عماد مرمل – «صدى الوطن»
مع انجاز الانتخابت البلدية في لبنان بسلام على المستوى الامني، وبنجاح على المستوى التنظيمي، اكتشف اللبنانيون أن التمديد للمجلس النيابي مرتين خلال السنوات الماضية، تارةً لاسباب أمنية وطوراً لأسباب سياسية، لم يكن مبرراً وأن الحيثيات التي استند اليها كانت مجرد قنبلة دخانية للتمويه على الحقيقة المضمرة وهي أن هناك قوى سياسية وجدت ان مصلحتها تقضي بارجاء الاستحقاق النيابي أطول فترة ممكنة لئلا تنكشف نقاط ضعفها.. الشعبية والمالية.
لكن ما حاول البعض أن يخفيه، أماطت اللثام عنه صناديق الاقتراع البلدي التي فاضت بالكثير من الدلالات وأهمها أن تحولا كبيرا طرأ على المزاج الشعبي خلال السنوات الماضية، وأن الطبقة السياسية تعيش أسوأ أيامها بعدما استفحلت مؤخرا ازمة الثقة بينها وبين الناس، تحت وطأة ملفات الفساد والمآزق السياسية التي تتحمل مسؤولياتها أطراف السلطة الحاكمة.
ولعل رسالة الاحتجاج الأبلغ على الواقع السائد، عكستها الصفعة الموجعة التي تلقاها ائتلاف «تيار المستقبل» والزعماء التقليديون في الانتخابات البلدية في طرابلس، وتلك التي تلقاها كذلك تحالف «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» في بلدات مسيحية أساسية مثل تنورين والقبيات في الشمال، ما دفع الرئيس نبيه بري الى القول لـ«صدى الوطن» إن على القوى الحزبية والسياسية أن تلتقط نبض الناس الذي ترجمته نتائج الانتخابات البلدية، مشيراً الى أن الأزمات التي عانى منها اللبنانيون في الفترة الماضية، وأخطرها فضيحة النفايات، تركت أثرها على مسار الاستحقاق البلدي ونتائجه.
لم يكن أمرا بسيطاً أن يتمكن وزير العدل المستقيل أشرف ريفي بمفرده في أن يتفوق بعاصمة الشمال على تحالف عريض حظي برعاية المملكة العربية السعودية وضم أغنياء المدينة وقياداتها (سعد الحريري، نجيب ميقاتي، محمد الصفدي، فيصل كرامي، الجماعة الاسلامية، الأحباش)، الأمر الذي شكل زلزالاً سياسياً، ستتلاحق هزاته الارتدادية حتى وقت طويل، مع ولادة زعيم سني جديد على انقاض قيادة الرئيس سعد الحريري الآخذة في الانحسار.
وفي حين يرتاب خصوم ريفي في إمكانية حصوله على دعم خارجي سهل فوزه البلدي، أبلغت مصادر سياسية مطلعة «صدى الوطن» أن هناك معطيات تفيد بأن الرجل زار قبل موعد الانتخابات دولة خليجية، مرجحة أن تكون هذه الدولة قد أمنت مظلة لريفي، في اطار «زكزكة» الرياض التي تفادى سفيرها في بيروت دعوة وزير العدل السابق الى حفل العشاء الذي أقامه على شرف عدد كبير من الشخصيات اللبنانية في مقر السفارة مؤخراً.
ولم يكن أمراً عادياً كذلك ان تنجح شخصيات مسيحية، غير حزبية، وترمز الى بيوتات سياسية في الصمود امام ثنائي التفاهم «القواتي-البرتقالي» الذي افترض الكثيرون انه سيكون «تسونامي» سياسي، من شأنه ان يجرف في طريقه خصومه ومنافسيه في الانتخابات البلدية، خصوصا أن طرفي التفاهم روّجا انطباعاً مفاده انهما يمثلان قرابة 86 بالمئة من المسيحيين، الأمر الذي لم ثتبته الأرقام الانتخابية على الأرض.
