الحمدلله الذي هدانا لطاعته لما فيه من خير ورضى. وثبتنا على الصراط المستقيم والعمل الصالح وحثنا على مكارم الاخلاق، وقرب الينا الخير واهله، وجعل لنا ازواجا سكنا لنا، وابناء سندا لنا. من بديهيات الحياة، التي نشا عليها ذوينا واجدادنا وتوالت الى ايام ليست بالبعيدة عن زمننا، بديهة التماسك الاسري والتضامن العائلي.
لا ابغي من كتابتي هذه اطلاق شعارات ، بل جل ما اصبو اليه تنوير الذين لم يزل يضيء لديهم ذلك الشعاع الذي ندعوه الاسرة والعائلة ويثير فيهم كل وهج عاطفي واهتمام ابوي وامومي.
ان مشكلة التفكك الاسري من ابرز المشاكل التي لمستها منذ ان وطأت ارض هذه البلاد، وللاسف وبعد اطلاعي على العديد من المصادر فوجئت بان الجالية العربية بشكل عام ودون ذكر اي جانب خاص تعاني في الاونة الاخيرة و بشكل ملحوظ مشكلة التفكك الاسري. ان الازمة طالت الفئات المجتمعية بكاملها دون اي استثناء.
ما معنى التفكك الاسري؟ ما هي اسبابه والعوامل المؤدية له؟ كيفية معالجته كظاهرة اجتماعية من ناحية وكمعصية دينية من ناحية اخرى؟
لم يتفق علماء النفس الاجتماعي على تحديد مفهوم التفكك الأسري، الا ان التفسير الرئيسي هو تصدع الاسرة وتكسرها، مما يحرمها الطابع الكلي وتسيطر الفردية المتشرذمة، وذلك نتيجة حتمية لعوامل محض اجتماعية وتربوية واخلاقية ودينية. الا ان ابرز المسببات هي: فقدان احد الوالدين او كليهما، او انفصال وطلاق الاهل او تعدد الزوجات (من العوامل الايجابية التي نهى عنها القانون المدني الاميركي) او سجن احد الوالدين ،أو غيابه لمدة طويلة ويمكن إضافة عناصر أخرى للمفهوم تتعلق بالفقر وعمل الوالدين، وعدم قدرتهم على تنشئة أبنائهم التنشئة السليمة، وارتكاب أحد الوالدين أو كليهما الرذيلة.
وللتفكك الاسري تصنيفات ابرزها:
أ- التفكك الأسري الجزئي الناتج عن حالات الانفصال والهجر المتقطع، حيث يعود الزوجان إلى الحياة الأسرية، غير أنها تبقى حياة مهددة من وقت لآخر بالهجر أو الانفصال.
ب- التفكك الأسري الكلي الناتج عن الطلاق أوالوفاة أو الانتحار أو قتل أحد الزوجين أو كليهما.
ج- التفكك النفسي الناتج عن حالات النزاع المستمر بين أفراد الأسرة وبخاصة الوالدين، فضلاً عن عدم احترام حقوق الآخرين والإدمان على المخدرات والكحول ولعب القمار.
د- التفكك الاجتماعي الناتج عن الهجر أو الطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو كليهما أو الغياب طويل الأمد لأحد الوالدين. وقد يضاف إلى ذلك غياب العدل في حالات تعدد الزوجات.
هذه ابرز الاسباب المؤدية لهذه الظاهرة الاجتماعية المدمرة التي يغفل الكثيرون عن ادراك مدى خطورتها وعن مدى قدرتها في تدمير المجتمع من خلال تدمير بنيانه الاساسي والقضاء على ركيزته التي هي ودون اي جدل، الاسرة.
اذن هذه الظاهرة هي نتاج حتمي لخلل سلوكي ضمن الاسرة الواحدة ومنها في المجتمع الديربورني، تغلغلت هذه الافة الى معظم المنازل، منها من استاذن الدخول لتوفر مقومات نصرة هذه الازمة، ومنها من تهجم للعبث ببعض الاسر لا سيما القادمة حديثا الى هذه البلاد والتي لم يتسن لها التكيف الواعي والتاقلم الحضري مع مجتمع وبيئة مختلفتين كل الاختلاف عما عايشته وعاشته الاسر المعنية في وطنها الام، واضحى من الواضح بان لم يعد الاهل اهلا لتحمل مسؤولية اسرهم وابنائهم، ولا الابناء ابناء يحتاجون لمن يرعى شؤونهم.
