ديربورن
رغم النتائج التاريخية التي تمخضت عن الانتخابات البلدية الأخيرة بمدينة ديربورن، إلا أن تساؤلات كثيرة أثيرت حول دلالات نتائج صناديق الاقتراع، سواء من حيث نسبة الإقبال على التصويت وانعكاسها على وصول أول عربي وأول مسلم لرئاسة البلدية، أو من حيث نتائج سباق المجلس البلدي الذي أسفر عن فوز أربعة مرشحين من أصول عربية من جملة سبعة مقاعد، كما أسفر عن خسارة جميع المرشحين اليمنيين وحلولهم في المراتب الأخيرة، وهو ما حاول البعض استغلاله لاتهام الناخبين من الجاليات العربية الأخرى بعدم التصويت للمرشحين اليمنيين.
في النتائج، حقق المرشح اللبناني الأصل، عبدالله حمود، إنجازاً تاريخياً بانتخابه كأول عربي وأول مسلم يفوز برئاسة بلدية ديربورن، كما أصبح الأعضاء من أصول عربية يشكلون أغلبية أعضاء المجلس البلدي لأول مرة في تاريخ المدينة، وذلك بانتخاب ثلاثة أعضاء من أصول لبنانية وعضو رابع من أصل عراقي لأول مرة في تاريخ المدينة أيضاً.
نسبة الإقبال
ورغم تاريخية الانتصارات التي حققها المرشحون العرب أبدى العديد من الناشطين السياسيين في أوساط الجالية، قلقهم من تدني نسبة الإقبال على التصويت في الانتخابات الأخيرة والتي بلغت 33.5 بالمئة فقط، على الرغم من حجم الأموال الهائلة التي أنفقت على مختلف السباقات.
لكن في المقابل، يؤكد ناشطون آخرون أن نسبة الإقبال في الانتخابات البلدية الأخيرة كانت «أكثر من طبيعية»، لافتين إلى أنه من الخطأ المقارنة بنسبة الإقبال القياسية في انتخابات العام الماضي التي تضمنت سباق الرئاسة الأميركية، حيث وصلت نسبة المقترعين في ديربورن نحو 70 بالمئة.
ويقول هؤلاء إنه من الأجدر المقارنة بآخر انتخابات بلدية أجريت في ديربورن، والتي كانت في العام 2017، حين بلغت نسبة الإقبال 32 بالمئة.
بالأرقام، أدلى 24,216 ناخباً بأصواتهم من أصل 72,177 ناخباً مسجلاً في انتخابات نوفمبر الماضي، وحصل حمود على 13,040 صوتاً، متقدماً بفارق 2,244 صوتاً على منافسه، الرئيس السابق لمجلس مفوضي مقاطعة وين، غاري وورنتشاك، الذي نال 10,796 صوتاً.
أما في انتخابات العام 2017، فقد صوّت 19,217 من أصل 60,752 ناخباً مسجلاً، وقد أيّد حينذاك 10,999 إعادة انتخاب رئيس البلدية جاك أورايلي لولاية ثالثة، فيما صوّت 8,218 لصالح منافسه توماس تافيلسكي.
انقسام ديموغرافي
بعد تصدره جميع أقلام الاقتراع في المدينة، خلال الانتخابات التمهيدية التي أجريت في آب (أغسطس) الماضي، جاءت نتائج الجولة النهائية لتعكس تراجعاً لافتاً في عدد أقلام الاقتراع التي فاز بها حمود بمواجهة وورنتشاك، لتعكس جزئياً التوزع الديموغرافي للعرب والبيض في المدينة التي تضم زهاء 110 آلاف نسمة بحسب أحدث الإحصائيات.
فبينما فاز حمود بجميع أقلام الاقتراع في شرقي ديربورن، تصدر منافسه وورنتشاك معظم الأقلام في غرب المدينة التي تضم 50 قلماً انتخابياً.
وقد سجل أعلى معدل إقبال بنسبة 51.1 بالمئة في «القلم 31» الذي فاز به حمود، فيما سجل أدنى معدل في «القلم 2» بنسبة 22.3 بالمئة، وقد فاز به حمود أيضاً (انظر الخريطة لمعرفة الفائز في كل قلم اقتراع).
المجلس البلدي
في انتخابات مجلس ديربورن البلدي، تمكن المرشح مايك سرعيني من تصدر السباق بـ13,583 صوتاً، ما أهله لترؤس المجلس الذي سيضم أيضاً كلا من إيرين بيرنز، ليزلي هيريك، كمال الصوافي، كين باريس، روبرت أبراهام، ومصطفى حمود الذي حل سابعاً بـ8,314 صوتاً.
وفيما تمكن الصوافي من الفوز كأول عضو من أصل عراقي في سباق المجلس الذي بات يضم ثلاثة أعضاء من أصول لبنانية، حل المرشحون اليمنيون في المراتب الثلاث الأخيرة في السباق الذي ضم 14 مرشحاً، وكانت أفضلهم سمراء لقمان بحصولها على 7,402 صوت، ثم سعيد العواضي بحصوله على 6,368 صوتاً، وخليل عثمان الذي حل أخيراً بـ5,592 صوتاً.
