وليد مرمر – لندن
تقول مصادر مطلعة على صلة بالتحقيقات الجارية حول اغتيال الدكتور محسن فخري زاده، إن عملية اغتيال العالم النووي الإيراني الذي وقعت منذ أيام تم التخطيط لها منذ زمن بمشاركة 62 عنصراً بينهم 12 عنصراً تولوا التنفيذ الميداني بعدما خضعوا لتدريبات خارج إيران. وحددت التحقيقات، المركبات التي شاركت في العملية، وهي سيارة «هيونداي» وأخرى من نوع «نيسان» إضافة إلى أربع دراجات نارية. وقد تم اختيار التوقيت فيما كان فخري زاده في موكبه المؤلف من ثلاث سيارات مصفحة عائداً إلى بيته في طهران.
قبل نصف ساعة من وصول الموكب تم قطع الكهرباء عن المنطقة تماماً. وبعد مرور السيارة الأولى من دوار مدخل المدينة، فتحت النيران على السيارة الثانية التي كان فخري زاده بداخلها فيما تم تفجير سيارة مفخخة قرب سيارة الحماية الثالثة.
كل هذا ليس إلا تبسيطاً بالغاً للعملية المعقدة التي تطلبت أشهراً من الرصد والمتابعة والاستعانة بآخر الابتكارات التكنولوجية في مجالات الاتصال والرصد والتفجير عن بعد، فضلاً عن تجنيد العملاء داخل وخارج إيران.
من هو محسن فخري زاده؟
إنه بكل بساطة قاسم سليماني الملف النووي الإيراني. فهو كبير خبراء وزارة الدفاع ولوجستيات القوات المسلحة والرئيس السابق لمركز أبحاث الفيزياء وأحد أهم العلماء في منظمة الابتكار والبحث الدفاعي. ولقد أورد الصحافي عماد مرمل في صحيفة «الجمهورية» أن «إنجازات محسن فخري زاده قد تجاوزت الملف النووي وكانت له مساهمات نوعية في مكافحة وباء كورونا حيث ذكرت معلومات أنه وفريق عمله تمكنوا من التوصل إلى فحص سريع جاهز للاستعمال الداخلي وللتصدير، كما وقد بلغوا مرحلة متقدمة في ابتكار لقاح مضاد للوباء. وهذا ما دفع جهات خارجية إلى إبلاغ طهران رسالة تحذيرية مفادها: عليكم عدم الدخول في هذا المعترك، بحسب أوساط إيرانية».
ولا شك أن عملية الاغتيال هذه، قد رفعت من منسوب التوتر في المنطقة إلى درجة عالية وفتحت الأبواب على كافة الاحتمالات سيما مع تتابع الدعوات من مسؤولين إيرانيين حول حتمية الرد في المكان والوقت المناسبين، وتزايد التساؤلات حول جدوى الالتزام ببنود الإتفاق النووي بعد الآن.
فقد صرح رئيس لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني فريدون عباسي دواني، بأن الرد يجب أن يكون بالانسحاب من الإتفاق النووي وإخراج جميع مفتشي الوكالة الذرية فوراً.
من جهته، قال رئيس اللجنة الأمنية والدفاعية في مجمع تشخيص مصلحة النظام أحمد وحيدي، «لا معنى لبقاء إيران في معاهدة عدم الانتشار النووي بينما يتم استهداف المواقع النووية والعلماء فيها»، مضيفاً أن «الكيان الصهيوني هو من نفذ مؤامرة الاغتيال بضوء أخضر من الولايات المتحدة وبمساعدة مرتزقة من الداخل». وتابع وحيدي قائلاً «لقد سبب الإسرائيليون لنا المتاعب والجمهورية الإسلامية سترد بالطريقة المناسبة وفي المكان المناسب». أما المتحدث باسم منظمة الطاقة النووية الإيرانية، بهروز كمالوندي، فقد قال إن «منفذي الانفجار الأخير في موقع «نطنز» النووي هم أنفسهم من قتلوا فخري زاده ويبدو أن إسرائيل متورطة في هذه العمليات».