فمن الناحية التربوية قلما تجد اولياء الامر يعاينون الواجبات المدرسية لولدهم او يكترثون للمستوى العلمي والثقافي والدراسي الذي يحصله، ولقد ذكرت لي احدى المعلمات في مدرسة فوردسون انهم لا يرون الاهل الا اذا دعيوا لاجتماع او لتوزيع النتائج النهائية او لحل مشكلة سلوكية قام بها الابن او الابنة مؤكدة انه لو لم يكن التعليم مجانيا لما استقطبت المدارس في هذا المجتمع هذا العدد. اما من الناحية المادية فكل وراء رزقه ساع، فالعمل وجمع المال اصبح الهم المسيطر على عقول البعض، بينما الابناء تتربص بهم عيون الغدر ومخالب الشر المحيطة بكل مكان لافتراس براءتهم وسذاجتهم. ومن الناحية الدينية، تعمل كل الديانات على شد اواصر الاسرة ووضع الضوابط ورسم التشريعات التي تنظم العلاقات بين أفرادها، ومنع تفككها، وجاء في كتابه العزيز: ومــن آياته أن خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة. ولا نغفل عن الجهود التي يبذلها المشايخ وعلماء الدين والدعاة في مساجد الجالية لبث التوعية وتحفيز النشاطات الجماعية والبرامج الترفيهية والتثقيفية ومنح المنح المدرسية، كلها للتشجيع على الانصهار المجتمعي الواعي والهادف لمحاربة الخلل الحاصل في التركيبة الاسرية.
من النتائج الظاهرة علنا لازمة التفكك الاسري، انحلال البيت الواحد الموحد، وخروج من بلغ الثامنة عشر عن طاعة ذويه والسكن بمفرده او مع رفاق السوء، او خروج احد الوالدين من اطار هذه المؤسسة الاسرية لاسباب عدة، ساذكر البعض منها:
– الخطأ في اختيار الشريك والتسرع في الزواج، فكم من زوج يعيش على مضض حياته الزوجية فقط حرصا على ابنائه وفلذات كبده،وكم من زوجة تتحمل مشاقا جمة فقط للبقاء بقرب اولادها. وهنا استذكر المثل الشعبي القائل: رضيت بالهم، والهم لم يرض بي.
– فشل الوالدين في التنشئة الأسرية السليمة لأبنائهم فعلى الوالدين أن يدركا عظم المسؤولية الملقاة عليهما تجاه أبنائهم. وليس أدل على ذلك من قوله (ص): «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته»، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها.
– تعرض رب الاسرة لانتكاسة مالية وعجزه عن تامين احتياجات اسرته، او تعرضه لازمة صحية او عجز كلي او جزئي ناتج عن عطل في العمل. وهنا تتزعزع بنية الاسرة، فالزوج هو المسؤو ل دينا وشرعا على اعالة اسرته وهنا يستوقفني قوله (ص) «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف».
ويعد الفقر والبطالة مسؤولان عن الأزمات الأسرية، إذ يؤديان إلى عدم إشباع الحاجات الفسيولوجية لأفراد الأسرة، وقد يدفعان الأب إلى ممارسة بعض أشكال الانحرافات السلوكية كالإدمان على الكحول أو المخدرات، هروبًا من مواجهة المسؤولية، أو كاللجوء إلى مزاولة أعمال يحرمها القانون كالسرقة أو الاتجار بالمخدرات وغيرها.
عمل المرأة
يعد عمل المرأة من المشكلات الأساسية التي تهدد استقرار الأسرة ، لأن في ذلك إقصاء لها عن أدوارها الأساسية وهي الأمومة والزوجية، فهي مسؤولة عن بناء أسرتها وتنشئتها تنشئة صالحة، وبعملها خارج بيتها تفسد علاقتها بأبنائها، فهي تغيب عن البيت فترة طويلة يوميا، وعندما تعود إلى البيت تكون مجهدة متعبة وبحاجة إلى الراحة، وبهذا يفقد الأبناء الدفء والمودة والحنان والعطف، كما يفقدون التربية والتوجـــيه..
الخيانة الزوجية والطلاق
يعدان من العوامل الرئيسة لانحراف الأبناء وتشـردهم وضياعهم وتشتت أفراد الأسرة، فالتماسك الأسري والاستقرار الزواجي يقتضي وجود أسرة متكاملة متحابة متعاطفة، فإن انفصال الزوجين بالطلاق أو حتى بغياب أحدهما لفترة طويلة سيؤدي إلى الحرمان العاطفي للأبناء، والفشل في تكوين القيم الاجتماعية لديهم، وشعورهم بالقلق وعدم الثقة بالذات وبالآخرين.
ان هذا الموضوع يحتاج للمزيد من المداخلات والتوضيحات والتحليلات لكنه ازمة فتكت ولا تزال تفتك في اسر جاليتنا التي ساحرص كل الحرص على نشر التوجيه والتوعية قدر المستطاع. فخوفي على ما سياتي، فالتصدع يتزايد مع الوقت والعواقب ستكون اكثر وخامة وعليه، بات لزامًا العمل على تصويب أوضاع الأسرة، وإعــادة مكانتـه وهيـبتها وتحقيق أهدافــها.
Leave a Reply