وكانت بعض الأوساط اليمنية قد اتهمت الناخبين اللبنانيين بعدم التصويت لصالح المرشحين اليمنيين، ما تسبب بفشلهم في الوصول إلى المجلس، لكن لدى تحليل نتائج أقلام الاقتراع ذات الكثافة اليمنية يتضح أن أغلبية الناخبين في منطقة ديكس لم يصوتوا للمرشحين من أصول لبنانية، بمن فيهم مايك سرعيني الذي تصدر معظم أقلام الاقتراع في المدينة، باستثناء قلمي مدرسة «سالاينا» حيث حل سادساً.
وسجل قلما اقتراع «سالاينا» نسبة إقبال متدنية للغاية بتصويت 744 ناخباً فقط من أصل 2,912 ناخباً مسجلاً. وقد صوتت الأغلبية الساحقة منهم لصالح المرشحين اليمنيين الذين تصدروا السباق هناك، بحلول العواضي في المرتبة الأولى تليه لقمان ثم عثمان الذي حل ثالثاً، فيما حل الصوافي رابعاً.
ولدى احتساب النتائج في كافة أقلام شرق ديربورن التي تشمل ديكس أيضاً، يتبين أن المرشحين اليمنيين الثلاثة كان ضمن المراتب السبع الأولى في السباق، متفوقين على مرشحين اثنين من أصول لبنانية، علماً بأن الجالية اللبنانية في ديربورن تتركز في شرق المدينة.
وتظهر التحليلات أن المرشحين اليمنيين الذين حصلوا على دعم لجان العمل السياسي العربية حققوا أداءً جيداً في الأحياء العربية المختلطة، مثل أقلام «لاوري»، «وودوورث» و«مكدونالد».
غير أن نتائج أقلام الاقتراع في غرب ديربورن حيث يتركز الناخبون البيض، تظهر السبب الحقيقي لخسارة المرشحين اليمنيين في سباق المجلس البلدي، وهو عدم قدرتهم على جمع الأصوات في الجانب الغربي من المدينة، وبالتحديد العواضي وعثمان، اللذان لم يتمكنا من نيل أكثر من ألفي صوت لكل منهما.
ويدرك خبراء الانتخابات في ديربورن أن الفوز بأي سباق على صعيد المدينة بأكملها يستوجب على المرشح تفعيل حملته الانتخابية في جميع أرجاء المدينة، لاسيما في الجانب الغربي حيث تكون نسب الإقبال مرتفعة مقارنة بشرق المدينة.
وعلى سبيل المثال، احتل غاري إينوس المرتبة السابعة في انتخابات أغسطس التمهيدية، وبسبب عدوله عن القيام بحملة جادة في شرقي ديربورن، تراجع في الجولة الأخيرة إلى المرتبة الثامنة بفارق 36 صوتاً فقط عن حمود الذي كان قد حل في المرتبة 11 في الجولة التمهيدية، لكن حملته المكثفة في جميع أرجاء المدينة، مكنته –في نهاية المطاف– من الفوز بالسباق.
أما المرشح عثمان، الذي اتهم بعض الفعاليات العربية بـ«العنصرية» و«مناهضة البيض» في محاولة منه لتعزيز حظوظه الانتخابية، بعد حلوله في المرتبة 13 بالجولة التمهيدية، فتراجع إلى المرتبة الأخيرة في الجولة النهائية، ما يثبت أن بعض التكتيكات الانتخابية غير فعالة، فضلاً عن كونها قد تأتي بنتائج عكسية، مع الإشارة إلى أن عثمان حصل على أقل الأصوات في الأقلام ذات الكثافة اليمنية، مقارنة بالمرشحين اليمنيين الآخرين.
ورغم الدعوات المتكررة من صحيفة «صدى الوطن» و«اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) إلى التصويت لسبعة مرشحين في سباق المجلس البلدي، لإيصال أكبر عدد من المرشحين العرب المؤهلين إلى المجلس، إلا أن ظاهرة التشطيب كانت واضحة في نتائج أقلام الاقتراع ذات الكثافة العربية.
وعلى سبيل المثال، سجل أعلى معدل للتشطيب في «القلم 21» (سالاينا) حيث أهدرت 37 بالمئة من أصوات المقترعين بسبب تصويتهم لعدد محدود من المرشحين، حيث وزع الناخبون 1,886 صوتاً على المرشحين من أصل 3,003 صوتاً ممكناً. أما في «القلم 20» (سالاينا)، فأهدرت 32 بالمئة من الأصوات، بتوزيع 1,491 صوتاً من أصل 2,205 أصوات ممكنة.
أما في القلمين «1» و«2» بمدرسة «مكدونالد»، فقد أهدرت 30 بالمئة من الأصوات بتوزيع 4,353 صوتاً من أصل 6,286 صوتاً ممكناً.
Leave a Reply