياميان لا ينفكان عن بعضهما البعض!
Leave a Reply