جواد ظريف، وزير الخارجية الإيرانية، غرد على «تويتر» قائلاً: «قتل الإرهابيون اليوم عالماً إيرانياً بارزاً مع وجود مؤشرات قوية لدورٍ إسرائيلي وهذا ما يظهر دعوات الحرب اليائسة للمنفذين. تدعو إيران المجتمع الدولي وخاصة الإتحاد الأوروبي إلى إنهاء ازدواجية المعايير المخزية واستنكار هذا العمل الإرهابي». وزير الدفاع الإيراني السابق، حسين دهقان، غرد بدوره عبر «تويتر» بأن «الاغتيال نفذته إسرائيل لإثارة حرب في الأيام الأخيرة من رئاسة ترامب. وأعلن أن الانتقام قادم».
أما «مجلس صيانة الدستور» فقد أقر بدوره –يوم الأربعاء الماضي– قانوناً يلزم الحكومة بوقف تفتيش الأمم المتحدة مواقعها النووية وبزيادة تخصيب اليورانيوم إلى 20 بالمئة إذا لم تُخفَّف العقوبات عن طهران خلال شهر. وجاء هذا الإعلان بعد يوم واحد على موافقة البرلمان بأغلبية كبيرة على مشروع قانون يطالب الحكومة بتعليق عمليات التفتيش على المنشآت النووية ما لم تُرفع العقوبات وبأن تتجاهل القيود الأخرى التي اتفقت عليها مع الدول الكبرى.
واستنكرت دول عدة، اغتيال العالم الإيراني، بينها روسيا وتركيا والكويت، فيما كان بارزاً استنكار دول محسوبة في الخط المناوئ لطهران كالإمارات والأردن.
إسرائيل كعادتها لم تعلق سلباً أو إيجاباً على العملية فيما أعاد الرئيس الأميركي نشر تغريدة للصحفي الصهيوني المعروف يوسي ميلمان الذي كتب: «أُغتيل محسن فخري زاده في دامافاند شرق طهران نقلاً عن مصادر في إيران. لقد كان رئيس البرنامج السري العسكري الإيراني وهو مطلوب لسنوات عديدة من الموساد. إن موته يشكل ضربة نفسية ومهنية كبرى لإيران». وغني عن القول أن إعادة نشر ترامب لهذه التغريدة ينطوي على تأييد ضمني لعملية الاغتيال الخارجة عن القانون الدولي والتي تعد جريمة بكل ما للكلمة من معنى.
وفي هذا الإطار كان لافتا تغريدة جون برينان، مدير الاستخبارات الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما بين عامي 2013 و2017 والذي كتب: «هذا الاغتيال هو عمل إجرامي ومتهور للغاية وهو يعرض المنطقة لردود فعل كارثية وجولات جديدة من الصراع. ينبغي على المسؤولين الإيرانيين أن يكونوا حكماء وأن ينتظروا عودة إدارة أميركية مسؤولة إلى المسرح العالمي ويجب عليهم أن يلزموا ضبط النفس وأن يقاوموا الرغبة بالرد على مقترفي الجريمة المحتملين».
مغزى توقيت الاغتيال
تقول مصادر مطلعة إن اغتيال فخري زاده لن يعطل البرنامج النووي الإيراني ذلك أن هناك العشرات من العلماء الإيرانيين الذين كانوا يتشاركون العمل معه ويستفيدون من خبرته. ولكن اغتياله لا شك هو اغتيال لأية محاولة جدية مستقبلية من قبل إدارة جو بايدن المرتقبة لإحياء الاتفاق النووي مع إيران. فقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن ترامب ونتنياهو يسعيان للضغط على إيران قبل دخول بايدن إلى البيت الأبيض لتعقيد أية مفاوضات محتملة عبر وضع إيران في مكان حرج، خاصة وأن العقوبات المفروضة على إيران لن يكون من السهل على إدارة بايدن رفعها، خصوصاً تلك المتعلقة بحقوق الإنسان ودعم الإرهاب.
وقد صرحت مصادر مقربة من الإدارة الأميركية أن الرئيس ترامب قد أعطى الضوء الأخضر والتفويض المطلق للثنائي «بومبيو–أبرامز» لممارسة أقصى أنواع الضغط على إيران في الأسابيع المقبلة، ولكن بما لا يتسبب بحرب شاملة. وفي خضم هذا التصعيد من الواضح أن أي رد انتقامي من إيران ستكون له عواقب تصعيدية يتوق إليها صقور الإدارة الأميركية ولو في أيامهم الأخيرة!
walidmarmar@gmail.com
Leave a Reply