بل إن الوقائع أظهرت أن رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية هو الرقم الاصعب في قضاء زغرتا، والنائب ميشال المر الاقوى حضورا في قضاء المتن، والوزير بطرس حرب المنافس اللدود في قضاء البترون، والنائب نقولا فتوش ورئيسة الكتلة الشعبية السيدة ميريام سكاف (زوجة النائب السابق ايلي سكاف) الاوسع تمثيلا في زحلة وإن خسرا الانتخابات بسبب توزعهما على لائحتنين متنافستين في مقابل لائحة «القوات-التيار». كما تبين أن النائبين السابقين منصور البون وفريد هيكل الخازن ورجل الأعمال نعمت افرام هم أصحاب نفوذ وازن في عاصمة كسروان، جونية، حيث خسرت اللائحة المدعومة منهم بفارق بسيط جداً عن تلك المدعومة من «التيار» وحلفائه.
والى جانب هذه النتائج المعبرة، ظهرت مكامن خلل عدة في جسم الثنائي المسيحي بحد ذاته، إذ افترق «التيار الحر» و«حزب القوات» في أكثر من منطقة وتواجها انتخابيا كما حصل في بلدة الحدث في قضاء بعبدا، أو وقوف أحدهما على الحياد وترك حليفه وحيداً، كما جرى في مدينة البترون التي تشكل معقل رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل، ما انعكس على متانة التحالف ومصداقيته.
كما ان اللائحة المدعومة من «القوات اللبنانية» واجهت في مسقط رأس سمير جعجع، في بلدة بشري، منافسة من لائحة مضادة حازت على نسبة مقبولة من الأصوات، في حين كان يفترض أن تفوز البلدية بالتزكية في معقل جعجع وزوجته السيدة ستريدا التي تولت ادارة العملية الانتخابية في مجمل قضاء بشري.
لا يعني ذلك أن تحالف معراب ضعيف أو انه أصيب بهزيمة نكراء، إذ ان التدقيق في الجانب الآخر من الكوب يبين ان قطبيه استطاعا الفوز بمروحة واسعة من البلديات والمخاتير في المناطق المسيحية، خصوصا ان انتشارهما يمتد من مرجعيون في أقصى الجنوب الى عكار في أقصى الشمال، إضافة الى انه لا يمكن اطلاق أحكام نهائية ومبرمة على قدرات هذا التفاهم الثنائي، باعتبار انه لا يزال في بداية الطريق، ويحتاج الى مزيد من التجارب والوقت قبل أن يشتد عوده.
لكن الأكيد، أن نظرية تمثيل الطرفين لـ86 بالمئة من المسيحيين أسقطتها صناديق الاقتراع، وان المكونات المسيحية الاخرى لها حيثياتها الشعبية التي لا يمكن اختزالها بتحالف «التيار»-«القوات»، وإن يكن هذا التحالف يملك أرجحية، تؤهله لأن يكون الاول تمثيلياً، إنما ليس الوحيد.
وحتى تحالف «حركة أمل»-«حزب الله»، الذي يراه البعض بمثابة «محدلة»، لم يستطع اختصار كل الساحة الشيعية في الانتخابات البلدية التي افرزت لوائح منافسة للثنائي الشيعي في العديد من المدن والبلدات. ولئن كان هذا الثنائي قد فاز بمعظم البلديات الموجودة في مناطق نفوذه، إلا أن الارقام أظهرت أن المنافسين حصلوا على نسبة مقبولة من الاصوات، كانت ستسمح لهم بخرق بعض لوائح «أمل-حزب الله»، لو ان الانتخابات البلدية تمت على أساس النسبية.
وعلمت «صدى الوطن» أن اجتماعا غير معلن عقد قبل أيام بين الوزير علي حسن خليل والمسؤول الامني أحمد البعلبكي عن «حركة أمل»، والحاج حسين خليل ومسؤول الارتباط والتنسيق وفيق صفا عن «حزب الله»، جرت خلاله مراجعة تجربتهما المشتركة في الانتخابات، وتشريح نقاط القوة والضعف فيها.
Leave a Reply